Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : د. أميمة السيد
  • القسم : تربوية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 73
  • رقم الاستشارة : 1724
22/04/2025

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته د. أميمة،

أنا أم لطفل عمره أربع سنوات، وأكتب إليكِ وقلبي مثقل بالحيرة والمشاعر المتضاربة، وأرجو أن أجد عندك ما يطمئنني ويهدي قلبي.

طفلي شديد التعلق بجدته لأبيه، لدرجة تفوق الوصف! فهو يفضلها علي في كل شيء: لا يهدأ إلا في حضنها، يطلبها أول ما يستيقظ، ويبكي بحرقة إذا غابت عنه، بل أصبح يردد طوال الوقت: "أنا عايز أعيش عند تيتا!"، حتى عندما أحتضنه أو أطعمه، يقارنني بها ويقول "تيتا أحسن"، وهذا يوجع قلبي كثيرًا.

أنا لا أكره حماتي، بل على العكس، هي طيبة وتحب حفيدها وتدلّله كثيرًا، لكنني أشعر بأنني بدأت أفقد دوري كأم. لا أعرف إن كان هذا طبيعيًا، أم أن هناك خللاً ما في طريقة تعاملي معه. أصبحت أغار منهما، وأشعر أحيانًا أنني غير كافية له، وألوم نفسي إن غضبت منه أو انفعلت حين يتجاهلني ويجري نحوها.

بدأت هذه المشاعر تؤثر علي، وأحيانًا أتعامل معه بجفاء دون قصد، فقط لأني أشعر بأنه يستبعدني، وكأن قلبي لم يعد وجهته الأولى، وهذا يؤلمني كأم.

فكيف أتعامل مع هذا التعلق الشديد دون أن أظلمه أو أظلم نفسي؟ وهل يمكن أن أستعيد مكانتي في قلبه بهدوء؟

أرجو أن تساعديني بتوجيهك التربوي والنفسي، ولك مني جزيل الشكر والامتنان.

الإجابة 22/04/2025

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،

 

أهلاً بكِ يا عزيزتي، وأشكرك على صراحتك وثقتك الغالية، وأحيّي فيكِ هذا الوعي والحرص على فهم مشاعرك أولًا، ومشاعر طفلك ثانيًا، وهذا بحد ذاته خطوة ناضجة على طريق الأمومة الواعية.

 

أول ما أود أن أطمئنك به أن مشاعركِ طبيعية ومشروعة، بل إنها تعبير عن حبك العميق وارتباطك الوجداني بطفلك، وهذا لا يعني أبدًا أنكِ تغارين بطريقة سلبية، بل إنكِ فقط تفتقدين أن تكوني "المصدر الأول" في حضن صغيرك.

 

وهنا نبدأ من القاعدة الذهبية في علم النفس التربوي الأسري: "كل سلوك وراءه حاجة غير مشبعة، وكل مشاعر مكثفة هي إشارات للبحث عن توازن"؛ فأنتِ يا حبيبة القلب، في حاجة إلى أن تُشبَع مشاعر الأمومة لديكِ، وألا تُهمَّشي وجدانيًّا في علاقة أنتِ أصلها.

 

ولكن دعيني أوضح لكِ شيئًا مهمًّا:

 

أولًا: لماذا يتعلق الطفل بجدته لأبيه في هذه المرحلة؟

 

في مثل عمر ابنك –أربع سنوات– يكون الطفل في مرحلة ما تُسمى مرحلة التعلق الانتقائي (Selective Attachment)، وهي من مراحل نظرية التعلق (Attachment Theory)، ويُعبر فيها الطفل عن ميله الطبيعي لمن يمنحه الأمان، ويستجيب له سريعًا، ويمنحه احتواءً غير مشروط.

 

وغالبًا ما تكون الجدة –لا سيما إن كانت "تدلل، وتستجيب فورًا، ولا تضع حدودًا"– فهنا هي البيئة المثالية لذلك التعلق.

 

فهي لا تمارس دور التوجيه أو التربية، بل تقدم الحنان في صورته الصافية، وهذا يُسميه علماء النفس: "الاحتواء العاطفي دون مسؤوليات الأبوة"، فيكون مغريًا للطفل.

