<p><strong>يقول الله تعالى ﴿مَا كَانَ اللهُ لِيَذَرَ المُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ</strong><strong> </strong><strong>.....﴾</strong><strong> </strong><strong>[آل عمران:</strong><strong> </strong><strong>179]، </strong><span dir="RTL">والسؤال هنا هل بين المؤمنين الصادقين خبيث حتى يميزه من الطيب ، وإن كان لا يوجد ما تفسير الخبيث هنا؟</span></p> <p> </p>
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فهذه الأية نزلت في المؤمنين من أهل أحد وقد اندس في صفوفهم عدد لا يستهان به من المنافقين بقيادة عبد الله بن أُبي لعنه الله، الذي انسحب بثلث الجيش في وقت الشدة، والعبرة كما يقول علماء الأصول بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فهي تصدق في كل فرقة من المنافقين تندس في صفوف المؤمنين، ولا سبيل لتطهير الصف منهم إلا بالابتلاء والتمحيص.
أصحاب المغانم والمصالح
وهي تصدق أيضًا في المؤمنين الذين يريدون الإسلام سهلاً لينًا يقتصر على العبادات، أو يريدون البقاء في الصف المسلم ما دام منتفعًا منهم، من أجل منصب أو مغنم مادي أو اجتماعي لكنه إذا طُلب منه الجهاد بالنفس أو المال قال بلسان حاله مقولة المنافقين لو نعلم قتالا لاتبعناكم، يقول الله تعالى: ﴿وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لاَّتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ يَقُولُونَ بَأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ﴾ [آل عمران: 167].
يقول الله تعالى ﴿مَا كَانَ اللهُ لِيَذَرَ المُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الغَيْبِ وَلَكِنَّ اللهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَإِن تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ [آل عمران: 179].
تسامي عظمة دور الأمة مع مكانتها
ويقول الأستاذ سيد قطب -رحمه الله- في تفسير الظلال:
يقطع النص القرآني بأنه ليس من شأن الله –سبحانه- وليس من مقتضى ألوهيته، وليس من فعل سنته، أن يدع الصف المسلم مختلطًا غير مميز؛ يتوارى المنافقون فيه وراء دعوى الإيمان، ومظهر الإسلام، بينما قلوبهم خاوية من بشاشة الإيمان، ومن روح الإسلام.
فقد أخرج الله الأمة المسلمة لتؤدي دورًا كونيًّا كبيرًا، ولتحمل منهجًا إلهيًّا عظيمًا، ولتنشئ في الأرض واقعًا فريدًا، ونظامًا جديدًا.. وهذا الدور الكبير يقتضي التجرد والصفاء والتميز والتماسك، ويقتضي ألا يكون في الصف خلل، ولا في بنائه دخل.
وبتعبير مختصر يقتضي أن تكون طبيعة هذه الأمة من العظمة بحيث تسامي عظمة الدور الذي قدره الله لها في هذه الأرض؛ وتسامي المكانة التي أعدها الله لها في الآخرة.
وكل هذا يقتضي أن يصهر الصف ليخرج منه الخبث، وأن يضغط لتتهاوى اللبنات الضعيفة. وأن تسلط عليه الأضواء لتتكشف الدخائل والضمائر.
ومن ثم كان شأن الله –سبحانه- أن يميز الخبيث من الطيب، ولم يكن شأنه أن يذر المؤمنين على ما كانوا عليه قبل هذه الرجة العظيمة! كذلك ما كان من شأن الله –سبحانه- أن يطلع البشر على الغيب، الذي استأثر به، فهم ليسوا مهيئين بطبيعتهم التي فطرهم عليها للاطلاع على الغيب، وجهازهم البشري الذي أعطاه الله لهم ليس "مصممًا" على أساس استقبال هذا الغيب إلا بمقدار. وهو مصمم هكذا بحكمة. مصمم لأداء وظيفة الخلافة في الأرض. وهي لا تحتاج للاطلاع على الغيب. ولو فتح الجهاز الإنساني على الغيب لتحطم. لأنه ليس معدًّا لاستقباله إلا بالمقدار الذي يصل روحه بخالقه، ويصل كيانه بكيان هذا الكون.
وأبسط ما يقع له حين يعلم مصائره كلها، ألا يحرك يدا ولا رجلا في عمارة الأرض، أو أن يظل قلقًا مشغولاً بهذه المصائر، بحيث لا تبقى فيه بقية لعمارة الأرض! من أجل ذلك لم يكن من شأن الله سبحانه، ولا من مقتضى حكمته، ولا من مجرى سنته أن يطلع الناس على الغيب. إذن كيف يميز الله الخبيث من الطيب؟ وكيف يحقق شأنه وسنته في تطهير الصف المسلم، وتجريده من الغبش، وتمحيصه من النفاق، وإعداده للدور الكوني العظيم، الذي أخرج الأمة المسلمة لتنهض به؟ أ. هـ.
والله تعالى أعلى وأعلم.
روابط ذات صلة