<p>كنت أظن أن مرحلة “الرضاعة الليلية” هي أصعب ما يمكن أن نمر به أنا وزوجتي. لكن يبدو أنني كنت ساذجًا. ابني، ذاك الملاك الصغير في النهار، يتحوّل لِـ"جاسوس محترف" في منتصف الليل. لا أدري كيف يتجاوز الظلام والباب المغلق ثم يندس بيننا في الفراش وكأنه يملك خريطة طريق سرية. في البداية، كان الأمر يبدو بريئًا… أحتضنه قليلًا، وتغفو أمه بابتسامة.</p> <p>لكن مع مرور الأيام، صار حضوره روتينًا ثابتًا، وصار جسده الصغير يزاحمني في نصف السرير، وركلته العفوية في الثالثة فجرًا توقظني من أحلى نوم. أما زوجتي… فبدأت تفتقد تلك اللحظات الهادئة التي كنا نتحدث فيها قبل النوم أو نتقارب دون أن يكون بيننا حاجز من “الوسائد الصغيرة” أو قدمين باردتين.</p> <p>صرنا نستيقظ ونحن منهكون، بلا طاقة، ومع كل صباح يزداد شعورنا أن علاقتنا الزوجية لم تعد تأخذ حقها من الدفء والخصوصية. والأدهى… أن الطفل بات يعتبر فراشنا “حقًا مكتسبًا” لا نقاش فيه، حتى أن محاولاتنا لإعادته لغرفته أصبحت معركة خاسرة. أحيانًا أفكر: متى سنستعيد سريرنا… وزوجتي… وهدوء ليالينا؟</p>
أضحك الله سنك كما أضحكتني بصياغتك لاستشارتك بأسلوبك اللطيف الممزوج بالدعابة، فقد جعلتَ من مشكلتك مشهدًا حيًّا يتنقّل بين الابتسامة والتأمل.
ودعني في البداية، أتناول الأمر معك بهدوء وعمق؛ لأن ما تصفه ليس مجرّد عادة نوم، بل هو نمط سلوكي يرتبط بعوامل نفسية وتربوية وأسرية متداخلة.
أولًا: ماذا يحدث مع ابنك؟
إن الذي يحدث ابنك هو مثال على ما يسمّى في علم النفس الأسري بـ "Attachment Behavior" أو سلوك التعلّق، وهو سلوك طبيعي في مراحل الطفولة المبكرة، حيث يبحث الطفل عن الأمان الجسدي والعاطفي من خلال القرب الجسدي من والديه، خاصة في أوقات الليل.
المشكلة لا تكمن في أصل السلوك، وإنما في تحوّله إلى "Sleep Association" أو ارتباط النوم، بحيث لا يستطيع الطفل النوم إلا بوجودكما.
ثانيًا: أثر ذلك على العلاقة الزوجية:
وجود الطفل في سرير الزوجين لفترات طويلة يخلّ أحيانًا بالمساحة الزوجية، وهي المساحة الخاصة التي تمنح العلاقة الزوجية دفئها وخصوصيتها. وغياب هذه المساحة تدريجيًّا قد يؤثر على التواصل العاطفي والحميمي بينكما، وهو ما عبّرت عنه بصدق حين قلت: إنك تفتقد اللحظات الهادئة مع زوجتك.
ولذلك فإن ديننا الحنيف يوجّهنا للحفاظ على خصوصية العلاقة الزوجية، ويُربّي الأبناء على الاستئذان واحترام الحدود، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ﴾، ومن هذه الأوقات المذكورة وقت ما قبل الفجر وبعد العشاء، وهي إشارة واضحة لحق الزوجين في الخصوصية وعدم اختراقها.
* وهنا أوجه بخطوات عملية لاستعادة السرير والخصوصية:
1- اعملا على التهيئة النفسية المسبقة للطفل..
تحدّثا معه نهارًا عن أن له سريرًا وغرفةً هي مملكته الخاصة، واربطا الأمر بمفاهيم إيجابية مثل الاستقلالية والشجاعة. يمكن أن تربطا الأمر أيضًا بمكافأة بسيطة عند نجاحه في النوم في غرفته.
2- إن أمكن، إعادة تصميم بيئة نومه..
اجعلا غرفته أكثر جاذبية.. إضاءة خافتة، بطانية مفضلة، لعبة محببة، أو ملصقات نجوم مضيئة.
3- من الجيد محاولة وضع روتين ثابت للنوم..
كحكاية قصيرة، دعاء النوم، قبلة واحتضان، ثم توديعه بحب. الأهم أن تكون الخطوات متكررة يوميًّا حتى ترتبط في ذهنه بالنوم.
4- من المهم أيضًا التدرّج في الانفصال عن طفلكما..
إذا أتى الليل، فرافقوه بهدوء إلى غرفته دون فتح حوار طويل، لتوصيل رسالة واضحة بأن مكان نومه ثابت.
5- احرصا على التعاون بينكما كزوجين..
- اتفقا على نهج واحد حتى لا يتلقى الطفل رسائل متناقضة.
- خصِّصا وقتًا للحديث والاقتراب العاطفي بعد نومه لتعويض ما فاتكما.
* ولتعلم أيها الزوج المغلوب على أمره أن هذا التغيير يحتاج إلى نوع من الثبات على المبدأ، والصبر؛ حيث إن له بعدًا تربويًّا نفسيًّا على طفلكما؛ فالطفل قد يختبر الحدود مرات عديدة قبل أن يستوعب القاعدة الجديدة.
وكل محاولة ناجحة ستزيد من ثقته بأنه يستطيع النوم بمفرده، وتزيد أيضًا من شعوره بالأمان الداخلي.
وأخيرًا، فلتطمئن، فهى مرحلة وسوف تمر إن عاجلاً أم آجلاً، وخاصة مع اتباع ما طرحته عليكما من وصايا، حتى تمر بسلام وبدون ترك أثرًا نفسيًّا سلبيًّا عليه.
* همسة أخيرة:
تذكّر أن ابنك لا يقصد أن يكون "جاسوسًا محترفًا" بالليل، بل هو يبحث عن الدفء والاطمئنان منكما. وبنفس الوقت، حقّك أنت وزوجتك في مساحة زوجية خاصة أمر مهم لصحة الأسرة بأكملها. والموازنة بين الحاجتين ممكنة إذا اتبعتما خطوات واضحة وثابتة.
بهذا النهج سوف تستعيدان سريركما، أنت وزوجتك، مع هدوء لياليكما، دون أن تخسرا دفء الحنان مع صغيركما إن شاء الله تعالى.