Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. فتحي عبد الستار
  • القسم : تربوية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 86
  • رقم الاستشارة : 1440
26/03/2025

أنا أب لطفلين، من سوريا، بنتي الكبيرة عمرها 9 سنين، وابني الصغير عمره 7 سنين. بحاول دايمًا أغرس في قلوبهم الإيمان وحب الله، وبدي علمهم عن اليوم الآخر، والجنة والنار، بس خايف إنو هالشي يسبب لهم خوف أو قلق بدل ما يكون دافع لهم يعملوا الخير بحب وأمل.

كيف فيني وصل لهم هالمفاهيم بطريقة إيجابية، تخليهم يستوعبوها براحة، ويحبوا الطاعة برغبة وفرح مو بخوف وتوتر؟

وإذا في طرق عملية أو قصص مناسبة تساعدني بهالموضوع، يا ريت تدلوني عليها.

الإجابة 26/03/2025

أخي الكريم، أهلًا وسهلًا بك، ونشكرك على طرح هذا السؤال المهم، والذي يدل على وعيك وحرصك على تربية أبنائك تربية إيمانية صحيحة. فلا شك أن غرس الإيمان وحب الله في قلوب الأطفال هو من أعظم مسؤوليات الوالدين، وهو الأساس الذي يبني عليه الطفل علاقته مع الله ومع الحياة من حوله.

 

أسأل الله أن يبارك في أبنائك، ويجعلهم قرة عين لك في الدنيا والآخرة، ويعينك على تربيتهم بما يرضيه، وأن يرزقك الحكمة في غرس هذه المعاني في قلوبهم بمحبة وأمل، لا بخوف وقلق، وبعد...

 

فالطفولة هي مرحلة تكوين المفاهيم الأساسية في حياة الإنسان، وهي الفترة التي تُرسم فيها صورة الله في عقل الطفل، لذلك من الضروري أن يكون التعريف بالله واليوم الآخر متوازنًا بين الرجاء والخوف، بحيث يشعر الطفل بالأمان في قربه من الله، لا بالرعب والاضطراب.

 

قد يظن البعض أن الحديث عن النار ضروري لدفع الأطفال للطاعة، ولكن الحقيقة أن الأطفال أكثر تأثرًا بالحب والتشجيع، وأن طريقة عرض هذه المفاهيم هي التي تحدد أثرها في نفسهم. فكما أن البستاني يروي البذرة بلطف حتى تنمو، فإن زرع الإيمان يحتاج إلى رعاية وصبر ولغة تناسب عقلية الطفل.

 

كيف نغرس الإيمان وحب الله في قلوب الأطفال؟

 

1- تعريف الأطفال بالله:

 

أول وأهم خطوة أن نقدم الله للأطفال مصدرًا للحب والرحمة، وليس -فقط- إلهًا يعاقب المسيئين. فالطفل يحتاج إلى أن يشعر بالأمان والطمأنينة في قربه من الله، قبل أن يتعلم عن الحساب والعقاب، وننصحك في هذا الصدد بالآتي:

 

- اجعل حديثك عن الله دائمًا مليئًا بالحب:

 

«الله الذي خلقك، هو يحبك أكثر من أي شخص آخر، وهو يعتني بك في كل لحظة».

 

- استخدم أمثلة من حياتهم اليومية:

 

«عندما تأكل طعامًا لذيذًا، تذكر أن الله هو الذي رزقك به لأنه يحبك».

 

«عندما تشعر بالأمان في حضن والدتك، تذكر أن الله أرحم بك منها».

 

- استشهد بآيات تظهر رحمة الله الواسعة: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [الأعراف: 156].

﴿إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ﴾ [هود: 90].

 

بهذه الطريقة، يرتبط اسم الله عند الطفل بالحب والأمان، فينشأ على حب الطاعة من منطلق المحبة، لا الخوف.

 

2- الحديث عن الجنة بطريقة محببة ومشوقة:

 

الجنة هي أعظم ما يمكن أن يُشجِّع الطفل على العمل الصالح؛ لكن من المهم أن نجعل الحديث عنها نابضًا بالحياة، مليئًا بالمسرَّات.

