الإستشارة - المستشار : أ. مصطفى عاشور
- القسم : فكرية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
87 - رقم الاستشارة : 1691
20/04/2025
يلاحظ في الفترة الأخيرة زيادة مظاهر التخنث من الشباب والمشاهير.. فهل هناك أفكار تقف وراء التخنث ترتبط بالعولمة؟
يقول الفيلسوف "مونتسكيو" في كتاب عن تاريخ الرومان، الذي ناقش فيه أسباب تحلل تلك الإمبراطورية العظيمة إن "العقيدة الدينية تحمي الأخلاق في كل الأوضاع"، مشيرًا إلى ملمح مهم عندما نمت الثروة في أيدي الرومان، الذين كانوا يتميزون بالقوة والحمية العسكرية، فعندها أخذت الثروة والترف يدعوان إلى الرذائل، فيقول: "ومن فسدت أخلاقه وهو غني، زاد فساده عندما يصبح فقيرًا، ومن ملك ثورة ملوكية لا يتصرف تلقائيًّا كمواطن صالح، فإن ضاعت منه، أباح لنفسه كل اعتداء وتطاول".
لـــــــكن هذا الانحراف الكبير لم يؤد إلى اضمحلال روما، ولكن بقيت بها قوة وعنفوان، ويعلل مونتسكيو السبب بقوله إنه "رغم هذا الانحطاط في الأخلاق، لم تصل روما إلى الحضيض، بسبب نظامها القوي الذي أورثها شهامة بطولية، رغم نعومة العيش، والجري وراء كل الملذات، حافظ الرومان على بسالتهم وإتقانهم لصناعة الحرب".
ومــــن هــــــــنا فإن الاحتفاظ بالرجولة والبسالة يطيل عمر الأمة، ويؤجل فناءها، ويمنحها الفرصة على النهوض مرة أخرى، أما الميوعة والتخنث وفقدن الرجولة فإنه يعجل بالفناء والنهاية.
والحقيقة أن ظاهرة التخنث تتمدد في المجتمعات العالمية، وإن كانت في المجتمعات العربية والإسلامية أكثر فجاجة، وإن لم تكن أكثر عددًا، حيث تنتشر ظاهرة الشباب المتخنثين، الذين يرتدون أزياء النساء ويتحدثون بنفس طريقتهن، وعندما يتكلم أو يمشي يُخيل إليك أنه أنثى وليس ذكرًا، وإن كانت العلامات البيولولوجية ما زالت ظاهرة وموجودة لم يتخلص منها بعد.
وفي اللغة يقال خنث الرجل إذا كان فيه لين وتكسر، فيكون على صورة الرجال وأحوال النساء، وقيل إذا تشابه كلام الرجل بكلام النساء لينًا، وقيل المخنث هو الذي يتزيى بزي النساء ويتشبه بهن في تليين الكلام.
ومن مظاهر التخنث عند الرجال: ارتداء ملابس ضيقة ومثيرة تتشبه بالنساء، واستخدام مساحيق التجميل، والتغيير في الهيئة من حلق الحواجب، وارتداء القلائد خاصة الذهبية في الرقبة والأذن، والميوعة والتكسر في الكلام.
تشير دراسات طبية إلى أنه منذ مطلع السبعينيات من القرن الماضي إلى أن "التستوستيرون" هرمون الذكورة في تراجع مستمر، لأسباب متعددة منها التغذية والتنشئة، وعلى الطرف المقابل أصبحت الفتيات أكثر ذكورة في ملابسها وهيئتها وجرأتها، وتقف وراء ذلك أسباب كثيرة كالتغذية والتنشئة، والتعليم، لكن الأخطر هو اقتحام المرأة لمجالات العمل، حيث تشير الإحصاءات إلى أن أكثر من 55% من النساء عالميًّا هن من القوى العاملة، فهذا الاقتحام الكبير لمجالات العمل فرض على الكثير منهن أن يغيرن في طبيعتهن ويملن إلى الخشونة واستدعاء قيم وسلوكيات الذكورة لمواجهة الحياة وقسوتها ومشكلاتها.
لكن المشكل الأكبر في السنوات الأخيرة هو أن وسائل الإعلام تروج للتخنث، وتحول هؤلاء المخنثين إلى نجوم مجتمعية، أو حتى شهداء لحرية الرأي، ويتم حمايتهم والدفع بهم لصدارة المجتمع، لخلق نوع من التطبيع بين التخنث وبين القيم المجتمعية الحديثة.
والتخنث يعيد تعريف الإنسان ليأتي في ضوء رغباته الاقتصادية والجسدية -كما يؤكد الدكتور المسيري- على اعتبار أن هذا الانسان كائن متحد بالسلعة، باحث أزلي عن المتعة والمنفعة، لا يكتسب هويته من انتمائه الوطني أو مواقفه الأخلاقية وإنما من نمطه الاستهلاكي"، فما تصبو إليه عولمة التخنث هو التطبيع مع الفوضى الجنسية، واستبعاد ما هو أخلاقي من دائرة العلاقات الإنسانية.
تشير الدراسات النفسية والاجتماعية إلى أن الرجل المفرط الأنوثة "المخنث" غير مقبول من النساء اللاتي أصبحن أكثر خشونة، وأنهن لم يعد ينظرن إلى ذلك المخنث نظرة احترام، ولا يتوقعن أن يجدن منه الحماية أو الأمان، وأن المرأة تنظر إلى هذا المخنث أنه لن يستطيع أن يتخذ القرار الصحيح في الموقف المضطرب، ولذا فتجد المرأة أن الأفضل لها الطلاق؛ لأنها ترى أن طبيعة هذا المخنث تتشابه مع طبيعتها، وحسب قانون الفيزياء، فالأقطاب المتشابهة متنافرة.
نشير هنا إلى مسألة مهمة ناقشها الفيلسوف البولندي "زيجمونت باومان" في كتابه "الحب السائل"، وهو غياب الهوية الجنسية، وتأثير وسائل التواصل الاجتماعي في ذلك الاتجاه، فقد أصبحت الخيارات المطروحة أمام الشخص كلها على الشاشة، تبدأ بضغطة زر، وتنتهي بضغطة مشابهة، وأصبحت طاقة النوع البشري (ذكورة أو أنوثة) تتفاعل أكثر مع الشاشة وليس مع الواقع.
ومن هنا أصبحت الذكورة تميل للتعبير عن نفسها في ذلك العالم الافتراضي بصورة تحقق الانتشار حتى ولو كان بالتخنث والميوعة وإهدار خشونة الذكورة وجاذبيتها الفطرية، يقول صادق الرافعي: "ومن اضطُر إلى الكفر استطاع أن يخبئ محراب المسجد في أعماقه، ولكن الفجور لا يترك في النفس موضعًا لدين ولا إيمان"، وهكذا التخنث الذي هو توأم الفجور لا يترك للرجولة أثرا ولا رسمًا في حياة أهل التخنث.