وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أهلا ومرحبًا بك في موقع استشارات المجتمع، وبعد:

 

فالمال قوام الحياة، فهو عنصر بالغ الأهمية في حياة الإنسان لتكون متوازنة وآمنة ومستقرة، ونستطيع من خلاله الاهتمام وتنمية الجانب الصحي والجسدي والفكري والعقلي لنرتقي إلى مستوى حياة أفضل.

 

وسأذكر لك بعض المواقف العملية التي كان فيها الاستخدام الأمثل للمال في التعامل معها.

 

مجالسة أهل التخصص

 

يحتاج الفرد -من حين إلى آخر- إلى أن يجالس صديقًا أو متخصصًا، يسأله ويناقشه في أمور الحياة حتى يطمئن قلبه.

 

يحدثني أحد الأصدقاء أنه في ذلك اليوم جلس مع دكتور في مجال علم النفس، يتحدث معه حول التوتر والضغوط النفسية التي يجب أن يتحاشاها الفرد، ويبقى في صحة نفسية سليمة.

 

يقول صديقي: "استغرقت الجلسة ساعتين، ودفعت للدكتور 40 دينارا، لم أندم على المبلغ الذي دفعته، بل شعرت براحة نفسية شديدة. وتم تثبيت بعض المعاني في ذهني، ومنها: إن وجود شيء من التوتر والضغوط النفسية في حياة الفرد أمر طبيعي، بل يعتبر حافزا إلى العمل وعلو الهمة. الشكر موصول لصديقي، مع تمنياتي له بالصحة والعافية.

 

إن دفع جزء من المال لمجالسة متخصص؛ للاستفادة من علمه في جلب معرفة أو مهارة أو مفهوم، يمنح النفس علوا في الهمة.

 

أثر الهدية

 

إن للهدية مفعولا عجيبًا في شحذ الهمم وتحفيز النفوس وزيادة المحبة بين الناس. هذا ليس بمستغرب على المسلمين، إذ يقول الرسول –صلى الله عليه وآله وسلم-: "تهادوا تحابوا" (حديث حسن – أورده ابن حجر العسقلاني في بلوغ المرام).

 

من الموظفين الحريصين على تثبيت هذا المفهوم الموظفة القديرة نسرين محمد في شركة الاستثمار البشري. كانت دائما تنصح المدربين في الشركة بتوزيع هدايا على المتدربين، وكانت تنصحني على وجه الخصوص بتوزيع نسخ من كتبي في الإدارة والمهارات السلوكية على المتدربين.

 

إن عدد الحضور في أي دورة هو في حدود 20 متدربًا، ومتوسط ثمن الكتاب في المهارات السلوكية هو في حدود دينارين، فنحن هنا نتكلم عن دفع نحو 40 دينارًا كويتيًّا على هيئة هدايا في كل جلسة تدريبية.

 

إن المدرب هو الوحيد الذي يشعر بأثر الهدية في المتدرب؛ من حيث النشاط الذي يدب بين المتدربين أثناء الدورة التدريبية، ومن حيث العطاء، ومن حيث الأثر الذي تتركه الدورة في نفس المتدرب والتطبيق في الواقع. إن آثار الهدية عجيبة في علو همة المدرب.

 

إن مبلغًا من المال تدفعه لشراء هدية لشخص عزيز عليك، يرفع من همتك ويشحذها.

 

إكرام صلة الرحم

 

هذه قصة حدثت لأسرة كويتية عريقة، لها صلة رحم في البحرين مكونة من جدة وأبناء وأحفاد. قررت الأسرة في البحرين زيارة الأهل في الكويت عن طريق البر، فجرى استقبالهم على أحسن وجه، وكانت مدة الزيارة 3 أيام. وعند الرحيل، وجهت الأسرة الكويتية رجاء إلى الأسرة البحرينية أن تبقى الجدة في الكويت 3 أيام أخرى، وتساءلت الجدة حينئذ: كيف أرجع إلى البحرين؟ فأجابت الأسرة في الكويت: لا تقلقي، سيتولى أحدنا ذلك. حينما انتهت الأيام الثلاثة، اشترى أحد أفراد الأسرة في الكويت تذكرة لها من فئة الدرجة الأولى، واصطحبها بعناية إلى المطار، وطلب لها كرسيا متحركا؛ لكي لا تتعب أثناء الحركة، وتم توصيلها إلى مقعدها في الطائرة بواسطة مصعد خاص، وجلس بجانبها، ثم عند الوصول جرى استقبالهما في مطار البحرين وذهبوا جميعا إلى بيتها، ثم استأذنهم ذلك الشخص من الأسرة الكويتية، وغادر إلى مطار البحرين، ليعود إلى الكويت في اليوم ذاته!

