الإستشارة - المستشار : د. رجب أبو مليح محمد
- القسم : فقهية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
70 - رقم الاستشارة : 1759
29/04/2025
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، جزاكم الله خيرًا على جهودكم ونفع بكم.
أود استشارتكم في مسألة تتعلق بعمل إحدى صديقاتي: صديقتي تعمل في تقديم عروض لبيع الذهب، مثل: الخواتم، والسلاسل، والأساور، وذلك من خلال جلسات تصوير يتم فيها عرض القطع على يدها مقابل أجر قدره (15) دينارًا للساعة.
وقد نصحها أصحاب العمل بالاهتمام بجمال يديها لجذب الزبائن، فتقوم بعمل جلسات تقشير وتبييض ومناكير وبديكير بشكل دائم لهذا الغرض.
وفي أثناء التصوير، تضطر إلى كشف جزء من ساعدها، بمقدار أربع أصابع تقريبًا، لعرض الأساور بطريقة تجذب المشتري.
وقد نبهتها إلى أن هذا قد يكون من باب المال الحرام، لكنها ردت عليّ بقولها: "الوجه والكفان ليسا بعورة، وعليه فإن عملي حلال".. فما الحكم الشرعي في هذا العمل؟ وهل الأجر الذي تتقاضاه لقاءه يعتبر حلالًا أم حرامًا؟ بارك الله فيكم ونفع بكم الإسلام والمسلمين.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فهذا السؤال ينطوي على مسألتين، أولهما عورة المرأة، والثاني الزينة التي تضعها المرأة على اليد. أما عورة المرأة فهي عند الجمهور كل جسمها عدا الوجه والكفين، بخلاف الحنابلة الذين يرون عورة المرأة جميع البدن مع الوجه والكفين أيضًا. أما وضع الزينة على اليد فهي جائزة عند من أجاز كشف اليد، وهي أشبه بالحناء والخاتم، ويرى بعض الفقهاء أن بعض الذراع جزء من اليد أيضًا.
لكن هذه الأشياء التي تضعها على يدها إن كانت ذات طبيعة شمعية تمنع وصول المال فعليها أن تزيلها عند كل وضوء، أو غسل من حيض أو جنابة.
وإن لم تكن للمرأة حاجة في هذا العمل فتركه أولى خروجًا من الخلاف، وإن كانت محتاجة إليها فيسعها قول من أجاز.
يقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي – رحمه الله - في فتوى مشابهة:
قد اختلف العلماء في مسألة النقاب ـ من فقهاء ومفسرين ومُحدِّثين ـ قديمًا، ولا يزالون مختلفين إلى اليوم.
وسبب الاختلاف يرجع إلى موقفهم من النصوص الواردة في الموضوع ومدى فهمهم لها، حيث لم يَرِدْ فيه نَصٌّ قطعيٌّ الثبوت والدِلالة، ولو وُجِدَ لحُسِمَ الأمر.
فهم مختلفون في تفسير قوله ـ تعالى ـ: ﴿ولا يُبدِينَ زِينتهُنَّ إلا ما ظَهَرَ منها﴾ (النور: 31).
فرَوَوا عن ابن مسعود أنه قال: (إلا ما ظهر منها): الثياب والجلباب، أي الثياب الخارجية التي لا يُمكِن إخفاؤها.
ورووا عن ابن عباس أنه فَسَّر: (ما ظهر منها) بالكُحل والخاتَم، ورُوي مثلُه عن أنس بن مالك، وقريب منه عن عائشة، وأحيانًا يُضيف ابن عباس إلى الكُحل والخاتم: خِضابُ الكَفِّ، أو المُسْكَة ـ أي السِّوار ـ أو القُرط والقِلادة، وقد يُعبر عن الزينة بموضعها، فيقول ابن عباس: رُقعة الوجه وباطن الكف، وجاء ذلك عن سعيد بن جبير وعَطاء وغيرهما، بعضهم جعل بعض الذراع مما ظهر منها.
ويقول في فتوى أخرى:
إن هذا الذي يسمى "المانوكير" حائل دون وصول ماء الوضوء إلى البشرة، ولهذا لا يصح معه وضوء، وبالتالي لا تقام مع استمراره صلاة، والمرأة المسلمة التي تهرع إلى صلاتها كل يوم خمس مرات متطهرة متوضئة، لا يمكن أن تجد متسعًا لهذا اللون من الزينة؛ لأنه بطبيعته يتنافى مع إقامة هذه الفريضة اليومية المقدسة.
