الإستشارة - المستشار : د. أميمة السيد
- القسم : تربوية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
138 - رقم الاستشارة : 1542
08/04/2025
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أنا جدة لفتاة تبلغ من العمر ثلاثة عشر عامًا، وتعيش معي منذ أن كانت في الرابعة من عمرها، بعد انفصال والدتها (ابنتي) عن والدها. والدها تزوج وسافر، ووالدتها تزوجت أيضًا، وأصبح وجود حفيدتي عندي هو الحل الوحيد، لا سيما أنني كنت دومًا الحضن الذي يجمعها ويحتويها.
في السنوات الأخيرة بدأت أعاني كثيرًا معها، فتصرفاتها تغيّرت، وأصبحت لا تسمع كلامي، ترفع صوتها أحيانًا، وتغلق على نفسها باب الغرفة، وتبكي كثيرًا دون سبب واضح، كما أنها تتعامل بحدة مع أي نصيحة أقولها، وترفض المساعدة في أعمال البيت، وتغضب عندما أطلب منها شيئًا، بل أحيانًا ترد عليّ بأسلوب لا يليق.
أنا امرأة مسنة، ولا أملك من القوة ما يُعينني على صراخها وعنادها الدائم. أتعبتني نفسيًّا، رغم أنني أراعيها كثيرًا، وأحاول أن أكون لها أمًّا وجدة في آنٍ واحد. لكنني الآن أشعر بالعجز، وأخشى أن أكون قد فشلت في تربيتها، أو أنني أظلمها بشيء لا أفهمه.
أكتب إليك يا ابنتي لأني أبحث عمّن يدلني كيف أتعامل معها دون أن أخسرها، ودون أن تتدمر نفسيتي، فأنا بالفعل مرهقة جدًا.
أرشديني، جزاكِ الله خيرًا.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته..
بارك الله فيكِ أمنا وجدّتنا الفاضلة، وجزاكِ الله خير الجزاء على ما قدّمتِه وتقدّمينه من رعاية ومحبة لحفيدتك، وأعانكِ على ما تعانين، فوالله ما خاب من حمل عبء التربية بنيّة الإصلاح والاحتساب.
بدايةً، دعيني أطمئنكِ أن ما تمرّ به حفيدتك الآن هو مرحلة طبيعية تُسمّى "مرحلة المراهقة المبكرة" Early Adolescence، وتبدأ عادة من سن 11 حتى 14 سنة وربما أبعد سنًّا.. وهذه الفترة يصاحبها اضطرابات في المشاعر، وتقلب في المزاج، وسلوكيات فيها كثير من العناد والتمرد، نتيجة لتغيّرات بيولوجية ونفسية واجتماعية تحدث في آنٍ واحد.
المصطلح النفسي لهذه الحالة يُعرف باسم "Identity vs. Role Confusion"، وهي إحدى مراحل "نمو الهوية النفسية"، حيث يبحث المراهق عن ذاته وهويته، ويرغب في الشعور بالاستقلال، وقد يرفض السلطة أو التوجيه المباشر.
وللحق، كان الله بعونك؛ فحضرتك بالفعل تعيشين مأساة مع حفيدتك، لأن ما يزيد الأمر صعوبة في حالتها، هو أنها تعاني من "حرمان عاطفي" كما تعاني أيضًا مما يعرف بـ "اضطراب التعلّق" Attachment Disorder نتيجة فقدانها للدور الأبوي والأمومي منذ سن صغيرة، مما يجعلها تشعر داخليًّا بعدم الأمان، حتى وإن كانت تعيش في بيتٍ آمن ومع من تحب وهو أنتِ.
ولهذا، فتصرفاتها ليست تمردًا عليكِ بقدر ما هي، صرخات غير مسموعة تطلب بها الاحتواء لا العقاب، والفهم لا التوبيخ، والاحتضان لا التجاهل..
* ونصائحي المتواضعة لكِ يا حبيبة القلب:
1- ابني معها علاقة قائمة على القبول غير المشروط، وأكثري من كلمات الحب مثل: "أنا بحبك"، "أنا فخورة بيكِ"، "أنا دايمًا جنبك".
2- خصّصي لها وقتًا يوميًّا للحديث، دون توجيه أو انتقاد، فقط استمعي، وابتسمي، وعلّقي بكلمات داعمة، لتشعر بالأمان والثقة، مع احتضانك لها كثيرًا.
3- ابتعدي تمامًا عن أسلوب الأوامر، واستبدلي به أسلوب التشجيع والحوار. مثلًا: بدلًا من "اعملي كذا"، قولي: "تحبي تساعديني نعمل كذا سوا؟".
4- لا تواجهي غضبها بغضب، بل استعملي "أسلوب الإطفاء الانفعالي" Emotional De-escalation، وهو التهدئة والتأجيل عند التصعيد، ثم الحديث الهادئ بعد أن تهدأ.
5- اجعلي لها نشاطًا تفرغ فيه طاقتها، كالرسم أو الكتابة أو الرياضة؛ فالمراهق بحاجة دائمة إلى متنفس نفسي وحركي.
6- حاولي إدخال والدتها تدريجيًّا في المشهد، ولو باتصال أسبوعي، فهي مهما كانت بعيدة تبقى الأم، والكلمة منها لها وقع خاص.
حبيبتى.. لنا في نور الهدي النبوي أمثلة رائعة، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها".
وأنتِ مثال لهذا الوصل العظيم، فلم تركني لكونك مسنة أو ومريضة وتتخلي عن حفيدتك، فثقي أن الله تعالي لا يُضيع أجر من أحسن، حيث قال عز من قائل: {وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ}.
ومن جميل القول: "أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهمُ، فطالما استعبدَ الإنسانَ إحسانا".
فجميل إحسانك لحفيدتك لن تنساه لك أبدًا مهما كان سلوكها سيئًا حاليًا، وهي فترة عصيبة لكنها ستمر على خير بإذن الله.. وبالحب والاحتواء والصبر وحسن الكلام، ستتغير حفيدتك للأفضل إن شاء الله تعالي، فإن من البيان لسحرا.
* همسة أخيرة لقلبك أمي الغالية:
المراهقون لا يحتاجون لمن يحاسبهم بقدر ما يحتاجون لمن يفهمهم، لا يريدون سلطات بل صداقات، ولا ينتظرون المحاضرات بل لحظات من الحنان والاهتمام.
ثقي بأنكِ لم تفشلي، بل أنتِ تحملين أمانة عظيمة، والله لا يُضيع أجر من أحسن عملاً.
كل الحب والدعاء لكِ، وأنتِ أهل للعطاء والاحتواء.