 

وليس في هذا التعلق دليل على أنه يحبها أكثر منكِ، بل على أنه يشعر معها براحة مؤقتة ناتجة عن قلة التوجيه والمطالبة بالمسؤولية.

 

أما الأم، فهي في وعيه الباطن رمز "الضبط والتنظيم والحدود"، وهو ما يُصعّب عليه أحيانًا التعبير عن الحب لها بنفس طريقة الجدة، لكنه حب عميق ومستقر.

 

ثانيًا: كيف تتعاملين مع مشاعر الغيرة والألم؟

 

1- لا تجرّمي مشاعرك، بل تعاطفي معها:

 

قولك إنكِ أحيانًا تبكين أو تتضايقين، لا يُقلل من قيمتك كأم، بل يُظهر إنسانيتك؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم بكى حين اشتاق لابنه، وقال: "إن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن، ولا نقول إلا ما يُرضي ربنا"، فارحمي نفسك، وتعاطفي مع مشاعرك، ثم حوّليها إلى فعلٍ واعٍ.

 

2- توقّفي عن مقارنة نفسك بالجدة:

 

فلكل منكما دوره، ولا مجال للمقارنة. الأم تبني وتؤسس، والجدة تدلل وتحتوي. وما يبنيه حب الأم في عمق الشخصية لا يبنيه أحد.

 

3- ركّزي على بناء العلاقة من الداخل، بمعنى أن تعكفي على بناء علاقة عميقة مع طفلك من خلال:

 

- التفاعل اليومي عبر اللعب الرمزي (Symbolic Play).

 

- خلق لحظات خاصة تجمعكما دون منافسة، مثل: ساعة قراءة، أو وقت خاص عند النوم.

 

- استخدمي لغة الحب المناسبة له، كالعناق أو الكلمات أو الهدايا الرمزية، أو قضاء الوقت النوعي معه.

 

ثالثًا: إليك خطوات عملية تساعدك على استعادة التوازن:

 

1- قلّلي الوقت المبالغ فيه عند الجدة تدريجيًّا، دون قطيعة أو حرمان، وابدئي بخلق أنشطة جذابة معه في وجودك، ليبدأ في ربط السعادة بكِ أيضًا.

 

2- أعيدي تعريف نفسك له لا بوصفك "الموجهة" و"المرافقة" معًا:

 

فكوني له الحضن الآمن، وليس فقط المعلمة، واسمحي لنفسك أحيانًا أن تضحكي وتلاعبيه بحرية دون شروط، حتى يشعر بمتعة وجودك.

 

3- احرصي على أن لا تنتقدي الجدة أمامه:

 

فهذا يُحدث عنده "انقسامًا وجدانيًّا" أو (Emotional Splitting)، مما يشوش إحساسه بالولاء والانتماء.

 

وأخيرًا، اعلمي -يا حبيبة القلب- أن الأم في قلب الطفل هي الأصل، وإنْ بدا تعلقه بغيرها، وصدق من قال: "الأم هي أول وطن، والطفل لا ينسى وطنه أبدًا، وإن سافر عنه مؤقتًا".

 

وأتمني –حبيبتي- أن تتوقعي نفسك مكان الجدة يومًا ما، فتعلق الجدات بالأحفاد أمر غريزي وقربهن منهم يدخل السعادة على قلوبهن، فاحتسبي الأمر لله تعالى بإدخال السرور على قلب حماتك، حتى تدخلي قلبها ثم تؤجري على ذلك من الله تعالى.

 

ولكن اطمئني، فالحب التربوي الحقيقي لا يُقاس بكمّ العناق فقط، بل بعمق الأمان الذي تزرعينه في قلبه، والاحتواء الذي لا يُشترط فيه طاعة ولا مقابل.

 

* همسة أخيرة لقلب الأم الصغيرة:

 

أنت في النهاية لطفلك قرار المكان، وقرار المعنى، فاجعلي بيتكِ موطن الأمان، وقلبك موطن الحنان، وسيرجع إليكِ حبًّا واحتياجًا واستقرارًا.

 

أنتِ كافية، وقلبكِ فيه من الله نور لا تطفئه المقارنات.

 

مع خالص مودتي لكِ.

الرابط المختصر :