 

- اسأل أطفالك: «ما الشيء الذي تحبونه وتتمنون أن يكون عندكم بلا نهاية؟»، ثم أخبرهم أن في الجنة ما هو أعظم منه، كما قال النبي ﷺ: «في الجنةِ ما لا عينٌ رأتْ، ولا أذنٌ سمعتْ، ولا خطرَ على قلبِ بشرٍ» [رواه البخاري].

 

- اذكر بعض أوصاف الجنة التي تجذب الأطفال: «في الجنة، يمكنك أن تطير، وتلعب، وتأكل أي شيء تريده، وستجد ألعابًا لا تنتهي!». «في الجنة، يمكنك أن تطلب قصرًا من ذهب، أو بحيرة من الشوكولاتة، وسيكون كل شيء أجمل مما تتخيل!».

 

- اربط الأعمال الصالحة بالجنة بطريقة عملية:

 

«كل مرة تقول (سبحان الله)، يُبنى لك قصر في الجنة!».

 

«عندما تساعد أختك أو أمك، الله يفرح بك ويعطيك مكانًا أجمل في الجنة!».

 

بهذا الأسلوب، يصبح الطفل متحمسًا للأعمال الصالحة، ليس خوفًا من العقاب، بل شوقًا إلى النعيم.

 

3- تقديم اليوم الآخر برؤية إيجابية:

 

بدلًا من تصويره كموقف مرعب، يمكن أن يُعرض على أنه يوم جميل ينتظرنا، يوم سنلتقي فيه بكل من نحب، ونرى الله الذي أحبنا وأحببناه.

 

- أخبرهم أن القيامة يوم عظيم، لكنه ليس يومًا مخيفًا لمن يحب الله، بل هو يوم نفرح فيه بلقاء الله، ونجتمع مع النبي ﷺ، ونلتقي بأحبابنا الذين سبقونا.

 

- استخدم قصصًا إيجابية: مثل: «هناك طفل كان يفعل الخير دائمًا، وعندما جاء يوم القيامة، وجد أن أعماله الصالحة صارت نورًا يضيء طريقه إلى الجنة!».

 

- استشهد بآيات تبث الطمأنينة: مثل: ﴿يَوْمَ لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ﴾ [الأنبياء: 103].

 

4- الحديث عن النار دون ترهيب مفرط

 

يجب أن نتحدث عن النار بطريقة متوازنة، بحيث لا تسبب الذعر أو القلق للأطفال؛ بل تجعلهم يفهمون أنها شيء سيئ يجب تجنبه.

 

- استخدم تشبيهات بسيطة: كأن تقول: «النار مثل شيء حار جدًّا لا نريد الاقتراب منه، والله لا يريد لنا الأذى، لذلك أعطانا طريقًا نبتعد به عنها».

 

- أكِّد لهم أن النار ليست للأطفال أو لمن يحب الله، بل لمن يفعل الشر ويصر عليه.

 

- اربط بين التوبة والرحمة: كأن تقول: «إذا أخطأت، يكفي أن تقول: يا الله سامحني، وسيفرح الله بعودتك إليه!».

 

- استشهد بآيات الرحمة والمغفرة: مثل: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ﴾ [الزمر: 53].

 

5- التربية بالقصة:

 

القصص من أقوى وسائل تعليم الأطفال؛ سواء كانت من القرآن، أو من السُّنة النبوية، أو من حياة الصحابة والصالحين، وغيرها من القصص النافعة، وهناك عشرات من الكتب المطبوعة التي يمكن أن تفيدك في ذلك، أو بالبحث على الإنترنت.

 

6- التربية بالقدوة:

 

أطفالك يتعلمون مما يرونه منك ومن سلوكك التلقائي أكثر مما يسمعونه، فحين يرونك سعيدًا بالصلاة، ومطمئنًا بذكر الله، ومقبلًا على الطاعات، فإنهم سيحبون كل ذلك.

 

وختامًا -أخي العزيز- فإن ما تقوم به هو غرس إيماني عظيم تبذره في قلوب أطفالك، وسيثمر بإذن الله يومًا بعد يوم. لا تقلق إذا لم يستوعبوا كل شيء بسرعة، فالمهم أن يشعروا بالأمان مع الله، وأن ينشؤوا على محبته والرجاء في رحمته.

 

أسأل الله أن يبارك في أبنائك، ويجعلهم من الصالحين، وأن يجعلك سببًا في سعادتهم في الدنيا والآخرة.

الرابط المختصر :