الفرص بين يديك.. فلماذا تبحث بعيدًا

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : د. موسى المزيدي
  • القسم : إدارية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 25
  • رقم الاستشارة : 2955
12/10/2025

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، الإنسان على مدار ستين أو سبعين سنة يعيشها على الأرض، وإذا أمد الله في عمره إلى الثمانين أو التسعين، لا يستغل جزءًا بسيطًا من القدرات الجبارة التي أودعها الله فيه.. فكيف يكتشف ذلك؟

الإجابة 12/10/2025

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أهلا ومرحبا بك أخي الفاضل في موقع استشارات المجتمع، وبعد:

 

كيف تكون متميزًا في هذا العالم السريع المتلاطم الأمواج؟

 

إن الثقة بالنفس عملية من عمليات الحياة التي يكثر فيه التنافس.

 

وكذلك التميز عملية ملحة لمن أراد أن يكون في حياته ناجحًا ومتفردًا.

 

والغرب من خلال المهارات الكثيرة المعروضة في كتب كثيرة وفي برامج تدريبية كثيرة تُعقد على امتداد العالم يتكلم عن التميز، وله في ذلك نماذج ناجحة كثيرة.

 

ورغم تلك التجارب الناجحة الكثيرة التي توصل إليها الغرب؛ فإن لدينا الكثير من التجارب في بيئتنا في الدول العربية والإسلامية.

 

هل ذهب أحدكم إلى القطب المتجمد الشمالي أو القطب الجنوبي؟

 

طبعًا السؤال غريب.

 

في أحد اللقاءات أجابني أحدهم أنه ذهب إلى منطقة قريبة من القطب المتجمد الجنوبي.

 

فسألته: مذا رأيت هناك؟

 

حتمًا هناك ظواهر كثيرة، ولكن أهم ظاهرة فيه تعرف بالجبل الجليدي ‏iceberg.

 

إنه ظاهرة عجيبة، ومنظر رائع خلاب.

 

إن سنحت لأحدكم فرصة لزيارة القطب المتجمد الشمالي أو القطب الجنوبي، فلا يفوّت فرصة النظر إلى الجبل الجليدي.

 

سيرى أن ما يظهر من هذا الجبل فوق الماء هو جزء يسير، على حين أن معظمه مخفي تحت سطح الماء.

 

هل منكم من يعلم النسبة الظاهرة من الجبل الجليدي فوق سطح الماء نسبة إلى حجمه الكلي؟ هذه النسبة قدرها العلماء بـ 10%. وبمعنى آخر، إن ما يظهر فوق سطح الماء هو عُشر الجبل الجليدي كله.

 

ولكن ما علاقة هذا الموضوع بمرحلة «اكتشاف الذات»؟

 

يقول رسول الله ﷺ: (أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين، وأقلهم من يجوز ذلك)، فالإنسان- على مدار ستين أو سبعين سنة يعيشها على الأرض، وإذا أمد الله في عمره إلى الثمانين أو التسعين- لا يستغل من القدرات الجبارة التي أودعها الله فيه إلا 10%، على حسب ما تورد بعض الدراسات في علم النفس.

 

ولكم أن تتخيلوا كيف أن الإنسان يستنفد فقط 10% من القدرات الكلية التي يتمتع بها، ويبقى 90% منه معطلاً، غير مستغل!! تخيلوا ما سيكون عليه أمر كل واحد منكم إذا عرف أنه لم يستغل من قدراته الكلية على مدار سني عمره إلا 10%!!

 

إن للإنسان قدرات كثيرة، ولا بد من أن يتعرف إليها؛ لينطلق بقوة نحو التميز.

 

ولنوضح الأمر أكثر دعونا نستعرض هاتين القصتين:

 

1. بائع البالونات

 

يحكى أن رجلاً كان يبيع البالونات ليكسب لقمة عيشه.

 

وكانت البالونات مختلفة في ألوانها، منها الأحمر والأزرق والأصفر والأخضر.

 

وكان هذا الرجل ذكي في شد انتباه الأطفال إليه. فحينما يقل بيعه، يطلق أحد هذه البالونات في الهواء، بعد تعبئتها بغاز الهيليوم الطيار، فيرى الأطفال البالون من بعيد، فيسرعون إلى البائع ليشتروا من بالوناته.

 

وهكذا كان يفعل طوال يومه.

