Consultation Image

الإستشارة 07/05/2025

أنا متزوجة منذ خمسة عشر عامًا من طبيب هو ابن عمي ونحن نسكن في الريف، وزوجي رجل محبوب في عائلته وعائلتي بل من جميع أهل البلدة، فهو خدوم ومتعاون.

لكنه يتعامل معي باستخفاف شديد ولا يستمع لرأيي في شيء، يريد أن يعطي أوامر وعلي أن أنفذها وعندما اعترض يبدو وجهه الثاني الذي لا يراه أحد غيري فيصرخ وينفعل، وقد يكسر جزءًا من أثاث البيت وقد يصل به الأمر أن يضربني أو يلقي أي شيء في وجهي كما حدث آخر مرة.

وخرجت في هذه المرة غاضبة لبيت أهلي الذين أشعر بعدم تعاطفهم معي وكأنهم لا يصدقون أن الطبيب الخلوق يضرب، وأمي تريد مني العودة وتقول لي كل النساء يضربن فليس علي أن أكبر المواضيع.

وأبي يرى أني عنيدة ورأسي يابسة وسأخرب بيتي وأشتت طفالي وهو يتصل بأبي الذي هو عمي يسلم عليه ويتجاهل المشكلة وأبي يطلب منه أن يأتي لشرب الشاي معه وهو من يماطل وأمي تتعامل معي بطريقة حادة كأنها ترسل لي رسالة أني غير مرحب بي وأنا كرهت هذا الرجل وكرهت حياتي معه وضاقت بي الدنيا ولا أعرف كيف أتصرف

الإجابة 07/05/2025

أختي الغالية، أهلاً وسهلاً ومرحبًا بك على صفحة البوابة الالكترونية للاستشارات، في البداية أدعوك أن تهدئي حتى نستطيع التفكير معًا في حل لهذا المأزق الذي تعيشينه، لذلك أريد منك الآن وقبل قراءة باقي رسالتي إليك أن تقومي وتغتسلي بماء دافئ يميل للسخونة بعض الشيء حتى تسترخي عضلاتك ويهدأ عقلك من كثرة التفكير وليتك تجهزين مشروبك المفضل ونعود لجلستنا معًا.

 

أختي الغالية، دعينا نفتتح جلستنا هذه بالصلاة على النبي بالصيغة الإبراهيمية، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.

 

غاليتي، أنا أقدر غضبك وإحباطك وأعرف أنك واقعة تحت تأثير كثير من الضغوط، يكفي في هذا الصدد تعرضك للعنف والإيذاء الجسدي وشعورك بعدم تعاطف أسرتك معك ومحاولة إقناعك أن ما تعرضت له هو أمر عادي يحدث في جميع البيوت، وأن "جميع النساء يضربن"، كما قالت لك والدتك.

 

وبالطبع ليس الأمر هكذا، فلا تتعرض كل الزوجات لهذا العنف، وإن كانت الأرقام تشير إلى ارتفاع معدلات العنف المنزلي، وهو أمر لا علاقة له بالدين، وهذا العنف المنزلي أمر شائع ببين مختلف الثقافات والشعوب.

 

لكن دعيني أوضح لك أن ما قالته والدتك ليس رضًا منها على ما تعرضت له، وإنما هو محاولة منها للتخفيف عليك عن طريق محاولة إقناعك، إنها ممارسة شائعة فيقلل ذلك من احتقانك، وفي نفس السياق يمكنك أن تفهمي أن أسلوبها الحاد في التعامل معك ليس لأنها ترفض وجودك، ولكن رغبة منها في إقناعك أنك لن تشعري بالراحة إلا في بيتك الخاص بك.

 

أما حديث والدك مع ابن اخيه "زوجك" فهو أيضا يأتي في سياق محاولته للمّ الشمل، فالنقد الحاد المباشر له سيجعله يميل لمزيد من التباعد وهو ما لا يرغب فيه الوالد، فلا تزيدي ضغوطك واحدًا وأنت تتصورين أن الجميع ضدك ويرفضون وجودك؛ لأن هذا يجعلك تغرقين في دور وعقلية الضحية، ولو تمكن منك هذا النمط من التفكير لن تجدي حلاً لما تعانين منه.

 

خيركم لأهله

 

من المفارقات الغريبة أن يكون زوجك خلوقًا مهذبًا متعاونًا مع الجميع لكنه حاد الطباع انفعالي الشخصية يميل للعنف معك أنت، فهذا اللون من التناقض يثير الدهشة؛ لذلك فالنبي ﷺ: "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهله"؛ لأن ذلك هو المحك الحقيقي لحسن الخلق والقدرة على ضبط النفس، فقد يسهل أن يتظاهر الإنسان في الخارج ويقدم نفسه في أفضل صورة ممكنة وإنما في مساحته الخاصة فهو يتخلى عن التظاهر وتبدو الهوية الخلقية الحقيقية، لذلك فالخير الحقيقي لا بد أن يظهر ذلك في مساحته الخاصة مع أهله.

