الإستشارة - المستشار : د. عادل عبد الله هندي
- القسم : الدعوة النسائية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
15 - رقم الاستشارة : 2980
15/10/2025
أنا فتاة في مطلع شبابي، أدرس في الجامعة وأسعى للنجاح والتفوق في دراستي، وقد وجدت نفسي منذ فترة أتحدث مع أحد زملائي بصفة مستمرة. ومع مرور الوقت، بتُّ أشعر بالراحة حين أتحدث معه، وأرتاح أكثر حين يكون موجودًا في القاعة أو في محيط الجامعة. بل إنني صرت أنتظر حديثه وأجد في كلامه ما يخفف عني بعض ما أمرّ به من قلق وضغوطات دراسية ونفسية. ومع ذلك، يساورني القلق: هل ما أفعله صحيح؟ هل مجرد الحديث الدائم مع زميل يشعرني بالارتياح يعتبر أمرًا عاديًا لا حرج فيه، أم أن في الأمر مخالفة شرعية قد تدخل في دائرة الحرام؟ أريد جوابًا يطمئن قلبي ويرشدني إلى سواء السبيل.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي جعل شريعة الإسلام نورًا وهداية ورحمة للعالمين، وجعل حدود الحلال والحرام واضحة لا غموض فيها، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أهلاً بكِ أيتها السائلة الكريمة، ومرحبًا بصدقك وحرصك على أن تسألي قبل أن تزلّ القدم أو ينحرف القلب. أسأل الله العظيم أن يشرح صدرك، ويهديك سواء السبيل، ويجعل في سؤالك هذا خطوة مباركة نحو حياة أنقى وأطهر وأكرم عند الله، ويطيب لي أن أقدم لك الجواب في نقاط كما صغت سؤالك في نقاط واضحة محددة، وإليك الآتي:
الإسلام دين الفطرة وضبط العلاقات بين الجنسين
إن شريعة الإسلام لم تحارب الفطرة، وإنما جاءت لترشدها وتهذبها وتحميها من الانحراف. فميل المرأة إلى الرجل، وميل الرجل إلى المرأة، أمر طبيعي قال الله تعالى فيه: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾، لكن هذه المودة والرحمة لم يجعلها الله في ساحات الجامعة ولا في ساحات الحديث العابر، وإنما جعلها في إطار مقدس هو الزواج. ولهذا ضبط الإسلام علاقة الرجل بالمرأة من خارج هذا الإطار بقواعد واضحة: غض البصر، العفة في القول والعمل، تجنب الخلوة، والابتعاد عن كل ما يفتح باب الفتنة.
خطورة التهاون في الكلام بين الجنسين
قد يظن البعض أن الحديث المتكرر والمستمر مجرد صداقة بريئة، لكنه في الحقيقة باب واسع للفتنة. فالرسول ﷺ قال: (ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء)، وليس المقصود أن المرأة شرّ، بل المقصود أن الفتنة بين الجنسين أعظم وأخطر من أن يُستهان بها، والكلمة قد تبدأ عابرة، ثم تتطور إلى تعلق قلبي، ثم تنقلب إلى إعجاب فحب، ثم تقود إلى ما لا يُحمد عقباه. وهذا ما أشرتِ إليه بصدق: أنك ارتحتِ لوجوده وصرتِ تنتظرين كلامه. وهذه هي الخطوة الأولى نحو التعلق المذموم.
هل هذا حرام شرعًا؟
الجواب يحتاج إلى تفصيل:
1. الأصل في العلاقة بين الرجل والمرأة الأجنبية: المنع إلا لحاجة مشروعة كالتعليم أو العمل، وبضوابط الشرع: أن يكون بقدر الحاجة، في حدود الجدية، بعيدًا عن المزاح والخضوع بالقول. قال الله تعالى: ﴿فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا﴾.
2. الكثرة في الحديث والاستمرار بغير ضرورة: يُدخل العلاقة في دائرة الريبة، وهو مما نهى عنه الشرع. قال ﷺ: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك).
3. التعلق القلبي الناتج عن هذا التواصل: هذا أخطر، لأنه يفسد القلب، ويجعلك أسيرة مشاعر لم تُبْنَ على أساس صحيح. قال ﷺ: (إن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب)، إذن، استمرارك في الحديث مع زميلك على النحو الذي وصفتِه يدخل في دائرة المحظور، وهو ليس مباحًا، بل يفتح باب الحرام، ولو لم يحصل بعدُ شيء ظاهر.
نماذج من التاريخ
في تاريخنا الإسلامي نماذج مضيئة تضبط العلاقة بين الجنسين:
* في عهد النبي ﷺ، كانت النساء يحضرن المسجد، ويسألن رسول الله ﷺ مباشرة، بل ويجادلنه كما في قصة خولة بنت ثعلبة، لكن كل ذلك في إطار الجدية، لا خضوع في القول، ولا مداومة على الكلام الشخصي.
* السيدة عائشة رضي الله عنها كانت محدِّثة وفقيهة، لكن الرجال كانوا يسألونها في حدود العلم، ولم يكن ذلك بابًا لتعلق أو تواصل شخصي متكرر. هذا يبين أن الإسلام لم يمنع التواصل في حد ذاته، لكنه ضبطه ووضع له سياجًا يقي من الانزلاق.
كيف تحافظين على قلبك وعلاقتك بربك؟
حتى تجدي الطمأنينة وتتحرري من هذا التعلق المقلق، إليك خطوات عملية:
1. قطع الاسترسال في الحديث: اجعلي كلامك مع زميلك في حدود الدراسة أو ما تقتضيه الحاجة، دون توسع ولا مداومة.
2. إشغال القلب والوقت: املئي فراغك بالقرآن، بحلقات العلم، بالصحبة الصالحة من الأخوات. الفراغ هو الذي يجعل النفس تبحث عن أي مساحة للتعلق.
3. تذكير النفس بالغاية الكبرى: دراستك ونجاحك وسعادتك الحقيقية ليست في حديث مع زميل، بل في رضا الله عنك، وفي أن يحفظك طاهرة عفيفة لتُبنى حياتك على أساس شرعي سليم.
4. الدعاء والاستعانة بالله: قولي دائمًا: "اللهم اصرف عني السوء والفحشاء، واصرف قلبي إلى طاعتك ومحبتك."
5. اختاري الصحبة المعينة من زميلاتك: ممن يقمن معك بالطاعة والعبادة وتذكيرك بالحلال والحرام، فاحرصي على صحبة من إذا ذكرتِ الله أعانتكِ، وإذا نسيتِ الله ذكّرتكِ.
وصايا جامعة
* كوني على يقين أن ما حرّمه الله ليس سدًّا أمام سعادتك، بل هو وقاية لك من الندم والجرح والخيبة.
* اجعلي قلبك لا يفتح بابه إلا في إطار الزواج المشروع، فهو الميثاق الغليظ الذي يضمن المودة والرحمة والاحترام.
* تذكري أنك غالية عند الله، فلا تجعلي نفسك رخيصة بكلمة أو تواصل لا وزن له عند الله.
وختامًا، أيتها السائلة الكريمة، أثمّن فيكِ صدقك وحرصك على معرفة الحق، وأسأل الله أن يجعلكِ من العفيفات الطاهرات، وأن يشرح صدرك للحق، وأن يعوضك خيرًا مما تركتِ لله، فـ"من ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه".
اللهم احفظ ابنتنا السائلة، واملأ قلبها بحبك وحب نبيك، وارزقها الزوج الصالح الذي تقرّ به عينها، واجعلها من الهداة المهتدين، برحمتك يا أرحم الراحمين.
روابط ذات صلة: