أخشى أن ينشأ طفلي منطويًا بسبب تربيتي له!!

<p>السلام عليكم ورحمة الله وبركاته<span dir="LTR">.</span></p> <p>أنا أم لطفل واحد عمره ثلاث سنوات. والده مسافر منذ مدة طويلة بسبب عمله، فنحن أكثر الوقت وحدنا في البيت، ولا نخرج كثيرًا ولا نزور الأقارب إلا نادرًا. لا يوجد لدينا أصدقاء مقرّبون، وأقاربنا إمّا بعيدون أو كبار في السن ولا يوجد بينهم أطفال في عمر ابني. أشعر أننا &mdash; دون قصد &mdash; &quot;مغلقون على أنفسنا&quot;.</p> <p>ابني هادئ جدًا ومعظم الوقت ساكت، يفضّل اللعب وحده بالسيارات والمكعّبات، وإذا رأى أطفالًا في مكان عام يكتفي بالنظر من بعيد ولا يقترب للعب معهم. لا يبادر بالكلام خارج البيت، وإذا حاولتُ إشراكه مع أطفال الجيران يتشبث بي أو ينسحب سريعًا. أحيانًا أشغّله على التلفاز أو الهاتف لفترات لكي أنجز أمور البيت، فأجد أنه يرتاح أكثر للشاشة من اللعب المشترك<span dir="LTR">.</span></p> <p>أنا غير خبيرة في التربية، وأخشى أن يكون أسلوبي خاطئًا وأن أكون &mdash; من حيث لا أشعر &mdash; قد ساهمتُ في عزلته. أخاف أن يتأثر نموه الاجتماعي، ولا أعرف من أين أبدأ: هل أدخله حضانة؟ كيف أهيّئه لذلك؟ ما نوع الألعاب والأنشطة التي تساعده على الاندماج والكلام؟ وكيف أعوّض غياب والده وهو بعيد؟ وهل هناك خطوات يومية بسيطة &mdash; برنامج عملي &mdash; ألتزم به في البيت لأشجّعه على التفاعل واللعب والتعبير عن نفسه دون ضغط؟</p> <p>أحتاج إلى إرشاد واضح بالطريقة السليمة يا د.أميمة بعد إذنك، للتعامل في هذه الحالة، خطوة بخطوة، حتى أعالج عزلته، وأقوّي مهاراته الاجتماعية، وأطمئن أني أسير في الطريق الصحيح<span dir="LTR">.</span></p> <p>جزاكم الله خيرًا<span dir="LTR">.</span></p>

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،

 

ابنتي الكريمة، أثمّن مشاعرك الصادقة وحرصك على تربية ابنك تربية سليمة، وهذا بحد ذاته مؤشر على وعيك ونقاء نيتك، فالله سبحانه وتعالى يقول: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾.

 

الانعزال وغياب الأب

 

أولًا: ما تصفينه من هدوء ابنك وانعزاله لا يعني بالضرورة وجود خلل، فالأطفال في عمر الثلاث سنوات تختلف طبائعهم؛ فمنهم من يميل للحركة والانطلاق، ومنهم من يميل للهدوء والمراقبة. غير أن الاستمرار في الانعزال لفترات طويلة يستدعي أن نتدخل بلطف وحكمة، خاصة أن هذه المرحلة هي مرحلة تطور اجتماعي مبكر Early Social Development، حيث يبدأ الطفل في اكتساب مهارات التواصل، واللعب المشترك، والتعبير عن الذات.

 

ثانيًا: غياب الأب قد يترك فراغًا عاطفيًّا، لكن يمكن تعويضه بالاحتواء من الأم والعائلة. هنا يظهر دورك الحيوي كأم في بناء ما يسمى بـ الأمان الانفعالي Emotional Security، إذ يشعر الطفل أنك الحضن الدافئ الذي يمده بالثقة والطمأنينة.

 

ثالثًا: بالنسبة لسلوك الانعزال والهدوء، هو أقرب لما يسمى في التربية بـ السلوك الانسحابي Withdrawal Behavior، والذي يمكن أن ينشأ إذا لم تتوفر فرص كافية للاندماج الاجتماعي. وهنا يكمن الحل في تهيئة بيئة اجتماعية تدريجية لا صادمة ولا مفاجئة.

 

خطوات عملية

 

إليك خطوات عملية أنصحك بها:

 

1- التدرج في الاندماج:

 

لا تفرضي عليه فجأة اللعب مع مجموعة كبيرة من الأطفال، بل ابدئي بطفل واحد من عمره، ثم اثنين، وهكذا.. فالتدرج يقلل من القلق الاجتماعي.

 

2- من المهم اللعب المشترك معك:

 

شاركيه الألعاب التي يحبها؛ مثل المكعبات أو التلوين أو التمثيل بالأدوار(Role Play)، فهذا يعزز المهارات الاجتماعية Social Skills ويفتح له مجال الحوار.

 

3- أيضا تقليل الاعتماد على الشاشات:

 

فالجلوس الطويل أمام التلفاز أو الهاتف قد يعزز العزلة الاجتماعية  Social Isolationلذلك اجعلي وقت الشاشة محدودًا وموجهًا بمحتوى هادف.

 

4- القصص والحوار أيضا لهما دور مهم:

 

احكي له قصصًا بصوتك، واسأليه أسئلة بسيطة أثناء الحكاية، فهذا ينمّي المهارات اللغوية Language Development، ويحفزه على التفاعل.

 

5- وحبذا أن تلحقيه بحضانة:

 

ولكن أوصيك بأن يلتحق تدريجيًّا ببيئة حضانة ذات طابع تربوي آمن؛، فالحضانة ليست فقط للتعلم، بل لتقوية التفاعل الاجتماعي، وهو ما لا يمكن تعويضه بالبيت وحده.

 

6- كما أن القدوة السلوكية من الجوانب المهمة في التربية:

 

كوني أنتِ المثال له في الترحيب بالناس والتواصل مع الأقارب؛ فالطفل يتعلم عبر الملاحظة أكثر من التعليم المباشر.

 

7- تنمية الجانب الإيماني:

 

اصطحبيه للمسجد أو حلقات الذكر المناسبة للأطفال، ليشعر بالانتماء الروحي والاجتماعي معًا، قال رسول الله ﷺ: «المرء مع من أحب».

 

خامسًا: لا تلومي نفسك يا ابنتي، فقلة الخبرة ليست خطأ، بل فرصة للتعلّم. والوعي، والسعي للسؤال بداية الطريق الصحيح.، وكل خطوة تقومين بها الآن هي استثمار في مستقبل ابنك النفسي والاجتماعي.

 

 * همسة أخيرة للأم الصغيرة:

 

أذكرك حبيبتي بقول الله تعالى: ﴿رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾.. فالتربية رحمة وصبر واحتواء. ابنك أمانة، وهو صفحة بيضاء تنتظر لمساتكِ بحب وحكمة، فلا تقلقي، فخطواتك هذه بداية بناء سليم بإذن الله تعالى.