الإستشارة - المستشار : أ. فتحي عبد الستار
- القسم : إيمانية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
131 - رقم الاستشارة : 1295
12/03/2025
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أرجو منكم التوجيه والإرشاد في مسألة تؤرقني، وأخشى أن يكون عليَّ فيها ذنب أو إثم. إنني أشعر بعدم الارتياح تجاه بعض المشايخ والدعاة، بل يصل الأمر أحيانًا إلى نوع من النفور النفسي عنهم، رغم أنهم – فيما يبدو لي – لا يخرجون في كلامهم عن المنهج السليم. بل ربما يكونون من العلماء المعروفين بسلامة الاعتقاد والمنهج، ومع ذلك لا أستطيع تقبل كلامهم أو التأثر به. وفي المقابل، أجد نفسي منشرح الصدر تجاه مشايخ آخرين من نفس المدرسة والمنهج، وأشعر بإخلاصهم، وأرتاح لسماعهم والاستفادة منهم.
الغريب أن هذا الشعور لا يستند إلى دليل واضح، فأنا لا أملك بينة على عدم إخلاص من أنفر منهم، لكنه يلازمني دون سبب ظاهر، وأحيانًا أشعر بالذنب بسبب ذلك، متسائلًا: هل هذا مجرد هوى نفسي يجب عليَّ مجاهدته، أم أنه أمر لا حرج فيه؟ وهل يلزمني إرغام نفسي على الاستماع إلى من لا أرتاح إليهم خشية أن يكون هذا النفور نوعًا من الظلم لهم؟ أم أن لي في ذلك سعة؟
جزاكم الله خيرًا، ونفع بكم.
حياك الله أيها السائل الكريم، وبارك فيك، ورزقك البصيرة والرشاد، وجعل حرصك على أمر دينك في ميزان حسناتك. أسأل الله أن يشرح صدرك للحق، وأن يرزقك الإخلاص في القول والعمل، وأن يجعلنا وإياك ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وبعد...
بدايةً، فإن سؤالك يدل على وعيك وحرصك على ألا تكون أهواء النفس حاكمة على تعاملك مع العلماء والدعاة، وهذا في حد ذاته نعمة عظيمة. وما تشعر به من نفور تجاه بعض العلماء مع ارتياحك لآخرين، رغم اتفاقهم في المنهج، هو أمر يحتاج إلى تفصيل دقيق، حتى يطمئن قلبك، وتسير على بصيرة.
أولًا: حقيقة الشعور بالنفور أو الارتياح تجاه المشايخ
من طبيعة النفس البشرية أنها تميل إلى بعض الأشخاص وتنفر من آخرين دون سبب واضح، وهذا أمر فطري لا يؤاخذ عليه الإنسان، ما دام لا يؤدي به إلى ظلم أو تعدٍّ. ونجد في سُنَّة النبي ﷺ أنه قال: «الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف» [متفق عليه]. أي أن هناك شيئًا خفيًّا في النفوس يجعلها ترتاح إلى بعضها وتنفر من بعضها الآخر، دون أن يكون في ذلك بالضرورة حكم على صلاح أو فساد أحد منهم.
وقد يكون سبب هذا النفور أمورًا خفية، مثل أسلوب الإلقاء، أو طبيعة الصوت، أو بعض التصرفات الشخصية التي قد لا تتناسب مع ذائقتك، دون أن يكون لذلك علاقة بالمنهج أو الإخلاص. كما أن بعض العلماء والدعاة يتميزون بأسلوب أكثر تأثيرًا في القلوب، أو بقدرتهم على التعبير بطريقة تصل إليك.
ثانيًا: هل في ذلك حرج شرعي؟
لا حرج عليك في شعورك هذا ما دام لا يؤدي إلى ظلم أو بغض غير مبرر. فالله -سبحانه وتعالى- لم يوجب علينا أن نرتاح لكل شخص، وإنما أوجب علينا العدل والإنصاف، فقال: ﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ﴾ [المائدة: 8].
لكن من المهم ألا يتحول هذا النفور إلى سوء ظن بلا دليل؛ لأن الأصل في المسلم حسن الظن بأخيه، وخصوصًا إذا كان عالمًا معروفًا بسلامة العقيدة والمنهج. قال النبي ﷺ: «إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث» [متفق عليه].
ثالثًا: هل يلزمك إرغام نفسك على سماع مَن تنفر منه؟
ليس هناك إلزام شرعي بأن تسمع لكل العلماء، أو أن تتقبل كلام كل داعية، ما دام هناك من يغنيك عن ذلك ممن ترتاح لسماعهم. فالمهم هو أن يكون المصدر الذي تأخذ عنه العلم والموعظة صحيحًا، وأن يكون مؤصلًا بالكتاب والسنة، وأن تتجنب التعصب لشخص معين بحيث ترفض الحق إن جاءك من غيره.
والصحابة أنفسهم –وهم خير الناس بعد الأنبياء– كانوا يختلفون في مدى تأثرهم بعضهم ببعض، وكان كل صحابي يتأثر بمن يوافق طبيعته، دون أن يكون في ذلك قدح في إيمان الآخرين.
رابعًا: كيف تتعامل مع هذا الشعور؟
1. التثبت من السبب: هل هو مجرد شعور نفسي لا أثر له، أم أن هناك سببًا موضوعيًّا؟ إن كان الأمر مجرد إحساس عابر، فلا تلتفت إليه كثيرًا، أما إن كان هناك سبب موضوعي، فحاول التأكد منه لتعالجه.
2. حسن الظن: لا تجعل النفور يؤدي بك إلى سوء الظن أو التشكيك في نيات العلماء، فإن القلوب بين أصابع الرحمن، وهو وحده العالم بالسرائر.
3. التوازن في الأخذ عن العلماء: يمكنك أن تستفيد ممن ترتاح إليهم؛ لكن دون أن تقطع نفسك عن بقية العلماء الذين قد يكون عندهم ما ينفعك.
4. الدعاء: اسأل الله أن يهديك للحق، وأن يجعل حبك لمن يحبه، وتأسَّ بمن قال الله عنهم: ﴿والَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ولإخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمَانِ ولا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ﴾ [الحشر: 10].
وختامًا -أخي الحبيب- نسأل الله أن يرزقك الإخلاص، وأن يوفقك للعلم النافع، وأن يجعلك ممن يسلك طريق الحق بإخلاص وتجرد. ولا تقلق من هذه المشاعر، ما دمت تتحرى العدل والإنصاف، وتحرص على الاستفادة من أهل العلم الصادقين. فالقلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن، وهو سبحانه يعلم ما تخفي الصدور، فاسأل الله الهداية، وتوكل عليه، وامضِ في طلب العلم والحق، وستجد أن الله ييسر لك سبيله، ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾ [العنكبوت: 69].
بارك الله فيك، ونفعك ونفع بك، ورزقك الفقه في الدين، وجعلنا وإياك من أهل العلم والعمل الصالح. آمين.