الإستشارة - المستشار : أ. فتحي عبد الستار
- القسم : إيمانية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
57 - رقم الاستشارة : 1751
28/04/2025
أنا شاب بشتغل شغل مكتبي، وحياتي بشكل عام ماشية بين الشغل، وضغط المسؤوليات، ومحاولة التوفيق بين كل شي. بالفترة الأخيرة بلّشت التزم أكتر بالصلاة وقراءة القرآن، وعم حاول قرّب من رب العالمين، بس مع هيك، بحس قلبي لسه مانو مليان بالإيمان متل ما بتمنّى، وكأنو العبادة عندي صارت روتين، مو شعور حقيقي عايشه.
بحب سيرة النبي محمد ﷺ، وكتير بسمع عنها وبقرا، بس الصراحة بحسها بتمر عليي متل حكايات حلوة، بحترمها وبقدّرها، بس ما عم تترك أثر داخلي يغيّرني أو يخليني حس فعلاً إنو هاد النبي هو قدوتي بالحياة. أنا حابب يكون الرسول ﷺ جزء من يومي، من قراراتي، من تصرفاتي. حابب حس بقربه، حس إنو عم يعلّمني كيف أعيش، مو بس أسمع عنه قصص ويمرقوا.
كيف فيني خلّي سيرته تلهمني فعليًا وتكون نور بطرقي بهالعالم اللي مليان فوضى وضغط وفتن؟
شو بتنصحوني؟ كيف بقدر حب النبي ﷺ بصدق، وأعيش على هالأساس؟
مرحبًا بك أخي العزيز، وأشكرك من القلب على مراسلتك لنا، وعلى ثقتك التي منحتنا إياها بسؤالك، وأسأل الله أن يفتح الله لك أبواب القرب منه، ويملأ قلبك بنور الإيمان، ويجعل حب نبيه الكريم ﷺ متغلغلًا في أعماقك، دافعًا لك في كل خطوة، وملاذًا في كل ضيق، وأمانًا في وجه كل فوضى، وبعد...
فالحمد لله الذي أيقظ فيك هذه الأمنية النبيلة، فهي والله من أعظم الأرزاق.
لماذا لا نشعر بعمق الإيمان رغم التزامنا الظاهري؟
من أعظم ما قد يُبتلى به الإنسان المؤمن في بدايات طريقه، أن يشعر بأن الطاعات أصبحت «روتينًا» لا روح فيه، وكأن الإيمان تأخر في الوصول إلى القلب، رغم السعي والتقرب.
وهذا شعور مرَّت به أفئدة الصحابة أنفسهم، وكانوا يسألون عنه، كما جاء في الحديث عن حنظلة، حين قال لأبي بكر، رضي الله عنهما: «نافق حنظلة!» قال له: وما ذاك؟ قال: «نكون عند رسول الله ﷺ، يذكرنا بالجنة والنار كأنّا رأيُ عين، فإذا خرجنا من عنده، عافسنا الأزواج والأولاد، فنسينا كثيرًا»، فقال أبو بكر: «والله إنا لنلقى مثل هذا»، فذهبا إلى رسول الله ﷺ، فقال لهم: «والذي نفسي بيده، لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر، لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم، ولكن ساعة وساعة» [رواه مسلم].
فالذي يُرضي الله -جل جلاله- ليس أن نتخلى عن بشريتنا، ونعيش في قمة المشاعر دائمًا؛ بل أن نظل نطرق بابه، وألَّا نملَّ من العودة إليه، وأن نصبر على الطريق حتى لو تأخر الشعور.
قال تعالى: ﴿والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين﴾ [العنكبوت: 69]. لاحظ لفظ «جاهدوا»؛ أي بذلوا الجهد، وثبتوا، وصبروا على فتور النفس، ومَلل الروح، وتقلُّب الحال. ومن هذا الجهاد، يُفتح باب الهداية والنور.
كيف ننتقل من معرفة النبي ﷺ إلى محبته الصادقة؟
أنت تقول إنك تقرأ عن النبي ﷺ وتسمع عنه كثيرًا، وتحترمه؛ لكنك تتمنى أن تشعر بأنه «جزء منك»، أن تلحظ أثره، أن تحبَّه حبًّا يغيرك...
وهذا، أخي، أعظم مطلب! فالله -سبحانه- لم يطلب منا فقط أن نؤمن بالنبي ﷺ؛ بل أمرنا بمحبته؛ بل بجعل هذه المحبة أعظم من كل شيء: قال رسول الله ﷺ: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين» [متفق عليه]. وهذا يعني أن الإيمان لا يكتمل إلا بمحبة واعية، صادقة، نابضة بالحياة.
لكن كيف تنمو هذه المحبة؟
1- أعد النظر في الطريقة التي تسمع بها عن النبي ﷺ:
كثير من القصص التي تُروى لنا عن النبي ﷺ تُقدَّم بأسلوب تاريخي جامد، وكذلك معظم كتب السيرة -مع الأسف- تناولت السيرة بهذا الشكل، فأرَّخوا لحياته ﷺ وكأنها سلسلة من الغزوات! لكن النبي ﷺ شخصية شاملة، إنسان كامل، ومصلح ملهم، وأب حنون، وزوج صالح، كما أنه قائد محنك، وراعٍ منصف، الخلاصة إنه الرحمة المهداة.
إن شعرت بهذا، فستبدأ القصص تتحول إلى صور حيَّة، وستشعر أنك لا تقرأ مجرد سيرة؛ بل تعيش مع إنسان تحبه ويحبك.
2- تأمل شمائله:
اقرأ عن تواضعه، حين كان يرقع ثوبه ويخصف نعله، عن رحمته حين أسرع في الصلاة لأجل طفلٍ يبكي، عن عطفه حين جاءه أعرابي فبال في المسجد، فغضب الصحابة، أما هو فقال: «دعوه، وأريقوا على بوله دلوًا من ماء» [رواه البخاري]، ثم قال: «إنما بُعثتم ميسِّرين، ولم تُبعثوا معسِّرين».
كيف أجعل النبي ﷺ رفيقي في يومي؟
هذا من أسمى ما تطلبه القلوب، ولأجله، إليك بعض الوسائل العملية:
1- صلِّ عليه كثيرًا:
الصلاة على النبي ﷺ ليست فقط دعاء، بل هي طريق للقرب منه في الآخرة، قال ﷺ: «أقربكم مني مجلسًا يوم القيامة، أكثرُكم عليّ صلاة» [رواه الترمذي].
2- اجعله قائدك وملهمك:
حين تريد أن تتخذ قرارًا، أو تتبنى موقفًا، اسأل نفسك: هل كان النبي ﷺ سيفعل هذا؟
إن دخلتَ في نقاشٍ وجدال، تذكر حلمه، إن رأيت من يؤذيك تذكَّر عفوه. إن وجدت فقيرًا تذكَّر سخاءه.
3- اقرأ سيرته بقلبك:
خصص وقتًا لقراءة سيرته من مصادر متعددة، وتأمل في مواقفه وتوجيهاته وسننه، ودوِّن خواطرك، واسأل نفسك: ما الذي يعلِّمني إياه هذا الموقف؟ وكيف أُطبِّقه؟ وبهذا ستتحول سيرته العطرة إلى دليل لك في الحياة.
وختامًا أخي الحبيب، ادعُ الله تعالى: ارزقني حب نبيك، واجعل له في قلبي نورًا، وفي حياتي أثرًا، وفي سلوكي قدوةً. والله لا يُخيِّب من أقبل عليه صادقًا.
أسأل الله أن يُرزقك صدق المحبة، ودوام القرب، وأن يجعل قلبك عامرًا بحب نبيه ﷺ، حتى تلقاه وهو عنك راضٍ. وتابعنا بأخبارك.