الإستشارة - المستشار : أ. فتحي عبد الستار
- القسم : وساوس وشكوك
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
59 - رقم الاستشارة : 2733
20/09/2025
أنا متزوجة وعندي أولاد وأموري متيسرة والحمد لله، بس فيه شيء بداخلي مضايقني وشاغل بالي.
ألاحظ إني أحس بشيء من الغيرة لما أشوف قريباتي أو صديقاتي يحققون نجاحات سريعة بحياتهم، سواء بالشغل، لما يترقون بسرعة، أو بالزواج، لما أشوف حياتهم الزوجية هادية ومبسوطة، أو حتى بالرزق وكثرة مالهم.
هذا الشعور متعبني كثير، وخصوصًا إني أحس بصعوبة إني أتخلص منه، مع إني أحاول أدعي لهم من قلبي. أخاف يكون هالشيء علامة على نقص في إيماني، أو إنه بداية للحسد اللي حذرنا منه الدين.
هل هالغيرة اللي أحس فيها تعتبر نوع من الحسد؟
وكيف أتخلص من هذه المشاعر وأتمنى الخير للناس ولا أشعر بالضيق من اللي أفضل مني مكانة ومال؟
مرحبا بك أختي الكريمة، ونشكر لك ثقتك الغالية التي أوليتِنا إياها، وأسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يبارك فيك، وفي زوجك وأولادك، وأن يجعل حياتك كلها خيرًا وسعادة، وأن يرزقك السكينة والطمأنينة في الدنيا والآخرة، وبعد...
الفرق بين الغيرة والحسد
فدعينا نفرِّق أولًا بين الغيرة الإنسانية الطبيعية التي قد يشعر بها كل إنسان، وبين الحسد الذي هو داء عضال يفتك بالقلب والإيمان. فالغيرة هي شعور طبيعي ينشأ عندما نرى شخصًا يملك نعمة نرغب فيها؛ سواء كانت مالًا، أو نجاحًا، أو سعادة، ولا يصاحب هذا الشعور حقدٌ ولا تمني السوء لصاحب النعمة. أما الحسد فهو شعور خطير؛ لأنه يتضمن تمني زوال النعمة من الآخرين، وهذا ما حذَّرنا منه القرآن الكريم والسنة النبوية.
هل ما تشعرين به يعدُّ حسدًا؟
أختي الفاضلة، إن الغيرة التي تشعرين بها، والتي تحاولين التغلب عليها بالدعاء للآخرين، هي في الغالب ليست حسدًا. فالحسد هو أن تتمني زوال النعمة عن غيرك، أما ما تشعرين به، فهو أقرب إلى ما يسميه بعض العلماء: «الغبطة»، أو«الغيرة الإيجابية»، أي أنك تتمنين أن يرزقك الله مثلما رزقهم، مع بقاء النعمة عليهم، وهذا شعور لا غبار عليه، ما دمتِ لا ترغبين في زوال الخير من يد غيرك.
وقد ورد في السنة النبوية ما يقرّب هذا المعنى، فقد قال النبي ﷺ: «لا حَسَدَ إلَّا في اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتاهُ اللَّهُ مالًا، فَسَلَّطَهُ علَى هَلَكتِهِ في الحَقِّ، ورَجُلٌ آتاهُ اللَّهُ حِكمَةً فَهو يَقْضِي بها ويُعَلِّمُها» [رواه البخاري]. والمقصود هنا بـ«لا حسد إلا في اثنتين» أي: لا غِبطة محمودة إلا في هاتين الخصلتين. والغِبطة هي أن تتمنى النعمة لنفسك دون تمني زوالها عن غيرك، وهذا ما يبدو أنك تشعرين به.