 

فهل معنى ذلك أن زوجك سيئ له وجه جميل يقابل الناس به ووجه قبيح يعاملك به؟ لا حبيبتي الأمر ليس كذلك، وإن كنت في لحظات الغضب ترينه كذلك؛ فقد يجاهد الإنسان نفسه كي يبقى هادئًا بعض الوقت إذا كان يمتلك طبيعة عصبية نارية، وهذا في حد ذاته أمر طيب، ولكنه لن يستطيع أن يبقى هادئا طيلة الوقت، فغالبًا سيعود لطبيعته لا سيما داخل دائرته الخاصة، فيكون أفضل الناس وخيرهم من يستطيع أن يحافظ على نفسه في صورته المثلى داخل دائرته الخاصة أيضًا أي مع أهله، وعندما يفشل أحيانًا في ذلك فلا يعني أنه سيئ أو منافق، وإنما يعني أنه يسلك خلافًا للأَولى.

 

أختي الكريمة، دعينا نتفق أن زوجك أخطأ عندما تعامل معك بهذه العصبية التي وصلت حد الإيذاء البدني، ولا شك أنه يشعر بهذا الخطأ ولعله يشعر بالخجل من نفسه كونه تورط في مثل هذه السلوكيات، لكن دعينا نتخيل القضية من وجهة نظره لو أنه تكلم، فماذا كان من الممكن أن يقول؟

 

هل سيقول إنه شخص مستبد لا يستمع إلا لنفسه ولا يريد منك إلا أن تقومي بتنفيذ أوامره؟ أم أنه سيقول إن زوجته شخصية شديدة الجدال لا تمرر موقفًا دون مناقشة واعتراض، وإنها قادرة على إثارة غضبه بكل الطرق حتى أنه يشعر أنها تتعمد إثارة غضبه كي يتعامل معها بعنف وتثبت له أنه شخص سيئ وليس كما يظن به الناس؟

 

هل أنت مندهشة من هذا التحليل؟ هل ترينه بالغ التطرف وسوء الظن؟ لكنها قد تكون وجهة نظره، قد يكون غاضبًا من نفسه، وغاضبًا منك أنك اضطررته لأن يقوم بهذه السلوكيات التي لا يرضاها لنفسه ولا لزوجته أم أبنائه وبنت عمه.

 

ما هو الحل؟

 

والآن –غاليتي- ما هو الحل؟

 

أمامك -أختي الكريمة- أحد حلين أو مسارين للخروج من هذه الأزمة، وكل مسار منهما له ثمن لا بد أن يُدفع، وعليك أنت الاختيار، وأدعوك أن تكوني ذكية في اختيارك ولا تأخذيه تحت وطأة مشاعر الغضب والرغبة في الثأر ومحاولة إيلامه كما آلمك.

 

المسار الأول:

 

أن تظلي متمسكة بموقفك، فهو أخطأ في حقك خطأ صريحًا لا شك فيه أفقدك شعورك بالأمان، وبالتالي فأنت لا ترغبين في استمرار حياتك الزوجية معه أو لديك شروط محددة حتى تستطيعي أن تمنحيه فرصة أخرى، ويمكنك أن تضعي ما شئت من شروط كأن تشترطي اعتذاره لك أمام والديك أو تطلبي طلبات مادية مثلاً.. فإذا اخترت الطلاق فاسألي نفسك هل أنت قادرة على تحمل تبعاته ماديًّا ونفسيًّا وعندك خطة للتعامل مع الأبناء بعد الطلاق؟

 

وإذا اخترت أن يعتذر لك علنًا، واشترطت عليه بعض الأمور، فهل تعتقدين أنه سيستجيب لك أم ستنتقل الأمور للطلاق أيضًا وأنت غير مستعدة له؟ ولو أنه استجاب فهل تعتقدين أن ثمة تغيرًا حقيقيًّا قد يحدث في علاقتكما؟

 

المسار الثاني:

 

أن تمارسي لونًا من ألوان ضبط الأعصاب وتحاولي أن تنظري للموضوع من الخارج وتحكمي على سلوكه ورد فعلك.. مطلوب منك الموضوعية فتتأملي حياتكما معًا من وجهة نظره كما هو من وجهة نظرك، فإذا وجدت أن رد فعلك لو تغير فإن سلوكه سيتغير فالكرة تكون في ملعبك إذن.. لا يعني هذا أنك لن تطلبي اعتذاره ولكن ليس على طريقة الشرط وليس على الملأ.

 

القوة الناعمة –غاليتي- قد تحقق أكثر بكثير من الخشونة والحدة والانفعالات.

 

غاليتي، تذكري أن العناد والصوت المرتفع هما من أشد الأمور وطأة على الرجل، وفي هذا المسار الثاني نريد أن نتجنب هذه الأمور حتى لا نستخرج أسوأ ما فيه.. فزوجك ككل البشر فيه الكثير من الصفات الإيجابية والكثير من الصفات السلبية، والمرأة الذكية تستطيع استخراج الصفات الجميلة عن طريق الرقة واللطف والتفهم في التعامل وعن طريق المدح الموجه.

 

حتى في عتابك له يمكنك أن تستخدمي هذا المدح الموجه، فعندما تقولين له إن رجلاً مثلك وفي أخلاقك وفي اهتمامك بمشاعر الناس لم أكن أتوقع أن يفعل كذا وكذا. ولمن؟! لأكثر إنسان يحبك في هذا العالم فستجدين أنه سيستميت لكي يعتذر لك ويصالحك ويتعهد بعدم تكرار ما حدث.. هذا المسار الثاني بحاجة لبذل كثير من الجهد حتى تدربي نفسك على تغيير ردود أفعالك وتمتلكي أدوات القوة الناعمة، فهل أنت مستعدة لذلك؟

 

أسعد الله قلبك، وأصلح حياتك، وتابعيني بأخبارك.

الرابط المختصر :