Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : د. موسى المزيدي
  • القسم : إدارية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 108
  • رقم الاستشارة : 1741
24/04/2025

السلام عليكم، أحيانًا يكون لدي أعمال كثيرة، وأتردد في القيام بها وأفترض أشياء قد تفسد الأمور التي سأقوم بها، وذلك دون التأكد من صحة هذه الافتراضات التي رمما بنيتها على مجرد السماع من الآخرين .. فما نصيحتكم لي؟

الإجابة 24/04/2025

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أهلا ومرحبا بك أخي الفاضل على موقع استشارات المجتمع، وبعد:

 

فالإنسان لا بد أن يكون مبادرًا بأداء ما عليه من أعمال، بإيجابية وانسيابية، واعلم أنه من الآفات المعطلة لإنجاز الأعمال السماع من الآخرين دون التأكد، والتردد يضيع فرصًا أعمالاً كثيرة؛ فعليك أن تتيقن ممن ينقل إليك ولا تتردد في أمورك حتى تستطيع إنجازها.

 

وإليك أيها –أخي- بعض القصص التي حدثت في الواقع بتواريخها المعلنة وأمكنة وقوعها لأشخاص محفزين وأصحاب همم عالية وتوضح أن عدم اليأس، والمبادرة إلى تحفيز نفسك تشحذ همتك.

 

تأكد ولا تفترض

 

أخبرني صديقي موسى أن لديه عمة يحبها كثيرًا اسمها أسماء. أصيبت بشلل نصفي قبل وفاتها بسبع سنين. وكان الأمر يتطلب رعاية تامة لها. إن ما يعانيه الإنسان المصاب بالشلل هو عدم قدرته على الحركة، ومن ثمّ حرمانه من الخروج إلى المنتزهات والمرافق العامة، ومن المشي على ساحل البحر والذهاب إلى الأسواق وزيارة الأقارب.

 

كان صديقي يفترض دائمًا أن هناك من أفراد العائلة المقربين لها من يدخل السرور في قلبها، ويهيئ لها كرسيًّا متحركًا لكي تجلس عليه ويدفع به بنشاط وحيوية على الممشى أو شاطئ البحر. لكن خاب ظن صديقي حينما علم أن شيئا من ذلك لا يحدث إلا بصورة نادرة. فقرر صديقي أن يقوم بذلك الأمر بنفسه، ففي ذلك اليوم، استيقظ من نومه مبكرا وأدى صلاة الفجر في المسجد، ثم ذهب مع أخيه زهير إلى عمته ليجدها مهيأة للخروج على كرسيها المتحرك، وتتمنى من يأخذها إلى شاطئ البحر. تحرك كل من صديقي وأخيه ولم يترددا، وبادرا إلى تحقيق أمنيتها.

 

شعر صديقي وأخوه بنفسيهما محفزتين بقوة في ذلك اليوم. والعجيب في الأمر أن جميع من رأى المشهد من الناس أثناء هذا التجوال كان يحييهما ويدعو لهما بالخير، وأقل ما كانا يسمعانه منهم هو عبارة: "لكما الجنة".

 

تحرك وبادر إلى تحفيز نفسك بإدخال السرور على قلب من تحب.

 

تحرك وقاوم التردد

 

طلبت إليّ شركة الاستثمار البشري في ذلك اليوم أن أتصل بخمسة وعشرين مسؤولاً كبيرًا في القطاع النفطي، لتوجيه دعوة لهم إلى حضور حفل ترويجي لمنتج جديد يقال له: البرنامج الإثرائي للأطفال Fast Track Kid. كان الوقت متأخرًا ويشير إلى الساعة 8 مساءً، وكان لا بد من إجراء الاتصالات بهم في تلك الليلة؛ لأن الحفل يبدأ في مساء اليوم التالي.

 

ترددت كثيرًا في إجراء تلك الاتصالات لأسباب عدة، منها: أن هذه المرة الأولى التي أؤدي فيها هذا العمل، وأن هؤلاء مديرون متميزون في القطاع النفطي، ولا يرجعون إلى بيوتهم إلا وهم مرهقون منٍ يومهم الشاق، وأنهم لا يملكون من أوقاتهم للجلوس مع أهاليهم وأبنائهم إلا القليل.

 

كنت أتوقع – حين أتصل بهم – أن أسمع منهم كلمات تأنيب؛ لعدم اختيار الوقت المناسب في الاتصال. ثم أجريت حسبة بسيطة، قلت في نفسي: إن كل مكالمة اتصال ستستغرق 5 دقائق على الأقل، ما بين حوار وكلمات تأنيب وتوبيخ. بحسب هذه الفرضية، ستنتهي المهمة في 125 دقيقة، يعني نحو الساعة العاشرة مساء.

 

فتهيأت نفسيًّا لهذه التوقعات وبدأت الاتصال بهم، وفوجئت بأن جميع فرضياتي سقطت من الذهن ولم يكن لها واقع يؤيدها؛ إذ أخذ المديرون يرحبون باتصالي بهم، ويشكرونني على السؤال عنهم، واستغرقت عملية الاتصال بهم نحو 45 دقيقة فقط، بمعدل دقيقتين لكل مدير. شعرت حينئذ بفرحة الانتصار تغمرني. إنها فرحة الانتصار على التردد الذي أصابني، وذلك بناء على فرضية لا أساس لها من الصحة.

 

هناك مقولة باللغة الإنكليزية معروفة وهي: Action Cures Fear، بمعنى أن المبادرة إلى الحركة تبدد الخوف. وصدق من قال: منك الحركة ومن الله البركة.

 

تحرك وبادر إلى تحقيق ما يطلب إليك أداؤه دون تردد، وستشعر بفرحة الانتصار على التردد الذي يصيبك.