قد حدث في عصرنا بدعتان دخيلتان على مجتمعاتنا، مستوردتان من الغرب، رائجتان عند النساء غير الملتزمات.
الأولى: إطالة الأظفار لا سيما أظفار اليدين، على غير هدي سنة الفطرة. وبعضهن يطيل أظفر الخنصر خاصة. وكأن الإنسان هنا يتشبه بسباع البهائم، وجوارح الطير، فضلاً عما يمكن أن يتراكم تحت هذه الأظفار من الأوساخ المضرة بالصحة، والتي حذّر الأطباء من مغبتها.
والثانية: طلاء الأظفار بمادة حمراء أو بيضاء أو غيرها، تغطيها، وتصنع طبقة عليها، وهو ما يسمونه (المانيكير). تقليدًا للنساء الغربيات.
والمطلوب من المسلمة: أن تكون لها ذاتيتها وشخصيتها المستقلة، ولا تذوب في غيرها، ولذا نهينا عن التشبه بغيرنا، وأمرنا بمخالفتهم.
على أن في هذا الصبغ آفة أخرى خطيرة، وهو: أنه يمنع صحة الوضوء. فلو كان هناك مادة من الشمع أو نحوها تغطي ظفرًا واحدًا لبطل الوضوء، فكيف بما يغطي عشرة أظفار؟!
ويقول الشيخ عطية صقر ـ رحمه الله ـ:
لا شكَّ أن طِلاء الأظافر مادة لها جُرْمٌ كالشَّمع والعَجين فلا بدَّ من إزالتها ليصل الماء إلى ما كان مستورًا بها. وليس هناك وجْه معتبَر لقياس طِلاء الأظافر على الخاتَم عند المالكية، فقد جاء أنهم يقولون بعدم وجوب تحريك الخاتَم الضيِّق الذي يمنع وصول الماء إلى ما تحته إذا كان الخاتَم حلالًا، أما إذا كان حرامًا ضيِّقًا فيجب تحريكه عن موضعه. ومن هنا قال بعض المعاصرين: يُقاس طلاء الأظافر على الخاتم الضيق في أن كلا منهما حلال فلا تجب إزالته ليَصل الماء إلى ما تحته.
والخُلاصة: أنَّ الفقهاء الأربعة على عدم صحة الوضوء والغسل مع وجود طِلاء الأظَافر فلا بدَّ من إزالته، أما وضعه بعد ذلك فلا يمنع من صحة الصلاة.
ولا يصح، أن يُقاس الطِّلاء على الجَبِيرة فيُكْتفَى بالمَسْح علَيْه دُون ضَرُورة إزالته؛ ذلك لأنَّ الجَبِيرَة وُضِعَتْ لِعُذْر وهو تَضرُّر العُضْو من الماء، أما الأصابع فلا يُوجد عذْر يَحُول المَسح عليهما.
هذا، وإذا كانت هناك أظافر صناعية فلا بدَّ من نَزْعها لتُغسل الأظافر الأصلية . وأنبِّه إلى كرَاهة تطويل الأظافر وتشكيلها بحيث تتفق مع "الموضة"، فإن من السنة التي يشترك فيها الرِّجال والنساء جميعًا قصُّ الأظافر، فهو من سنن الفطرة في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم. وقد جعلها أبو بكر بن العربي من الواجبات.
هذا هو حكم الطِّلاء في الطهارة والصلاة، أما الظهور به أمام الأجانب فهو من الزِّينة الظاهرة المُستثنَاة في قوله تعالى ﴿ولا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلًّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾ (النور: 31)، لكن يجب أن يُنظر إلى الباعث عليها فإنما الأعمال بالنيات، فلو كان الباعث هو لفت أنظار الرجال إليه انطبق عليه قوله تعالى في الآية نفْسها ﴿وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ﴾، وحديث المُسْتَعْطَرة التي مرَّت على القوم ليَجِدُوا رِيحها، وكذلك لو كان الباعث هو الغِشُّ والتَّدْلِيس لإخْفَاء العُيُوب، فالغشُّ حَرَام.
والله تعالى أعلى وأعلم