Consultation Image

الإستشارة 16/03/2025

أنا فتاة جامعية أدرس في كلية مختلطة، وأجد نفسي يوميًّا مضطرة للتعامل مع زملائي الذكور سواء في المحاضرات أو في المشاريع الدراسية. أريد أن أعرف كيف يمكنني أن أتعامل معهم وفق الضوابط الشرعية دون أن أقع في المحظور أو أن أكون منعزلة بطريقة غير واقعية؟

الإجابة 16/03/2025

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

 

أختي الكريمة، وجودك في بيئة الجامعة لا يخلو من الاختلاط، وهو أمر يوجب عليك الوعي بضوابط التعامل بين الجنسين؛ حتى تحافظي على دينك وعفتك، وفي الوقت ذاته تكونين شخصية ناجحة ومتميزة في دراستك وتعاملاتك. الإسلام لم يمنع المرأة من التعليم، بل أتاح لها فرص التعلّم والنبوغ، لكنه وضع أطرًا تحفظ لها كرامتها وتصون أخلاقها.

 

وإليك الآتي:

 

أولًا: الفهم الصحيح للاختلاط وضوابطه في الإسلام

 

- الإسلام لم يحرم وجود المرأة في محيط مختلط بالكلية، لكنه وضع قواعد تحدد طبيعة هذا الاختلاط، بحيث يكون في نطاق الحاجة والضرورة مع الحفاظ على الآداب والحدود الشرعية. قال الله تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [الأحزاب: 53].

 

- وهذه الآية وإن كانت في نساء النبي ﷺ، إلا أن العلماء استنبطوا منها قاعدة عامة، وهي أن التعامل بين الجنسين ينبغي أن يكون بضوابط تحفظ الطهارة القلبية وتمنع الفتنة.

 

ثانيًا: الضوابط الشرعية في التعامل مع الزملاء في الجامعة

 

- ضبط الحديث والتواصل باحترام وأدب: التكلم عند الحاجة فقط، وبأسلوب جدّي لا يخرج عن إطار الدراسة، فضلاً عن تجنب الضحك والمزاح غير الضروري؛ لأن ذلك قد يكون مدخلًا للتساهل، وتأملي قوله تعالى: {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا} [الأحزاب: 32].

 

- الالتزام بالحجاب الشرعي واللباس المحتشم، والحجاب ليس مجرد قطعة قماش ولا تقليدًا اجتماعيًّا؛ بل هو رسالة بأنك فتاة تملك نفسها ولا يملكها الآخرون، ويمكنك مراجعة استشارة سابقك حول الحجاب، واعلمي بأنّ الحجاب الحقيقي يشمل الاحتشام في الكلام والسلوك، وليس مجرد تغطية الجسد، قال الله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31].

 

- تجنب الخلوة واللقاءات الخاصة مهما كانت الظروف، فلا يجوز أن تكون هناك لقاءات منفردة بينك وبين أي زميل، سواء في قاعة مغلقة أو مكان منعزل: "لا يخلونّ رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم".

 

- الجدية في العلاقات وعدم التعلق العاطفي، ولا تدعي الشيطان يزين لك مشاعر ليست في موضعها؛ فالبداية تكون تعارفًا وزمالة ثم تتطور بلا شعور، كما أنّ العلاقات العاطفية غير المنضبطة في الجامعة من أكثر ما يؤدي إلى الانحراف وضياع المستقبل، وقد ثبت في السُّنَّة: "إن الحياء والإيمان قرنا جميعًا، فإذا رفع أحدهما رفع الآخر".

 

- تجنب الاختلاط غير الضروري، واجعلي علاقتك مع الزملاء في أضيق الحدود، واقتصري على ما تقتضيه الحاجة الدراسية، ولا تكوني متاحة بشكل مفرط، بل اجعلي شخصيتك متزنة ووقورة.

 

- التعامل بذكاء اجتماعي دون أن تخسري احترامك: فليس مطلوبًا منك أن تكوني منعزلة، بل يمكنك أن تكوني محترمة ومتعاونة، دون أن تخضعي أو تتساهلي، واجعلي جديتك واحترامك لنفسك حاجزًا يمنع أي تجاوز من أي طرف.

 

ثالثًا: نماذج من تعامل السلف الصالح

 

- كانت أُمّنا أُمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- تعلم الصحابة العلم، لكن تعاملها معهم كان بمنتهى الحشمة والوقار.

 

- وهذه أختها أسماء بنت أبي بكر كانت تساعد زوجها الزبير في بعض الأمور، لكن ذلك لم يقدح في حيائها ولا وقارها.

 

- وقد ثبت تاريخيًّا أن المرأة المسلمة في الأندلس كانت تشارك في العلم، لكن في إطار الأدب والاحترام.

 

وقفة مع التحديات المعاصرة والحلول الواقعية

 

- إدارة التواصل الإلكتروني بحذر: فلا تفتحي باب المراسلات الخاصة بلا ضرورة؛ لأن الكتابة قد تكون أكثر إغراءً من الحديث المباشر، ولا ترسلي صورًا أو معلومات شخصية لأي زميل.

 

- الحذر من البيئة المنفتحة في الجامعة: فإنّ بعض الأنشطة الجامعية قد تدعو للاختلاط غير المنضبط، فكوني واعية وانتقي ما يناسبك، ولا حرج من المشاركة في الأنشطة التي تعزز القيم والأخلاق، مثل الجمعيات الإسلامية والثقافية.

 

- التوازن بين التدين والواقعية، فأنصحك بأن لا تتشددي بحيث تصبحين منبوذة، ولا تتساهلي فتذوب شخصيتك، واجعلي حياءك هو معيارك، ولا تخجلي من الالتزام بمبادئك.

 

وختامًا: فإن للالتزام بهذه الضوابط لثمرات، ومنها ما يأتي:

 

- حفظ قلبك من التعلق المحرم والانشغال العاطفي، مما يساعدك على التركيز في دراستك.

 

- اكتساب احترام الجميع، لأن الطالبة المحتشمة المحترمة تفرض احترامها على الجميع.

 

- الطمأنينة القلبية والراحة النفسية؛ لأنك تعيشين وفق منهج الله.

 

- النجاح في الدراسة والحياة العملية؛ لأنك لم تضيعي وقتك في علاقات لا فائدة منها.

 

أختي الكريمة، الجامعة ليست مكانًا للانحراف، بل هي فرصة لبناء الذات واكتساب العلم، فلتكوني نموذجًا مشرفًا للطالبة المسلمة الملتزمة، التي تجمع بين التفوق الدراسي والأخلاق الرفيعة، وتكون قدوة في وقارها واحترامها لنفسها. ونسأل الله أن يحفظك ويرزقك العلم النافع والعمل الصالح، ويجعلك من الصالحات القانتات.

الرابط المختصر :