 

الاتصال برئيس مجلس الوزراء الماليزي السابق الدكتور مهاتير محمد

 

ولد الدكتور مهاتير محمد أو محاضر محمد في 20 يونيو 1925م، وهو رابع رئيس وزراء لماليزيا في الفترة من 1981م إلى 2003، مما يجعلها أطول مدة لرئيس وزراء في ماليزيا، وهي من أطول فترات الحكم في آسيا. امتد نشاط مهاتير السياسي نحو 40 عاما، منذ انتخابه عضواً في البرلمان الاتحادي الماليزي في العام 1964م، حتى استقالته من منصب رئيس الوزراء في العام 2003م.

 

كان للدكتور مهاتير محمد دور رئيسي في تقدم ماليزيا بصورة كبيرة، إذ تحولت من دولة زراعية تعتمد على إنتاج وتصدير المواد الأولية إلى دولة صناعية متقدمة يساهم قطاعا الصناعة والخدمات فيها بنحو 90% من الناتج المحلي الإجمالي، وتبلغ نسبة صادرات السلع المصنعة 85% من إجمالي الصادرات، وتنتج 80% من السيارات التي تسير في شوارع ماليزيا.

 

كانت النتيجة الطبيعية لهذا التطور أن انخفضت نسبة السكان تحت خط الفقر من 52% من إجمالي السكان في العام 1970م، أي أكثر من نصفهم، إلى 5% فقط في العام 2002م، وارتفع متوسط دخل المواطن الماليزي من 1,247 دولارًا في العام 1970م إلى 8,862 دولارا في العام 2002م، أي أن دخل المواطن زاد على 7 أمثال ما كان عليه قبل 30 عامًا، وانخفضت نسبة البطالة إلى 3%.

 

كان في مدة حكمه من أكثر القادة تأثيراً في آسيا، كما يعتبر من أكثر المعارضين للعولمة.

 

طلبت إلي شركة الاستثمار البشري الاتصال برئيس مجلس وزراء ماليزيا السابق الدكتور مهاتير محمد؛ وذلك لافتتاح مؤتمر إسلامي يعقد بعد نحو 4 أشهر من ذلك اليوم، أي بتاريخ 2 مايو من تلك السنة (2005م). فقلت لهم: ومن أنا حتى يتصل بشخصية كبيرة مثل الدكتور مهاتير محمد؟ فقال المسؤول في الشركة: لقد اخترناك لهذه المهمة، فاقبلها.

 

ترددت كثيرا في الموافقة على هذا الطلب، ولكن وافقت عليه حينما رأيت فيه تحديا لي. وضعت يدي على سماعة الهاتف بتردد شديد، ورفعت السماعة بتردد شديد كذلك، وطلبت الرقم بتردد شديد.

 

كنت أعلم أن الدكتور مهاتير لن يرد على اتصالي مباشرة، بل سيترك الرد لمدير مكتبه أو "سكرتيره" الخاص. وكما توقعت، ردت عليّ سيدة باللغة الإنكليزية وهي ترحب بي وتقول: هذا هو مكتب الدكتور مهاتير محمد، كيف يمكنني أن أخدمك؟ قلت لها: هل بإمكاني التحدث مع الدكتور مهاتير؟ لدي خبر ربما يكون سارًا له، قالت: وما هو هذا الخبر السار؟ قلت لها: أريد منه شخصيًّا أن يسمع هذا الخبر، قولي له: إن الدكتور موسى المزيدي من الكويت يريد التخاطب معك.

 

قالت: هو الآن في اجتماع، هل لي أن أعرف ما هو هذا الخبر؟ قلت لها: هو خبر ربما يسره كثيرًا، لفعالية ستقام في الكويت، هل تستطيعين أن تخبريه بذلك؟ قالت: معك الدكتورة بدرية "سكرتيرة" الدكتور مهاتير، وسأخبره بالأمر بعد الانتهاء من اجتماعه.

 

قلت لها: الأمر مستعجل، لدي دعوة للدكتور مهاتير إلى افتتاح مؤتمر إسلامي في الكويت بتاريخ 2 مايو. قالت: هل تعلم مقدار الرسم المالي لحضور الدكتور مهاتير وافتتاح المؤتمر؟ قلت: كم؟! قالت: 40 ألف دولار أمريكي!! قلت: ميزانية المؤتمر تسمح بذلك (وقد كان لدي ضوء أخضر بالموافقة على هذا الرسم)، قالت: سأتصل بك بعد أسبوع من هذا اليوم لأخبرك بالموافقة على طلبكم من عدمه!!

 

اتصلت الدكتورة بدرية "سكرتيرة" الدكتور مهاتير بعد أسبوع لتخبرني بعدم قدرة الدكتور مهاتير على افتتاح مؤتمرنا في الكويت؛ لارتباطه بجهة أخرى في ذلك التاريخ! لك أن تتصور أيها القارئ المصداقية التي يتمتع بها الدكتور مهاتير. لقد رفض مبلغ 40 ألف دولار لكي يفي بوعوده لجهات أخرى. وعلى الرغم من رفض الدكتور مهاتير لطلبنا، فإن تجربة الاتصال بمكتبه - بحد ذاتها - فيها تحفيز للنفس كبير.

 

لا تتردد في الموافقة على تنفيذ أمر فيه تحدّ لقدراتك، فإن في ذلك تحفيزا لك.

 

الخلاصة:

 

ما كل ما يقال حقيقة فلنتأكد مما ينقل إلينا بحكمة وروية، والتردد يضيع فرصًا كثيرة، والمبادرة والحركة تفتح الأبواب المغلقة وتساعد في إنجاز الأعمال، وما تظنه عسيرًا تجده يسيرًا بإذن الله.

الرابط المختصر :