هل تجامل زوجها وأهله بشهادة الزور حفاظًا على بيتها؟

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. فتحي عبد الستار
  • القسم : الابتلاءات والمصائب
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 85
  • رقم الاستشارة : 2996
18/10/2025

أنا في موقف حرج مرة، وأبي مشورتكم في أمر يخص بيتي وأهلي.

زوجي وأخوه صار بينهم خلاف كبير على ورث أرض. أنا بحكم إني كنت موجودة وعارفة كل شيء من البداية، متأكدة أن الحق مو مع زوجي، وأن أخوه هو اللي معه الحق.

الحين، زوجي وأهله طالبيني بالحاح شديد وتعهدوا يزعلون مني لو ما سويت اللي يبون إني أغير كلامي أو أخبي جزء من الحقيقة قدام اللجنة اللي بتحكم بينهم. يقولون: "لازم توقفين معنا عشان نحافظ على بيتنا وما نتطلق، وتمنعين القطيعة اللي بتصير بين الإخوان لو خسر زوجك".

أنا خايفة من الله سبحانه وتعالى ومن الكذب وشهادة الزور، وعارفة إنها حرام. وفي نفس الوقت، خايفة أني لو قلت الصدق يغضب علي زوجي وتخرب علاقتنا، ويمكن يوصل الأمر للطلاق أو المشاكل اللي ما تنتهي مع الأهل.

إيش أسوي شرعًا في هذي الحالة بالذات؟ هل يجوز لي أُجامل زوجي وأخفي الحقيقة أو أقلل من أهمية بعض الوقائع عشان أحافظ على بيتي وأمنع المشاكل؟ ولا لازم أقول كل الحق، حتى لو تزاعلت مع زوجي وتعبت حياتي؟

دلوني كيف أطلع من هذا المأزق وأرضي ربي بدون ما أهدم بيتي؟

الإجابة 18/10/2025

مرحبًا بك أختي الكريمة، وأشكر لك ثقتك الغالية، وأسأل الله العلي القدير أن يلهمك الرشد، ويثبت قلبك على الحق، ويجعل لك من كل ضيق مخرجًا، ومن كل هم فرجًا، وأن يحفظ عليك بيتك وأهلك ويزيده سكينة ومودة، وبعد...

 

فإن الإيمان هو أساس حياتنا، وهو الذي يوجهنا إلى الحق مهما كانت التضحيات. وقد جعل الشرع الإسلامي للصدق والعدل مكانة عظيمة، وجعل للباطل والظلم -ومنهما شهادة الزور والكذب- عقوبة شديدة.

 

شهادة الزور من أكبر الكبائر:

 

لقد حذَّر النبي ﷺ من شهادة الزور تحذيرًا شديدًا، وقرنها بأعظم الذنوب؛ بل ذكرها ثلاثًا للتشديد في النهي. فعن أبي بكرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله ﷺ: «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟» ثلاثًا. قلنا: بلى يا رسول الله. قال: «الإشراك بالله، وعقوق الوالدين»، وجلس وكان متكئًا فقال: «ألا وقول الزور، وشهادة الزور»، فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت. [رواه البخاري].

 

تأملي -أختي الفاضلة- كيف أن النبي ﷺ كان متكئًا فجلس عند ذِكر شهادة الزور! وهذا يدل على عظمها وخطورتها. إن الكذب في الشهادة هو ظلم مزدوج، ظلم لله تعالى بمخالفة أمره، وظلم لعباده بتضييع حقوقهم.

 

وجوب الشهادة بالحق والعدل:

 

ولقد أمرنا الله -تعالى- بالعدل والصدق؛ حتى لو كان على أقرب الناس إلينا، وهو أساس متين لإقامة الحقوق في المجتمع. يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ۚ إِن يَكنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَن تَعْدِلُوا ۚ وَإِن تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾ [سورة النساء: 135].

 

وهذه الآية الكريمة هي الفيصل في حالتك يا أختاه، فهي تأمر بأن تكون الشهادة خالصة لله، ولو كانت على النفس أو على الأقربين، وزوجك وأهلك هم من الأقربين. فهل تختارين طاعة زوجك في معصية الله، أم تختارين طاعة الله ومرضاته؟

 

إذن، لا يجوز لك شرعًا أن تجاملي زوجك وتخفي الحقيقة لتجنب المشكلات أو الطلاق. فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، والمحافظة على البيت لا تكون بهدم الدين.

 

الطلاق والقطيعة ليسا أسوأ النتائج:

 

يجب أن تدركي -أختي الفاضلة- أنتِ وزوجك وأهله، أن الخوف من الطلاق أو القطيعة لا يبرر ارتكاب الكبائر. إن الطلاق وإن كان مبغوضًا في ذاته؛ لكنه قد يكون أحيانًا أخف ضررًا من بناء حياة زوجية على أساس من الظلم والمعصية والافتراء.