كما أن محاولاتك للدعاء لهم من قلبك هي خير دليل على سلامة قلبك، وتأكيد على أن هذا الشعور ليس حسدًا. فالحاسد لا يدعو بالخير لمن يحسده؛ بل يتمنى زوال نعمته. وإذا كان الشيطان يوسوس لك بأن هذا قد يكون حسدًا، فاعلمي أن هذا من مكائده ليثبط همتك ويحزنك، فاستعيذي بالله منه وتجاهليه.
الغيرة الإيجابية هي أن تقولي: «ما شاء الله، اللهم بارك لهم، وبارك لي في رزقي، واجعله مثل رزقهم أو خيرًا منه».
كيف تتخلصين من هذه المشاعر؟
التخلص من هذه المشاعر يتطلب منك جهدًا واعيًا ومستمرًّا، ولكنك قادرة على ذلك بإذن الله. إليك بعض الخطوات العملية التي ستساعدك:
1. تعمَّقي في فهم معنى الرزق
تذكَّري دائمًا أن الرزق مقسوم، وأن الله –تعالى- هو الرزاق، يرزق من يشاء بغير حساب. كل إنسان له رزقه المكتوب، سواء كان مالًا، أو زوجًا صالحًا، أو أولادًا، أو صحة، أو راحة بال. قال تعالى: ﴿نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا﴾ [الزخرف: 32]. هذا التفاوت في الأرزاق لحكمة بالغة لا يعلمها إلا الله، ولو كان الجميع على الدرجة نفسها من الرزق لما قامت الحياة.
2. التركيز على النعم التي تملكينها
قاعدة ذهبية في علاج الغيرة: انظري لما في يدك، لا لما في يد غيرك. قال تعالى: ﴿وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْك إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّك خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾ [طه: 131]. فلعل الله –تعالى- صرف عنك بعض ما عند غيرك لحكمة أنتِ لا تعلمينها. ربما لو كنتِ تملكين ما لديهم من مال أو منصب لكان ذلك سببًا في شقاء لا تعلمينه.
3. الدعاء للآخرين بصدق
محاولاتك للدعاء لهم بصدق هي أفضل ما تفعلينه. استمري في ذلك، واجعليها عادة يومية. الدعاء للآخرين يجلب لك الخير، فقد قال النبي ﷺ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ، إِلَّا قَالَ الْمَلَك: وَلَك بِمِثْلٍ» [رواه مسلم]. فكلما دعوتِ لهم بالخير، دعت لك الملائكة بمثله، وهذا سيزيد من إيمانك، ويطهِّر قلبك.
4. العمل على تطوير الذات
بدلًا من أن تحزني على ما عند غيرك، استخدمي هذه المشاعر دافعًا للعمل والاجتهاد. فإذا رأيتِ صديقتك تترقى، اسألي نفسك: ما الذي يمكنني فعله لتطوير مهاراتي؟ إذا كانت حياتها الزوجية هادئة، فابحثي عن طرق لتعميق علاقتك بزوجك. اجعلي من نجاحات الآخرين حافزًا لك، لا سببًا لإحباطك.
وختامًا أختي الفاضلة، إن رحلة الحياة هي رحلة سعي دائم، وفيها كثير من المنعطفات والمشاعر المتضاربة. ولكن مفتاح السكينة والرضا هو الإيمان بأن الله عادل، وأنه يعطي كل إنسان ما هو خير له. إن لديك نِعَمًا كثيرة، وقد تكونين محط غيرة وغبطة كثيرين دون أن تدري.
ثقي تمامًا بأنك بخير وفي خير، وبأن شعورك هذا هو مجرد تقلبات نفسية طبيعية، ولكنها تتطلب منك وعيًا ومجاهدة. فاستعيني بالله، وتوكلي عليه، واعملي بكل ما لديك من قوة لتطوير نفسك، ولتعميق الرضا في قلبك.
أسأل الله أن يملأ قلبك بالسكينة والطمأنينة، وأن يرزقك الرضا بما قسم لك، وأن يبارك لك فيما عندك.
روابط ذات صلة: