الإستشارة - المستشار : أ. فتحي عبد الستار
- القسم : إيمانية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
112 - رقم الاستشارة : 1747
26/04/2025
أنا شاب ملتزم، بس حاسس إن علاقتي بربنا قايمة أكتر على الخوف من عقابه، ونفسي بجد أحبه حب صادق يكون هو الدافع لكل حاجة في حياتي.
إزاي أقدر أوصل للمحبة دي وأخليها أقوى من الخوف؟
إيه الخطوات العملية اللي ممكن أعملها عشان قلبي يحب ربنا بجد؟
أهلاً بك أخي الكريم، وأسأل الله أن يرزق قلبك حبًّا خالصًا له، وأن يجعل حبَّه أكبر دافع لك في الحياة، وأن يقر عينك بالقرب منه في الدنيا والآخرة. ثبتك الله على طريقه، وأعانك على طاعته، وملأ قلبك نورًا وسرورًا، وبعد...
فإن الاشتياق إلى محبة الله هو أسمى مراتب الإيمان، وهو النور الذي تستنير به البصيرة وتطمئن به الروح. إنها تلك المنزلة التي يصبح فيها ذِكر الله عذبًا على اللسان، والقرب منه سلوى للوجدان، والطاعة له لذة لا تضاهيها لذة. وكيف لا يكون ذلك وهو -سبحانه وتعالى- مصدر كل جمال وكمال وجلال! ﴿وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ۖ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ﴾ [النحل: 53].
إن الوصول إلى هذه المحبة الربانية ليس بالأمر الهين، ولكنه ليس بالمستحيل على من صدق في طلبه وسعى إليه بقلبٍ خاشعٍ وروحٍ منيبة.
وإليك بعض الخطوات العملية التي أسأل الله أن ينفعك بها في رحلتك المباركة نحو محبة الله:
التعرف على الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى:
يا أخي، كيف لنا أن نحب من لا نعرف؟ إن أول طريق المحبة هو المعرفة. فتفكَّر في أسماء الله الحسنى، في رحمته التي وسعت كل شيء، في لطفه الخفي، في عدله الذي لا يظلم مثقال ذرة، في كرمه الذي يغدق بلا حساب.
تدبر في صفاته العلى، في قوته وعزته وجبروته، وفي حكمته وعلمه الذي أحاط بكل شيء. فكلما ازددت معرفةً بالله ازداد قلبك له خشيةً وإجلالًا، ثم تحول هذا الإجلال إلى حبٍّ وشوقٍ إليه.
تأمل قوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا ۖ وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ ۚ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأعراف: 180]. وعندما تستشعر عظمة الله من خلال أسمائه وصفاته، سيُزهر في قلبك حبٌّ فطريٌ للخالق العظيم.
تدبر القرآن الكريم:
إن كلام الله هو النور الذي يضيء دروبنا، والشفاء الذي يبلسم جراح قلوبنا، والهدى الذي يقودنا إلى رضوانه. فاقرأ القرآن بتدبرٍ وتفكرٍ، واستشعر عظمة الآيات، وتأمل في قصص الأنبياء والمرسلين، وفي وعد الله للمؤمنين ووعيده للكافرين. إن كل آية تحمل في طياتها رسالة حبٍّ وعنايةٍ من الله إليك.
قال تعالى: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ۚ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾ [محمد: 24]. فعندما تفتح قلبك لكلام الله، ستجد فيه من العظمة والجلال والجمال ما يأسر فؤادك ويملؤه حبًّا لخالقه.
الإكثار من ذكر الله:
إن الذِّكر هو غذاء الروح وريحانة القلب. فأكثِر من ذكر الله في كل أحوالك، قائمًا وقاعدًا وعلى جنبك. سبِّح الله، واحمده، وهلِّله، واستغفره. اجعل لسانك رطبًا بذكر الله، وقلبك عامرًا بمحبته.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ألا أنبئكم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والورق، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟» قالوا: بلى يا رسول الله. قال: «ذكر الله تعالى» [رواه الترمذي وابن ماجة وأحمد]. فكلما أكثرت من ذكر الله، قويت الصلة بينك وبين خالقك، وازداد حبك له.
التقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض:
إن الفرائض هي أساس الدين، ولكنَّ النوافل هي الزيادة التي تدل على صدق المحبة والشوق إلى القرب. أكثر من الصلاة تطوعًا، ومن صيام النوافل، ومن الصدقة ابتغاء وجه الله، ومن قراءة القرآن بتدبر. هذه الأعمال الصالحة هي بمثابة رسائل حبٍّ منك إلى الله، فيجيبك عليها بفيض من رحمته ورضوانه.
في الحديث القدسي يقول الله تعالى: «وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيء أحب إليَّ مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه» [رواه البخاري]. تأمل يا أخي في هذا الحديث العظيم! إن النوافل هي طريقك إلى محبة الله الخاصة وولايته.
التأمل في نعم الله:
يا صاحب القلب الحي، انظر حولك وتفكر في نعم الله التي لا تحصى: نعمة البصر، والسمع، والصحة، والعافية، والرزق، والأمن، والأهل، والأصحاب. كل نعمة من هذه النعم هي دليل على رحمة الله وكرمه وعنايته بك. كيف لا يحب القلب من أغدق عليه كل هذه النعم؟
قال تعالى: ﴿وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [النحل: 18]. عندما تستشعر هذه النعم وتشكر الله عليها، فإن ذلك يورث في قلبك حبًّا عميقًا له.
الدعاء والتضرع:
إن الدعاء هو سلاح المؤمن، وهو الصلة المباشرة بين العبد وربه. فتضرَّع إلى الله بقلبٍ خاشعٍ ولسانٍ صادق، واسأله أن يرزقك حبه وحب من يحبه. لا تيأس من الدعاء، فإن الله قريبٌ مجيب.
قال تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ [البقرة: 186]. فألِحَّ في الدعاء، وابكِ بين يدي الله، واسأله بصدق أن يملأ قلبك بحبه.
مصاحبة الصالحين:
إن الصاحب ساحب. فابحث عن صحبة الأخيار الذين يذكِّرونك بالله ويزيدونك حبًّا له. استمع إلى حديثهم، واقتدِ بهديهم، واستفد من علمهم. فإن القلوب تميل إلى من تحب، والصحبة الصالحة تعين على طاعة الله ومحبته.
يقول الله عز وجل: ﴿واصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ والْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وجْهَهُ ولا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا ولا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا واتَّبَعَ هَوَاهُ وكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ [الكهف: 28]. وقال ﷺ: «الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَليلِه؛ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخالِلْ» [رواه أبو داود].
مجاهدة النفس:
إن النفس أمَّارة بالسوء، وقد تدعوك إلى الغفلة والبعد عن الله. فجاهد نفسك على طاعة الله، وألزمها بذِكره وشكره وحسن عبادته. قاوم الشهوات المحرمة، وتجنب المعاصي والذنوب، فإنها تحجب القلب عن نور محبة الله.
قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [العنكبوت: 69]. فكلما جاهدت نفسك لله، فتح الله لك أبوابًا من فضله ورحمته وحبه.
وختامًا أخي الحبيب، تذكر دائمًا أن محبة الله هي منحةٌ من الله يمنحها لمن يشاء من عباده الصادقين. فاجتهد في الأسباب، وألِحّ في الدعاء، وعلِّق قلبك بالله وحده، فإنه -سبحانه وتعالى- قريبٌ مجيبٌ رحيم. وتابعنا بأخبارك.