 

تخيلي أنك شاركت في ظلم شقيق زوجك، واستوليتم على حقه بباطل، فهل تظنين أن السكينة والمودة ستحلان في بيتكما؟ بالتأكيد لا، بل سينزع الله منه البركة والراحة، وستبقى لعنة هذا الظلم تلاحقكم. فالبيت الذي يُبنى على ظلم يُهدم معنويًّا قبل أن يُهدم حسيًّا.

 

فهم طبيعة العلاقة الزوجية:

 

إذا كان زوجك يضغط عليك لدرجة أن يطلب منك ارتكاب محرَّم لتجنب غضبه أو طلاقه، فهذا يدل على خلل في فهمه لميثاق الزوجية الذي يقوم على التعاون على البر والتقوى. قال تعالى في وصف العلاقة الزوجية: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكم مِّنْ أَنفُسِكمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِك لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكرُونَ﴾ [سورة الروم: 21]. فهل يمكن أن تتحقق السكينة والمودة والرحمة في بيت أقيم على شهادة الزور والكذب؟

 

الرد على حُجة «منع القطيعة»:

 

قولهم: «تمنعين القطيعة التي ستصير بين الإخوان لو خسر زوجك» هو حجة واهية. فالقطيعة الحقيقية تقع عندما يأكل الأخ حق أخيه بالباطل، حتى لو تصالحا ظاهرًا. أما أنت، فشهادتك بالحق هي محاولة لإقامة العدل، والعدل هو أساس الأخوة الحقيقية.

 

كيف تخرجين من هذا المأزق؟

 

* اللجوء إلى الله:

 

أولًا وقبل كل شيء، لا تنسي أن مفاتيح الفرج بيد الله تعالى. فأكثرى من الدعاء أن يشرح الله صدرك، ويهدي زوجك، ويكفيك شر هذه الفتنة.

 

* الحوار الهادئ مع الزوج:

 

تحدثي مع زوجك في جو من المودة والرحمة، بعيدًا عن لحظات الغضب والضغط. ذكِّريه بحبك له، وخوفك عليه من النار وعقاب الله، واقرئي عليه قول النبي ﷺ: «مَنِ اقْتَطَعَ شِبْرًا مِنَ الأرْضِ ظُلْمًا، طَوَّقَهُ اللَّهُ إِيَّاهُ يَومَ القِيَامَةِ مِن سَبْعِ أَرَضِينَ» [متفق عليه]. قولي له: «إن خوفنا من الله هو أساس هذا البيت. أنا أحبك، وأحب لك كل خير؛ لكني أخشى عليك من غضب الله وعقابه إن اغتصبنا شيئًا ليس لنا. كيف يمكن أن نعيش في سعادة ونحن نعلم أن بيتنا بُني على ظلم؟ لن أستطيع أن أشارك في أمر يجلب لنا غضب الله، والله إنني أرى سعادتنا في طاعته، ولن أحمي بيتنا بهدم علاقتنا بربنا».

 

* إخبار اللجنة بالحقيقة كاملة:

 

إذا اضطُررتِ إلى الشهادة، فاشهدي بما رأيتِ وعلمتِ بالتمام والكمال، مخلصةً لله تعالى، بأسلوب موضوعي وبعيد عن الانحياز لأي طرف، قائلة: «أنا شاهدة بما يرضي الله تعالى، وهذه هي الحقائق كما وقعت أمامي...».

 

* احتسبي النتائج عند الله:

 

بعد أن تؤدي واجبك تجاه الله بالصدق، توكلي عليه. إن حِفظ بيتك ليس بيد زوجك ولا أهله؛ بل هو بيد مقلب القلوب، وحِفظه تعالى خير من حِفظ البشر. وثقي بقول الله عز وجل: ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ۚ وَمَن يَتَوَكلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ۚ﴾ [سورة الطلاق: 2 و3]. فالله خير لك وأبقى.

 

وختامًا أختي الكريمة، أعلم أنك في امتحان صعب، وابتلاء كبير، فأسأل الله أن يكتب لك أجر المجاهدة والصبر. تذكري أن القلوب بيد الله يقلبها كيف يشاء. أدي واجبك تجاه ربك بالصدق والعدل، وتجاه زوجك بالحكمة والموعظة الحسنة، ثم فوضي أمرك إلى الله. كوني قوية بالحق، وودودة في الوقت ذاته. واعلمي أن بيتك لا يمكن أن ينهار بسبب قولك للحق؛ بل ينهار بسبب الظلم والكذب.

 

أدعو الله أن يصلح ما بين زوجك وأخيه، وأن يُلهم زوجك رشده، وأن يرزقكما بيتًا عامرًا بالمودة والرحمة والبركة. وفقك الله وسدد خطاك.

 

روابط ذات صلة:

بين الصدق والمجاملة.. كيف أعبِّر عن رأيي دون إيذاء الآخرين؟

عملي يضطرني للكذب.. كيف أصدُق دون أن أندم؟

الرابط المختصر :