Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. فتحي عبد الستار
  • القسم : إيمانية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 138
  • رقم الاستشارة : 1408
23/03/2025

أنا امرأة مؤمنة وأحاول قدر استطاعتي أن أعيش في طاعة الله وأتمسك بديني، لكن هناك مسألة تؤرقني كثيرًا وتسبب لي حيرة.

أحيانًا عندما أشاهد أو أسمع عن المآسي التي تحدث في العالم، كالمظالم الكبيرة، والحروب، والمعاناة التي يمر بها الأبرياء، أشعر بالحزن العميق وأتساءل: لماذا يسمح الله بحدوث كل هذا؟

أنا مؤمنة بعدل الله ورحمته، وأعلم يقينًا أن له حكمة في كل شيء، لكنني أريد أن أفهم أكثر كيف يمكن التوفيق بين هذه الآلام والعدل الإلهي؟

وكيف أزيل عن قلبي هذه الحيرة حتى يزداد إيماني وأطمئن نفسي؟

الإجابة 23/03/2025

أختي الكريمة، أشكركِ جزيل الشكر على ثقتكِ بنا، وحرصكِ على تعميق فهمكِ للإيمان ولحكمة الله في تدبير الأمور. وأدعوه سبحانه أن يرزقكِ سكينة القلب، وطمأنينة النفس، وأن يشرح صدركِ بالإيمان، ويعينكِ على إدراك الحكمة من أقداره، ويرزقكِ الرضا واليقين بعدله ورحمته، وبعد...

 

فإن ما تشعرين به -أختي الفاضلة- هو أمر طبيعي لكل من يحمل قلبًا حيًّا وضميرًا يقظًا، فالمؤمن يتألم لرؤية الظلم والمآسي؛ لأن فطرته السليمة تحب الخير وتكره الشر، والله -سبحانه وتعالى- خلق الإنسان على هذه الفطرة النقية.

 

لكن أحيانًا، عندما نرى هذه الآلام، تنشأ في داخلنا تساؤلات حول الحكمة الإلهية؛ خصوصًا عندما نرى أن بعض الظالمين يتمادون دون أن يُعاقبوا فورًا، وأن بعض الأبرياء يعانون دون أن نرى العدل يتحقق أمام أعيننا.

 

وهذه الحيرة ليست ضعفًا في الإيمان؛ بل هي دليل على رغبتكِ الصادقة في الفهم واليقين. ولهذا، فإن أول ما أطمئنكِ به هو أن البحث عن الحكمة والسؤال عنها ليس خطأً، بل هو طريق للوصول إلى إيمان أعمق، ما دمنا نبحث في ضوء القرآن والسنة، وما دمنا نتحرى حسن الظن بالله.

 

أولًا- لماذا يوجد الشر في هذا العالم؟

 

إن الله -سبحانه وتعالى- خلق هذه الدنيا دار امتحان وابتلاء، وليست دار جزاء ولا دار عدل مطلق؛ فالدنيا لم تُخلق لتكون الجنة، وإنما هي معبر إليها. وقد أخبرنا الله بوضوح عن طبيعة الحياة الدنيا في قوله: ﴿إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾ [الكهف: 7].

 

فوجود الخير والشر معًا هو جزء من الامتحان، حتى يظهر الصابر من الجازع، والشاكر من الكافر، والمؤمن من المنافق.

 

والسؤال هنا: لماذا جعل الله الامتحان بهذا الشكل؟ لماذا يسمح بوقوع المصائب والمظالم؟

 

أجيبك بالنقاط التالية:

 

1- وجود الشر لحكمة الابتلاء والاختبار:

 

الله -سبحانه وتعالى- أراد أن يبتلي الناس ليختبرهم، فمن صبر على البلاء كان من أهل الجزاء العظيم، ومن ظلم وبغى فإنما يمهله الله لحكمة، ولا يهمله أبدًا. قال ﷺ: «إنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ يُمْلِي لِلظّالِمِ، فإذا أخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ» [رواه مسلم].