 

ما تزال الجدة إلى اليوم - وقد مضى على هذه الحادثة 3 سنوات - تشكر الأسرة في الكويت على صنيعها. وإلى يومنا هذا وذلك الشخص من الأسرة في الكويت يشعر بعلو في الهمة، على صنيعه الذي أراد به وجه الله.

 

يمكنك تحفيز نفسك بخدمة تقدمها لأحد أفراد العائلة عبر مال تدفعه.

 

التنازل عن بعض الحقوق المالية

 

اتصل بي الدكتور محمد السيد - المدير العام لمحطة بداية الفضائية السعودية - يطلب إليّ إجراء لقاء معي في الكويت.

 

ودار بيني وبينه هذا الحوار عبر الهاتف، قلت: ما طبيعة اللقاء الذي تسعى له؟ قال الدكتور محمد: قرأت كتابك "أنا يوم جديد"، وأحببنا أن نسجله على حلقات فضائية. فقلت: هذا شرف لي. هل تسجيل الحلقات وبثها سيكون عملاً تطوعيًّا أم تجاريًّا؟ فقال الدكتور محمد: بل هو تجاري، لكنه يستهدف فئة الشباب؛ من أجل نشر الوعي بينهم. فقلت: لا يوجد لدي مانع، ونظرًا لسمو هدفكم، فإني سأتنازل عن 25% من أتعابي المالية لمصلحة المحطة الفضائية!! ثم قال الدكتور محمد: هل يناسبك أن نلتقي في الكويت بتاريخ 22 سبتمبر لمناقشة الموضوع بالتفصيل؟ قلت له: لا يوجد لدي مانع، وعلى بركة الله نلتقي.

 

وعلى الرغم من أن العمل المتفق عليه لم يتم إلى اليوم، فإني شعرت بهمة عالية في حينها.

 

إن التنازل عن بعض حقوقك المالية لمصلحة التنمية الاجتماعية، يمنحك شعورا بعلو الهمة.

 

عدوى التحفيز إيجابية

 

يقال في علم الإدارة "إن التحفيز معدٍ" Motivation is Contagious، والعدوى هنا إيجابية وليست سلبية، بمعنى أنه إذا كنت تشعر بالحيوية والتحفيز، فإن من حولك يشعرون بالحيوية والتحفيز كذلك.

 

اتصلت بنا وزارة التعليم تطلب إلينا دورة في القيادة الفعالة بعنوان "إعداد قادة المستقبل". وقد أعددت لهذه الدورة شخصيًّا، وقدمتها لمجموعة من الموظفات المتميزات في الوزارة؛ وكان عددهن 24 موظفة.

 

عقدت الدورة في فندق النخيل على ساحل البحر، وكان بجانبه مقهى معروف بأكلاته الخفيفة، وعصائره اللذيذة.

 

وفي إحدى الاستراحات أثناء الدورة، طلبتُ إلى المتدربات أن ينجزن إحدى فقرات التدريب في المقهى، وطلبتُ إلى كل واحدة منهن أن تطلب كعكة وكأس عصير بما لا يتجاوز دينارًا واحدًا لكل منهن. وعند انتهاء الفقرة التدريبية، دفعت للمقهى 24 دينارا، وشعرت المتدربات بتحفيز في نفوسهن؛ نظرًا لاختلاف جو التدريب في تلك الفقرة.

 

إن دفع مبلغ بسيط من المال لإنجاز عمل بطريقة مختلفة، يعتبر محفزا للنفوس.

 

الخلاصة:

 

يجب استخدام المال في كل خير للفرد والناس والمجتمع، والقدرة على التحكم في المال تعد نعمة عظيمة لا يملكها كثير من الأثرياء.