Consultation Image

الإستشارة 10/05/2025

أنا مسلمة أشتاق كغيري من المسلمين والمسلمات إلى زيارة بيت الله الحرام، لكن غلاء الأسعار وتعسَّـر الأمور حال بيني وبين تحقيق هذه الأمنية الغالية. فهل يضيع شوقي؟ وهل يمكنني نيل ثواب الحجاج وإن لم أكن معهم في المشاعر؟ وهل هناك بديل تطمئن به نفسـي ويهدأ به قلبي؟ أرجو بيانًا شافيًا يرد على قلبي الحزين، ويثبت قلبي على الطاعة.

الإجابة 10/05/2025

الحمد لله الواسع الرزق، القريب من عباده، العليم بنياتهم، الرحيم بحالهم، والصلاة والسلام على النبي ﷺ الذي قال: "إنما الأعمال بالنيات"، فرفع أهل العزم والصدق ولو لم يتحركوا من أماكنهم… وبعد:

 

فمرحبا بك أختي المؤمنة الكريمة، يا من اشتد بها الشوق وزاد بها الحنين إلى بيت الله الحرام:

 

اعلمي يقينًا أن رب البيت ليس محصورًا في البيت، وأن رب مكة يراكِ في مكانك، ويسمع دُعاء قلبكِ، ويعلم صدقكِ وشوقكِ، ويثيبكِ على نيتكِ ولو لم تقدمي خطوةً واحدة نحوه. وإليك الآتي:

 

أولًا: هل تُحرم المشتاقة من الأجر؟

 

أبدًا، بل قد تُدرك أجر الحجاج بنيتها وصدقها.  قال النبي ﷺ: "إنما الدنيا لأربعة نفر..." وذكر منهم: "رجل آتاه الله علمًا ولم يؤته مالًا، فهو يقول: لو أن لي مالًا لعملت بعمل فلان، فهو بنيته، فأجرهما سواء" (رواه الترمذي وصححه).

 

فكم من امرأة صادقة، فقيرة، باكية، قلبها في مكة... هي عند الله من أعظم الحجاج أجرًا!

 

ثانيًا: كيف أكون من حجاج القلوب وإن لم أكن من حجاج الأجساد؟

 

1) بالنية الصادقة والرجاء الدائم: أعلني لربك دائمًا نيتك: "يا رب، لو كان لي سعة لزرت بيتك، فاجعلني من المقبولين وإن كنت في بيتي"، وهذه النية تُرفع في صحائفك كأعمال واقعة عند الكريم الذي لا يضيع أجر العاملين.

 

2) بالأعمال الصالحة التي توازي الحج في الأجر: مثل برّ الوالدين، والصلاة في الجماعة، والذكر بعد الصلاة، قال ﷺ: "من صلى الغداة (أي الفجر) في جماعة، ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين، كانت له كأجر حجة وعمرة تامة، تامة، تامة" (رواه الترمذي). والعمرة في رمضان، فإن استطعت أداء العمرة في رمضان، فلا تتأخري، وكذا قضاء حوائج الناس، والإصلاح بين المتخاصمين، والصدقة الخفية، وصيام الأيام الفاضلة، كلها أعمال تعادل أو تقارب ثواب الحج.

 

ثالثًا: طمأنينة القلب المشتاق:

 

* القلوب المؤمنة لا يحرمها الله من القرب، وإن حال بين أجسادها وبينه المسافات.

 

* ربك ليس محصورًا في مكة، لكنه جعل الحج بابًا، وفتح أبوابًا أخرى لأهل العذر.

 

* وكم من حاجّ زار البيت بجسده فقط، وقلبه غافل، وكم من مشتاق لم تطأ قدمه الحرم، لكنه قام الليل وبكى، فسُطّر اسمه مع الحجاج المقبولين.

 

رابعًا: وصايا للمشتاقات إلى البيت الحرام:

 

1) لا تجعلي الحسرة تقطعك عن الطاعة، بل اجعليها وقودًا للمزيد.

 

2) شاركي الحجاج بدعائك لهم، وتذكير الناس بفضل هذه الأيام.

 

3) عيشـي أجواء الحج بقلبك: افترشي الأرض في بيتك ليلة عرفة، وارفعي يديك، وابكي كما تبكي الحجيج.

 

4) أحيي العشر الأوائل من ذي الحجة بالصيام، والذكر، والقرآن، والصدقة.

 

5) أكثري من التلبية في خلواتك؛ فالله يسمعك ولو لم يسمعك الناس: "لبيك اللهم لبيك...".

 

خامسًا: أنتِ في ضيافة الله ولو لم تزوري بيته

 

الحج ليس فقط عبادة مكان، بل هو قصد وتعظيم وخضوع. والله تعالى قال في الحديث القدسي: "وما تقرّب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه…" (رواه البخاري). فإذا أديتِ فرائضك، وصدق قلبك في التوجه، فربك يعلم أنك من أهل القرب، ولو كنتِ في أطراف الأرض.

 

طمئني قلبكِ يا أختاه،

 

فالله أكرم من أن يُضيع قلبًا طرق بابه، ولو بدمعة، أو آهة، أو تنهيدة شوق. وإن تعذر الحج هذا العام، فالدنيا دار عمل، وكل عام فرصة، وربك لا يُغلق أبوابه عن المخلصين الصادقين.

الرابط المختصر :