 

فهذه المصائب والمحن ليست عبثًا؛ بل هي جزء من نظام إلهي عظيم يختبر به الله صبر عباده وإيمانهم.

 

2- الشر يكشف حقيقة الناس:

 

لو لم يكن في الدنيا شر، لما ظهر من هو صادق الإيمان ومن هو ضعيف اليقين، ولما عرفنا من الظالم ومن العادل، ومن الرحيم ومن القاسي.

 

والله -سبحانه وتعالى- يبتلي الناس ليكشف معادنهم، فمنهم من يكون الابتلاء سببًا في قربه من الله، ومنهم من يزداد بعدًا، قال تعالى: ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ﴾ [العنكبوت: 2].

 

فالفتنة (أي الاختبار) هي التي تميز الصادق من غيره، ولو كانت الدنيا بلا شر، لما ظهرت معادن الناس على حقيقتها.

 

3- الشر يقرب لنا أسماء الله وصفاته:

 

لولا المرض، لما عرفنا اسم الله «الشافي»، ولولا الفقر، لما أدركنا معنى «الرزاق»، ولولا الظلم، لما لجأنا إلى «العدل». فوجود الشر يجعلنا ندرك حاجتنا إلى الله، ويدفعنا إلى التوكل عليه.

 

4- المصائب تكفِّر الذنوب وترفع الدرجات:

 

قد يتساءل البعض: لماذا يُبتلى الصالحون؟

 

والإجابة أن البلاء ليس عقوبة دائمًا، بل قد يكون رحمة وتكفيرًا للذنوب ورفعًا للدرجات. قال النبي ﷺ: «ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا همٍّ ولا حزن ولا أذى ولا غمّ، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفَّر الله بها من خطاياه» [متفق عليه].

 

فما نراه شرًّا قد يكون في الحقيقة خيرًا عظيمًا لا ندركه الآن.

 

ثانيًا- لماذا يسمح الله بوقوع الظلم؟

 

الظلم محرم عند الله، وقد قال في الحديث القدسي: «يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرمًا، فلا تظالموا» [رواه مسلم]. لكن الله قد يمهل الظالم لحكمة، ربما ليعطيه الفرصة ليتوب ويرجع عن ظلمه ويرد الحقوق لأصحابها، فإن لم يفعل ولم يلتفت إلى الإمهال، أخذه الله أخذ عزيز مقتدر. قال تعالى: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ﴾ [إبراهيم: 42]. وربما يكون الإمهال ليزداد المظلوم أجرًا ورفعة عند الله، وربما غير ذلك من حكم الله عز وجل.

 

ثالثًا- كيف نزيل الحيرة ونملأ قلوبنا باليقين؟

 

1- التسليم لحكمة الله: فالله يعلم ونحن لا نعلم، ويقدر الخير حيث نراه شرًّا، كما قال: ﴿وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ [البقرة: 216].

 

2- التفكر في العدل الإلهي في الآخرة: فالله قد يجعل العقاب مؤجلًا ليوم القيامة، حيث سيأخذ المظلوم حقه كاملًا.

 

3- الدعاء والاستعانة بالله: فمن أحس بالحيرة، فليلجأ إلى الله، ويطلب منه الهداية وانشراح الصدر وارتياح الفؤاد وطمأنة القلب.

 

4- النظر إلى الصورة الكاملة: فقد يكون في الشر الظاهر خير خفيٌّ لا نراه الآن، لكنه سيتجلى لاحقًا.

 

وختامًا -أختي الفاضلة- إن الله أرحم بنا من أنفسنا، وهو أعلم بمصلحتنا، فما يقع في هذا العالم يسير بحكمة مطلقة. وكل مظلوم سيأخذ حقه، وكل ظالم سيحاسب. فاطمئني، وثقي بعدل الله. نسأل الله أن يملأ قلبكِ بالسكينة، وأن يجعلكِ من أهل اليقين والرضا. اللهم آمين.

الرابط المختصر :