الإستشارة - المستشار : د. أميمة السيد
- القسم : تربوية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
56 - رقم الاستشارة : 1771
28/04/2025
السلام عليكم دكتورة أميمة، الله يعطيج العافية...
أنا بنت عمري ١٤ سنة، وعندي مشكلة بصراحة مضايقتني وايد ومو قادرة أتحملها.
أنا عندي أخو صغير توه رضيع، وماما تطلب مني أبدل له الحفاضة، بس أنا والله العظيم دكتورة ما أتحمل، يعني أتقزز وايد وأحس نفسي بتطرش لما أشوف أو أشم الريحة.
ولما أرفض ماما تزعل عليّ وتقول لي إني مو متحملة مسؤولية، وإنه لازم أتعود عشان لما أكبر وأتزوج وأيب عيال بعرف أتعامل معاهم.
بصراحة هالكلام خوفني أكثر وخلاني أكره فكرة الزواج والأمومة من الأساس..
صرت أقول حق نفسي: إذا هالشي يضايقني لهالدرجة، كيف بتحمل يوم أصير أم؟
أنا أحس وايد تعبانة نفسيًّا من الموضوع، وأبي أعرف شلون أتصرف؟
ممكن تساعديني دكتورة؟
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته يا ابنتي الحبيبة،
أسأل الله أن يرزقكِ راحة القلب، وسعة الصدر، وأن يبارك لكِ في عمركِ وعافيتكِ وعقلكِ.
أولًا: أود أن أهنئكِ على شجاعتكِ في التعبير عن مشاعركِ بصدق، فهذه خطوة مهمة جدًّا فيما يسمى في علم النفس التربوي بمهارة Self-Awareness "الوعي الذاتي"، وهي من أقوى المهارات التي تساعد الإنسان على فهم نفسه واتخاذ القرارات السليمة لاحقًا.
ثانيًا: إن شعوركِ بالتقزز أو الغثيان عند التعامل مع أمور النظافة الشخصية للرضع هو أمر طبيعي جدًّا في مثل سنكِ، بل هو جزء مما يُعرف بمصطلح (الحساسية التطورية)، حيث يكون المراهقون أكثر حساسية للمثيرات الحسية (كالروائح والمشاهد غير المألوفة)، خصوصًا حين لا يكون لديهم الاستعداد النفسي لتحمل مسؤوليات العناية بالآخرين بعد.
لذلك -يا حبيبتي- اطمئني، فهذا لا يعني أبدًا أنكِ فاشلة أو أنكِ لن تكوني أُمًّا صالحة مستقبلًا، بل هي فقط مرحلة عمرية تمرين بها، ومع مرور الوقت وزيادة نضجكِ العاطفي والنفسي، ستتغير نظرتكِ للأمور بشكل طبيعي بإذن الله تعالى.
ثالثًا: أحيانًا، يقع الأهل بحسن نية في استخدام الـ Fear Appeal أو (أسلوب التخويف التربوي)، كأن يقولوا: "إن لم تفعلي كذا فلن تنجحي في حياتك"، أو "لا بد أن تتحملي وإلا فستفشلين مستقبلًا"، وهذا النوع من الخطاب قد يؤدي إلى (برمجة القلق) فى عقول الأبناء، مما يجعلهم يربطون بين الأحداث اليومية الطبيعية ومستقبلهم بصورة مخيفة وغير مريحة.
وأنا هنا أطمئنكِ بكل محبة: أنتِ لستِ مطالبة الآن أن تكوني أمًّا، ولا أن تتقني مهارات الأمومة من هذا العمر! قال الله تعالى: ﴿لا يُكلِّفُ اللهُ نفسًا إلا وُسعَها﴾، أي أن الله لا يطلب من الإنسان فوق طاقته، وأنتِ الآن في مرحلة التعلم والنمو، وليس مرحلة الإتقان والمسؤوليات الكاملة.
رابعًا: بالنسبة لموضوع الزواج والأمومة، أحب أن أوضح لكِ أمرًا مهمًّا:
الحب الحقيقي للأبناء لا ينبع من قدرة الإنسان على تغيير الحفاضات أو القيام بالأعمال اليومية الصغيرة، بل ينبع مما يسمى في علم النفس الأسري بالارتباط العاطفي وغريزة الأمومة.
وهذه الغرائز تتطور تلقائيًّا مع النضج والخبرة ومع وجود الدافع العاطفي الحقيقي (أي الحب للأبناء)، ولا علاقة لها بما تشعرين به الآن تجاه أخيكِ الرضيع.
خامسًا: من الحكمة أن تعرفي أن الله تعالى رزق كل إنسان طاقة وقدرة تختلف من وقت لآخر، وأن الإنسان يتطور مع الزمن.
ففي حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلم"، أي أن الإنسان لا يولد عالمًا أو حليمًا، بل يكتسب المهارات مع التدرج والصبر.
ولذلك، أنصحكِ يا بنيّتي بما يلي:
1- تحدثي مع والدتكِ بلطف عن شعوركِ، واستخدمي أسلوب (التواصل الإيجابي الحازم)؛ أي أن تعبري عن مشاعركِ دون عدوانية ودون خضوع، وأعني بالخضوع هنا هو الاستسلام على مضض وأنت محتقنة وتخفين احتقانك بدون التعبير عن مشاعرك وما تستائين منه (فهذا أمر غير صحي إطلاقًا) فحافظي علي صحتك، مع مراعاة عدم رفع صوتك ولا حدية في حديثك لوالدتك.
2- اطلبي منها أن تعطيكِ مهام أخرى لرعاية أخيكِ لا تسبب لكِ هذا الضيق، مثل اللعب معه، أو تهدئته عند البكاء، أو ترتيب ملابسه، فبهذا تساهمين في رعايته بطريقة تناسب قدراتكِ الحالية وتساعدين بها أمك.
3- مارسي تدريبات الاسترخاء والتنفس العميق عندما تشعرين بالتوتر أو الغثيان، فهذا مفيد جدًّا ويُعرف بـ Stress Management Skills مهارات إدارة التوتر.
4- ذكري نفسكِ دائمًا أن المشاعر تتغير مع الزمن، فلا تحكمي على مستقبلكِ من خلال مشاعركِ اللحظية العابرة.
5- تأملي عظمة دور الأم كما وصفه الإسلام؛ فالأمومة ليست مجرد أعمال يومية، بل هي رسالة عظيمة ترفع قدر المرأة عند الله، قال تعالى: ﴿ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا﴾، ولعل تربية أخيك الصغير أمامك حاليًا، ليكون نموذجًا لك لتعلمي ما كنت أنت عليه في أول شهور عمرك، ومن المؤكد أنك تشاهدين تعب وتضحيات والدتك معه حاليًا، لتعلمي مقدار تعبها معك أنت أيضا فتدركي ما بذلته معك ولأجلك وإلى الآن.
والآن فهي تحتاج إلى مساعدتك فكلما كبرت أنت ضعفت صحتها هي، فلا تتخلي عن مساعدتها دائما، ولا تكلّي من رعاية أخيك الصغير.
* همسة أخيرة يا صغيرتي الغالية:
ثقي أن الله الذي غرس في قلبكِ هذا الحنان والرحمة، قادر أن ينميهما مع الأيام حتى تصبحي أمًّا حنونًا رحيمة قادرة على العطاء.
ولا تجعلي الخوف أو التقزز الآني يحكم على مستقبلكِ، بل ابتسمي، واعملي على تطوير نفسكِ بهدوء، فالله معكِ، ولن يترككِ وحدكِ.
مع خالص دعواتي لكِ بالسكينة والسعادة والطمأنينة.