 

وذات يوم شعر الرجل بأحد يشد معطفه من الخلف، فالتفت ليرى ما الأمر، فإذا بطفل يسأله سؤالا بريئًا: «يا عم، أرأيت لو أطلقت بالوناً لونه أسود؟ هل كان سيطير في الهواء؟».

 

فهذا الطفل لم ير اللون الأسود بين البالونات، ولكن رأى ألواناً أخرى.

 

ولكن الرجل اهتم بسؤال الطفل، فربت على كتفه قائلاً: «يا بني، إن الذي يجعل البالون يطير ليس لونها، إنما الغاز الذي بداخلها».

 

والآن، ماذا نستفيد من هذه القصة؟

 

إننا ينبغي أن نحكم على الإنسان من مواقفه ومبادئه ومهاراته وقدراته ومعارفه، وليس بالنظر إلى مظهره ولونه الخارجي، وهذا مصداق حديث الرسول ﷺ: (إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن إنما ينظر إلى أعمالكم وقلوبكم).

 

إنها طبيعة يعانيها البشر، وهي أنهم يصدرون أحكامهم على الآخرين على حسب ما يرونه من مظاهرهم الخارجية وألوانهم، وينسون جوهرهم، الذي تعبر عنه المواقف والمبادئ والمهارات والقدرات والمعارف.

 

وهذه دعوة منا لتسبروا غور قدراتكم، لتكونوا متميزين.

 

فذواتكم مملوءة - على نحو  ما - بالقدرات وأنتم لا تعلمون، فلا تفرطوا فيها، ولا تنظروا إلى القدرات الموجودة عند غيركم قبل أن تتعرفوا إلى قدرات ذواتكم، فالله سبحانه وتعالى غرس فيكم قدرات، ويجب أن تكتشفوها.

 

2. عالم الألماس

 

يحكى أن فلاحًا اسمه حافظ، كان يملك مزرعة في إحدى دول إفريقيا، وكان سعيدًا، قانعًا بعيشه.

 

وذات يوم مر به رجل حكيم، وأخذ يحدثه عن عالم الألماس، وأن الإنسان بقطعة واحدة من الألماس يستطيع أن يمتلك قرية كاملة.

 

لم يستطع حافظ المسكين أن ينام في تلك الليلة، فقد تنازعته أفكار كثيرة دفعته إلى الشعور بعدم السعادة وعدم القناعة بعيشه.

 

فقرر حافظ - في صبيحة اليوم التالي- أن يبيع مزرعته، ويرسل زوجته إلى أهلها.

 

وانطلق حافظ يجوب أرجاء إفريقيا وهو يبحث عن الألماس، فلم يعثر عليه؛ ثم ارتحل إلى أوربا، حتى وصل إلى أسبانيا، ولكن من دون جدوى، فأصابه الإعياء واليأس، وقرر الانتحار، فانتحر المسكين.

 

وأما المزرعة التي باعها في إفريقيا، فقد أبصر فيها صاحبها الجديد- حين كان يسقي زرعه ذات يوم- حجرًا صغيرًا لامعًا، يشع بريقه بقوة، فالتقطه وأخذه إلى منزله، وهناك وضعه على مائدته.

 

وفيما هو يتأمل الحجر، زاره الرجل الحكيم نفسه. ولما جلس، التفت إلى الحجر المشع، وسأله عن حافظ.

 

فأجابه الرجل باستغراب: «لا أعلم عنه شيئًا. ولكن لماذا تسألني عن حافظ؟».

 

فأجابه الحكيم: «إن هذا الحجر اللامع هو قطعة من الألماس!».

 

واكتشف الرجل أن مزرعته -التي اشتراها- تقع فوق جبل من الألماس!

 

مسكين حافظ! بحث عن الألماس عند الآخرين، وكان الألماس تحت قدميه!

 

فالفرص قد تكون بين أيديكم، في ذواتكم المملوءة بالقدرات، فلا تفرطوا فيه.

 

لا تنظروا إلى حدائق غيركم، قبل أن تسبروا مكنونات حدائقكم.

 

وبعد هاتين القصتين أؤكد لكم أن مرحلة اكتشاف الذات مرحلة عجيبة، ترسمها خمس كلمات، ولا بد من أن نركز عليها، وقد جمعتها لكم في معدلة شعرية:

 

خمسًا لذاتك اكتشف، تبدأ جميعاً بالألف.

الرابط المختصر :