Consultation Image

الإستشارة 16/04/2025

شيخي الفاضل، سلام الله عليكم ورحمة منه وبركاته، أكتب إليكم وقلبي مثقل بالهموم، والنفس تكاد تئن تحت وطأة الابتلاءات المتتابعة، فلا يكاد يمر يوم إلا وأجد من المشقة ما يرهق روحي، ومن الأقدار ما يجعلني أشعر أنني وحيد في ميدان الحياة، أواجه رياحها العاتية دون مُعين أو سند.

لقد ابتليت في مالي، فأجد نفسي في كفاح مستمر لتوفير ضروريات العيش، وكأنَّ الرزق يفر مني كلما اقتربت منه. وابتليت في أهلي، فبين من رحل عني ومن جفاني، أشعر أنني غريب بين أقرب الناس.

وابتليت في نفسي، فلا تكاد تهدأ في قلبي عاصفة حتى تثور أخرى، حتى باتت أيامي مزيجًا من الألم والحيرة والتساؤل: لماذا كل هذا؟ وكيف أتحمل؟

لقد سمعت كثيرًا عن الصبر، وأنه مفتاح الفرج، لكنني -والله- أشعر أن طاقتي تنفد، وأنني على حافة السقوط، فما السبيل إلى الصبر حين تعجز النفس عن التحمل؟ وكيف أواجه هذه الحياة وأنا أشعر أنني ضعيف أمام اختبارات القدر؟

أرشدوني، فقد تعبت.

الإجابة 16/04/2025

أيها الحبيب الذي أثقلته الأيام، السلام عليك ورحمة الله وبركاته، وأحمد الله الذي ألهمك أن تبحث عن النور في طريق الصبر، فهذه أولى بشائر الفرج، فإن من تلمَّس السبيل وصل، ومن قرع الباب كُتب له الدخول، كما أشكرك على أسلوبك الرائع في صياغة سؤالك الكريم، وأشعر بك، وأتفهم ما يعتصر قلبك من ألم، وأعلم -والله- أن الحياة قد تضيق حتى يظن المرء أن لا مخرج، لكن اعلم أن الصبر ليس مجرد احتمال للألم؛ بل هو قوة ترفع النفس فوق الألم، فتجعلها ترى في كل ابتلاء معنى، وفي كل محنة منحة.

 

وإليك الآتي:

 

1) تذكر سنن الله في عباده: إن الله جل شأنه لم يترك أحدًا من أحبابه وأوليائه إلا وابتلاه، لعلك تحفظ قوله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}.

 

أخي السائل الكريم: ألم تر كيف ابتلي الأنبياء؟ فهذا أيوب عليه السلام صبر على المرض والفقد، وهذا يوسف عليه السلام تحمل الغدر والسجن، ومع ذلك كانوا أعظم الناس منزلة عند الله.

 

2) افهم فلسفة الابتلاء: فالابتلاء -بعكس ما يتصور البعض- ليس علامة على الغضب؛ بل هو امتحان للقلوب، يرفع الله به الدرجات ويمحو السيئات، قال ﷺ: "مَا يُصِيبُ المُؤْمِنَ مِنْ وَصَبٍ وَلَا نَصَبٍ، وَلَا سَقَمٍ وَلَا حَزَنٍ، حَتَّى الهَمّ يُهِمُّهُ، إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهِ مِنْ سَيِّئَاتِهِ".

 

3) تعلم فنون الصبر العملي: فأكثر من الدعاء: لا تيأس من رحمة الله، وادعُه بخشوع، فلقد وعد بالإجابة، قال تعالى: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} وَقَسِّم الابتلاء إلى مراحل: لا تنظر إليه كجبل لا يمكن تجاوزه؛ بل اجعله خطوات صغيرة، وخذ كل يوم بيومه، ولا تنس أن تحيط نفسك بالصالحين: فإن صحبتهم تخفف الألم وتذكّرك بفضل الله.

 

4) انتظر الفرج بثقة ويقين: تذكر قوله سبحانه: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا، إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} ولاحظ كيف كرر الله الوعد باليسر مرتين، وكأن الله يقول لك: أيها المتعب، لا تحزن، فإن بعد ليلك فجرًا، وبعد حزنك فرحًا.

 

ومن بين ما يعينك على تحقيق الصبر والتحقق به، تلك الوصايا العملية، التي يمكن أن تعمل على تخفيف معاناة الابتلاء، وذلك على النّحو التّالي:

 

* احرص على الصلاة بخشوع؛ فهي مفتاح الطمأنينة.

 

* داوم على الاستغفار؛ فهو يجلب الفرج.

 

* اقرأ القرآن؛ فهو بلسم القلوب.

 

* اشغل نفسك بعمل نافع؛ فالفراغ يزيد الألم.

 

* تصدق ولو بالقليل؛ فالصدقة تطفئ غضب الرب.

 

* لا تستسلم للأفكار السلبية؛ فكل محنة تنتهي مهما طالت.

 

أيها السائل المبارك، اصبر واحتسب، فأنت في معية الله، وما بعد الضيق إلا الفرج، وما بعد الصبر إلا عطاء من الله لا يخطر ببالك، وأشدّ ساعات الليل ظلمة، هي تلك الساعة التي يعقبها بزوغ الفجر، فانتظر الفجر وضوءه ولا تيأس من روح الله. أسأل الله تعالى لك دوام الصبر والاحتساب، كما أسأله لك التوفيق والسداد.

الرابط المختصر :