Consultation Image

الإستشارة 24/03/2025

زوجي رجل أناني جدًّا لا يفكر إلا في نفسه ومصلحته، ورغم أن علاقتي بأهله جيدة جدًّا ولا أترك واجبا إلا قمت به بينما هو مقصر حتى مع أهله، فإنه مع أهلي الأكثر سوءًا، فوالدي سوف يجري عملية جراحية كبرى وهو حتى لم يتصل به تليفونيا. أشعر أحيانا أني أكرهه وأشعر أحيانا أنني لا أتمنى له الخير وأفكر كثيرا أن أقطع صلتي بأهله.. ما رأيكم؟

الإجابة 24/03/2025

أختي الكريمة، أهلاً وسهلاً ومرحبًا بك على البوابة الإلكترونية للاستشارات.. في البداية أريد أن أقول لك إنني أشعر جدًّا بألمك، فأن تكوني معطاءة بينما يعتاد الطرف الثاني الأخذ دون العطاء لهو شيء مؤلم وشيء محبط، حتى أنه أوصلك في نهاية المطاف لمشاعر سلبية لم تكوني تتخيلي أن تمري به‍ا، وإن شاء الله تتخلصي منها قريبًا.

 

يبدو لي من رسالتك (على الرغم من أنك لم تذكري ذلك) أن لك عدة سنوات متزوجة وأن لديك أطفالا، فهذا هو الجزء الذي لم تذكريه من قصتك، وهو الجزء الذي يجعلك تفكرين كثيرًا قبل أن تتخذي أي قرار حتى لا تكوني مثله.. أليس كذلك؟ صححي لي في رسالة أخرى إن كنت قد أخطأت التوقعات.

 

أما إن كان توقعي صحيحًا فدعيني أحييك على صبرك وعطائك وتضحياتك فهي متماشية تماما مع شخصيتك.

 

لكن أتعلمين –غاليتي- أن العطاء الحقيقي الكامل هو عطاء لا ننتظر عليه أجرًا أو ردًّا مشابهًا أو غير مشابه حتى كلمة شكر تكون بالفعل غير منتظرة، وليكن شعارك {لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا}.

 

طبيعة العطاء

 

نحن عندما نعطي.. نمنح.. نهتم فإن هذا العطاء يصبح جزءًا من هويتنا الشخصية يمنحنا شعورًا بالسكينة في نفس اللحظة التي نقدم فيها الاهتمام أو العطاء.. أعني أن العطاء له خاصية الثواب الذاتي، هذه واحدة.

 

والعطاء كما ذكرت لك من قبل يمثل لك هوية شخصية فأنت لن تتعرفي على نفسك إذا فقدت أهم ما يميزها ألا وهو العطاء والاهتمام بمن هم حولك، وهذه نقطة ثانية بالغة الأهمية.

 

النقطة الثالثة الحاسمة هي أن الله سبحانه وتعالى هو من يجازي على العطاء، فكل ما تفعلين من خير أو واجب يعلم به الله ويجازيك عليه {وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا}، وما تقدمي من عطاء يجعل حياتك سهلة يسيرة {فَأَمَّا مَن أَعطَى وَاتَّقَى * وَصَدَقَ بِالحُسنى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِليُسرَى}.

 

لماذا أقول لك كل هذا الكلام عن العطاء وأنت التي أرسلت تشكين أنانية زوجك.. حتى أدعم رؤيتك لهويتك أنت الشخصية، فلا تجعلك هوية زوجك الأنانية تكفرين بقيمك ومبادئك وممارساتك في الحياة فتسلكين سلوكًا يشبه ما يقوم به من سلوكيات ولكنه لا يشبهك أنت، سواء كان هذا السلوك ملموسًا كأن تتجنبي أهله أو تقاطعيهم أو سلوكًا غير ملموس كأن تشعري بالكراهية وتتمني أن يحدث له ما يسوء.

 

التعامل مع الأناني

 

غاليتي، أنت بحاجة للصبر بل أنت بحاجة لكثير من الصبر الجميل وأنت تتعاملين مع شخص يعاني من الأنانية فلا يكاد يشعر الا بنفسه وباحتياجاتها ومتطلباتها.. مثل هذه النوعية وإن كان التعامل معهم صعبًا إلا إنه ليس مستحيلا فهي ليست شخصيات مغلقة تمامًا.

 

في كثير من الأحيان تنسى الشخصية الواجب الذي هو عليها.. تنساه فعلا لأنها لم تكن مهتمة فإذا تم تذكيرها ولم يكن هناك عائق تذكرت وقامت بالواجب المطلوب منها.. مثلا لو أخبرت زوجك ببعض تفاصيل مرض والدك في وقت أنت تعلمين أنه فارغ فيه ثم قلت له ما رأيك أن نتصل نطمئن فالاحتمال الأكبر إنه سوف يستجيب لك.

 

أما إن تعاملت معه بحساسية فائقة وقلت في نفسك إن عليه أن يمتلك الحد الأدنى من الإحساس بمن حوله والحد الأدنى أن يقوم بمكالمة هاتفية لوالدي وأنا التي لم أقصر يومًا مع أهله.. هذا الحوار الداخلي يورثك الحسرة ولا يحل مشكلتك بل يفاقمها.

 

كوني واقعية، هذا الرجل مقصر حتى مع أهله فهو يعاني مزيجًا من الأنانية والانطوائية، ولا يصلح التعامل العادي معه، ولا ينتظر منه أن يقوم بالأشياء العادية التي يقوم بها بقية البشر بشكل سلس.

 

بالتأكيد زوجك لديه بعض المميزات التي لم تذكريها لأنك في حالة غضب، فاحذري أن يعميك الغضب عن أي خير موجود عند هذا الرجل، وتذكري دائما هذا الحديث: "وأريت النار، فلم أر منظرًا كاليوم قط أفظع، ورأيت أكثر أهلها النساء، قالوا: بم يا رسول الله؟ قال: بكفرهن، قيل: يكفرن بالله؟ قال: يكفرن العشير ويكفرن الإحسان، لو أحسنت إلى أحداهن الدهر كله، ثم رأت منك شيئًا، قالت: ما رأيت منك خيرًا قط".

 

ففي لحظات الغضب ننسى لحظات الخير والإحسان وأنا أربأ بك أن تكوني كذلك.. أنت كل ما تحتاجينه أن تكثري من الدعاء أن يفرغ الله عليك صبرًا، وأن تتعاملي مع هذا الرجل بالصبر وتتخلصي من أي حساسية في التعامل معه.. إن كان الأمر الذي يضايقك غير جوهري فتجاهليه وإن كان أساسيًّا فتعاملي معه برفق وصبر حتى تصلي لتحقيق هدفك، وفي كل الأحوال لا تتشبهي به، كوني كما أنت كريمة معطاءة قدر ما تستطيعين.. لا تعطي فوق طاقتك، وعندما تعطي احتسبي ما قمت به عند الله سبحانه وتذكري {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ}.

الرابط المختصر :