Consultation Image

الإستشارة 07/04/2025

أنا سيدة أرملة سأبلغ الستين خلال شهور قليلة، لدي ولد وبنت متزوجان ومستقلان بحياتهم.. فوجئت بزميل لي في العمل وصل لسن المعاش العام الماضي، أي أنه يكبرني بعام واحد فقط، توفيت زوجته منذ بضعة شهور يطلب مني الزواج بإلحاح ساخرًا من العمر والتقاليد.

ودار بيننا حوار طويل خلاصته لماذا علينا أن نعيش الوحدة فهو أيضًا قد تزوج أبناؤه، وأنه ما دمنا على قيد الحياة فمن حقنا أن نستمتع بها، والحقيقة أنني اقتنعت بوجهة نظره ولكنني محرجة من مواجهة المجتمع ومحرجة من أولادي فوضعي كامرأة يختلف عنه.. وفي الوقت ذاته أشعر أن حياتي ستكون خاوية جدًّا عندما أصل للمعاش خاصة مع انشغال الأبناء.. فهل ينجح مثل هذا الزواج في خريف العمر؟

الإجابة 07/04/2025

أختي الكريمة، أهلاً وسهلاً ومرحبًا بك على البوابة الإلكترونية للاستشارات.. في البداية أريد أن أتحفظ على مصطلح خريف العمر الذي ختمت به رسالتك؛ فالمسألة نسبية للغاية ولا يمكن تحديدها بالسنوات بل بمستوى الطاقة النفسية الذي تشعرين به ويجعلك تشعرين هل أنت في مرحلة الخريف أم الربيع.

 

نعم يوجد عمر زمني مسجل في أوراق الهوية، ولكن يوجد أيضًا عمر صحي مرتبط بمدى اللياقة البدنية، وهناك أيضا عمر نفسي مرتبط بالطاقة النفسية.

 

سأضرب لك نموذج رجال السياسة في الغرب وقد تجاوزوا السبعين وبعضهم الثمانين لكنهم يمتلكون من الطاقة النفسية ما يجعلهم يخوضون المعارك الانتخابية وتكون لهم أجندة يقاتلون لأجلها.

 

انظري أيضا لرجال الأعمال الذين يخاطرون بدخول مشروعات جديدة في مثل هذه الأعمار، وقارني بين هؤلاء وبين آخرين أسرى الحالة الصحية المتدهورة وانتظار قرب الأبناء المشغولين بحياتهم ولا يتحدثون إلا عن الماضي وحكاياته، وستدركين وقتها ماذا أعنيه بالعمر النفسي الذي نعيشه.

 

الزواج والعمر

 

للأسف نحن في بلادنا لدينا نموذج أو اثنان للزواج يلقون القبول المجتمعي.. الزواج الأول في العشرينات والثلاثينيات مثلا، ثم الزواج الثاني الذي يتم حتى الأربعينيات للنساء والخمسينيات للرجال، ثم يتم غلق بقية الصور والنماذج أو تشويهها والتنفير منها خاصة للنساء حتى ارتبط الأمر بما يشبه العار والوصمة أو الخلل العقلي أو المرض النفسي، وهذا كله ما أنزل الله به من سلطان.

 

فالله سبحانه وتعالى عندما يخفف من بعض شروط الحجاب للنساء المتقدمات في العمر يقول: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (النور: ٦٠)؛ فتخفيف الحجاب عن النساء اللاتي وصلن لمرحلة انقطاع الطمث الذي هو في المتوسط عند سن الخمسين مرتبط بكونهن لم يعدن يفكرن في قضية الزواج، ولا يطمحن إليها، أي أنه وارد جدًّا في مثل هذا العمر أن يفكر النساء في الزواج ويتطلعن إليه.

 

وانظري إلى ثاني زوجات النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد السيدة خديجة.. إنها السيدة سودة بنت زمعة.. أرملة انتهت عدتها وعمرها يتراوح ما بين الـ٥٥ والـ٦٥ وتم الزواج ببساطة دون أن يثير أي علامة صغيرة للاستفهام، لكن في بلادنا المثقلة بالتقاليد نكاد نحرم الحلال فأصبح على من يريد الحلال أن يمتلك من القوة والطاقة النفسية ما يستطيع به مواجهة المجتمع بتقاليده وأعرافه وأحكامه.

 

قرارك الشخصي

 

هل يعني ما سبق وذكرته لك عن العمر النفسي للإنسان وحاجات الإنسان الفطرية التي يقف لها المجتمع متمترسًا بتقاليده وأعرافه بالمرصاد أنني أشجعك على القبول بهذا الزواج.. لا -يا غاليتي- فهذا القرار هو قرارك الشخصي تمامًا الذي ينبغي عليك أن تحسبي مميزاته وعيوبه بالنسبة لك.

 

فقط هناك إشارات أريد أن ألفت انتباهك إليها:

 

* يبدو لي من رسالتك أنك مقتنعة بفكرة الزواج أو على وجه الدقة تم إقناعك بها من خلال هذا الزميل المتقدم إليك، وأريدك أن تسألي نفسك بصدق هل أنت حقًّا تريدين الزواج أم أنك فقط تريدين الزواج لأنك خائفة من الوحدة بعد أن تصلي لسن المعاش؟ حيث إن هناك وسائل كثيرة يمكنك بها مواجهة الوحدة غير الزواج كالانخراط في العمل العام والخيري والسفر والسياحة وممارسة الهوايات التي حرمك منها العمل المأجور ونحو ذلك.

 

* الزواج بالتأكيد سيقضي على مشاعر الوحدة وما تحمله من كآبة وسيحقق لك كثيرًا من الأنس (طبعًا في حالة كونه زواجًا صحيًّا)، ولكن أيضًا ستترتب عليه كثير من المسئوليات التي ربما تكونين قد تخففت منها فعليك أن تنتبهي لذلك.

 

* يبدو لي من كلامك أن زميلك هذا عمره مناسب.. شخصيته قوية.. لديه قدرة على الإقناع.. ظروفه تشبهك.. متمسك بك.. لكن خذي وقتك في اكتشاف باقي أبعاد الشخصية، فعلى الرغم من كونه زميلاً لك فإنه غالبًا لا تعرفين الكثير عنه وعن ظروفه.

 

* ليس من حق أبنائك الاعتراض فهذا حقك الشرعي ولكل منهما حياته الخاصة، ولكن قد يحدث لون من ألوان الفتور في العلاقات.. قد يقبلون نعم ولكن شيئًا بينك وبينهم يكون قد ذبل أو تراجع؛ فعليك أن تكوني مطمئنة لقرارك ومستعدة لكافة السيناريوهات.. وقد يكون أبناؤك من الوعي الذي يجعلهم يباركون هذه الخطوة طالما ستجعلك سعيدة وتخفف عنك بعض مشاعر الوحدة.

 

* أيضا أولاده هو الآخر لا بد من وضع قبولهم من عدمه في خارطة حياتك المستقبلية. فكري في هذه النقاط كلها ثم صلي صلاة الاستخارة وخذي قرارك.. أسعد الله قلبك ورزقك السعادة وتابعيني بأخبارك دائمًا.

الرابط المختصر :