Consultation Image

الإستشارة 12/04/2025

نحن مجموعة من الدعاة المهتمين بتجديد وسائل الدعوة وتطوير أساليبها بما يتناسب مع العصر. اجتمعنا في جلسة علمية دعوية، ودار بيننا نقاش عميق حول موضوع توظيف الفن، وتحديدًا التمثيل، في الدعوة إلى الله.

اختلفت آراؤنا؛ فهناك من يرى أن الفن وسيلة فعالة في التأثير على القلوب، وأن التمثيل يمكن أن يكون أداة عظيمة لإيصال الرسائل الدعوية بطريقة مؤثرة، خاصة في زمن أصبحت الصورة أكثر تأثيرًا من الكلمات. وهناك من يتخوّف من هذا الباب، ويرى أن فيه محاذير شرعية عديدة قد تجعله وسيلة أكثر ضررًا من النفع.

نريد منكم توضيح الرؤية الشرعية لهذا الأمر: هل يجوز توظيف التمثيل في الدعوة؟ وإذا كان جائزًا، فما هي الضوابط التي ينبغي مراعاتها؟ وهل هناك أمثلة أو تجارب سابقة يمكن الاستفادة منها؟ جزاكم الله خيرًا.

الإجابة 12/04/2025

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

 

فقد أحسنتم أيها الكرام بطرح هذا السؤال المهم، فإن من واجب الدعاة أن يبحثوا عن الوسائل المشروعة والفعالة لنشر الخير وإيصال رسالة الإسلام للعالم أجمع، دون الإخلال بثوابت الدين أو الوقوع في محاذير شرعية.

 

ولأن الموضوع مهم في بيانه، اسمحوا لي أن أصوغه على النحو التالي في نقاط محددة:

 

أولًا: الأصل في الوسائل الدعوية أنها تأخذ حكم مقاصدها، فإذا كانت الوسيلة مباحة في أصلها، وكانت تُستخدم لنشر الخير دون أن تؤدي إلى مفاسد، فهي جائزة، بل قد تكون مستحبة إذا كانت مؤثرة في نشر الإسلام، وعلى هذا فإنّ أيّ وسيلة صالحة تؤدي إلى مقصود مشروع، فهي معتبرة في الشرع، ما لم يمنع منها مانع شرعي، والتمثيل وسيلة لا غاية في ذاته، فينظر إليه من حيث طبيعة محتواه وطريقة تقديمه، فإن كان يُستخدم في نشر الفضيلة، ولم يكن فيه محاذير شرعية، فلا حرج فيه من حيث الأصل.

 

ثانيًا: الضوابط الشرعية في توظيف التمثيل للدعوة، فإذا أراد الداعية أن يستفيد من التمثيل في نشر القيم الإسلامية، فعليه أن يلتزم بضوابط شرعية واضحة، منها (وفقا لرؤية الأزهر الشريف ودار الإفتاء المصرية، ويمكنك مراجعة المختصين لديك):

 

1) عدم تجسيد الأنبياء والصحابة، فلا يجوز تمثيل شخصية النبي ﷺ أو أحد من الأنبياء عليهم السلام، وكذلك كبار الصحابة، لما في ذلك من انتقاص لمكانتهم وهيبتهم في النفوس.

 

2) الالتزام بالصدق وعدم التزييف، حيث يجب أن يكون المحتوى التمثيلي خاليًا من الكذب أو التحريف، فلا يجوز اختلاق أحداث لم تقع على أنها جزء من السيرة أو التاريخ الإسلامي.

 

3) الابتعاد عن المحرمات والمخالفات الشرعية، فلا يجوز أن يتضمن العمل مشاهد محرمة كالتبرج، أو الموسيقى المحرمة، أو الاختلاط غير المنضبط، أو المحاكاة الساخرة التي تسيء للدين.

 

4) مراعاة المقصد الدعوي وعدم الترفيه المحض، ومن هنا فإنه ينبغي أن يكون الهدف الأول هو نشر القيم الإسلامية، وليس مجرد التسلية أو جذب المشاهدين بأي وسيلة.

 

5) تقديم القيم الإسلامية بأسلوب جذاب وراقٍ، فينبغي للدعوة ألا تُقدَّم بأسلوب يبتذل القيم أو يفرّغها من جديتها، بل يجب أن يُراعى تقديمها بأسلوب يحترم المشاهد ويدفعه للتفكر والتأثر.

 

ثالثًا: نماذج دعوية ناجحة استخدمت الفن بشكل منضبط، وهناك تجارب ناجحة في توظيف الفن للدعوة، منها مثلا:

 

1) المسرحيات التوعوية في المساجد والمراكز الإسلامية التي تُقدَّم للأطفال والشباب بأسلوب هادف.

 

2) الرسوم المتحركة الإسلامية، مثل بعض الأعمال التي تحكي قصص الأنبياء بطريقة تعليمية منضبطة.

 

3) الأفلام الوثائقية التي تتناول قضايا إسلامية أو تاريخية بشكل احترافي بعيد عن التزييف والمخالفات.

 

وختاما إخواني الكرام:

 

إن الإسلام دين شامل، والدعوة إليه تحتاج إلى وسائل متنوعة تناسب كل عصر، ولكن بشرط أن تبقى هذه الوسائل في إطار الضوابط الشرعية، فلا نتساهل فنُضيع الثوابت، ولا نتحجر فنُضيّع التأثير، وما ذاك إلا تلبية للسان القوم، كما ثبت في الآية الكريم (إلا بلسان قومه ليبين لهم) فما يتحقق به البيان يصير واجبًا لازمًا، لكن تذكروا بأن العمل الصالح في الدعوة لا يكون صالحًا إلا إذا كان موافقًا لشرع الله، نافعًا للناس، بعيدًا عن المحاذير الشرعية.

الرابط المختصر :