Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. فتحي عبد الستار
  • القسم : إيمانية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 66
  • رقم الاستشارة : 1797
01/05/2025

السلام عليكم. بصراحة ما بعرف من وين بدي بلش، بس أنا بفترة كتير صعبة بحياتي، ومليانة ابتلاءات من كل جهة… مرة بموضوع الصحة، مرة بالعيلة، مرة بالشغل، كأنو ما عم خلص من مصيبة إلا وتطلعلي التانية، وكل ما أحاول أتماسك وأقول يمكن هاي الأخيرة، بلاقي حالي عم بغرق أكتر.

ما بدي أفوت بتفاصيل قصتي، لأنو يمكن ما رح تغير شي، بس اللي بدي منكن هو تساعدوني كيف أقدر أصبر.

أنا مؤمن إنو ربنا حكيم، وكل شي بيصير بحكمة، بس أوقات بيغلبني الضعف، وبصير أحس إنو إيماني عم يهتز، وكأني عم قَرب أوصل لمرحلة ما عاد أقدر أتحمل، وبصير جواتي كلام بخاف حتى أعترف فيه. بخاف عحالي، بخاف من لحظة فقدان السيطرة، من لحظة قول شي ما بيرضي رب العالمين.

أنا ما بدي أكون من الناس اللي بيجزعوا وقت البلاء، ولا بدي أخسر إيماني بهالظروف، بس بدي أعرف كيف أقدر أضل ثابت؟ كيف أقدر أواجه وجعي وأنا متمسك بربي؟

بترجاكن تعطوني شي عملي، خطوات، أدعية، شي يساعدني أضل واقف، لأني عن جد تعبت، واللي جواتي أكبر بكتير من اللي عم بيظهر للناس.

وإذا بتقدروا تدعولي، دعوة من القلب، فأنا عن جد أحتاجها.

الله يجزيكم الخير.

الإجابة 01/05/2025

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، مرحبًا بك أخي الكريم، ونشكرك جزيل الشكر على تواصلك معنا، وأسأل الله أن يربط على قلبك، ويقوّيك، ويملأ صدرك سكينةً ويقينًا. وأسأله –تعالى- أن يجعل لك من كل همٍّ فرجًا، ومن كل ضيقٍ مخرجًا، وأن يُبدّلك بعد هذا العسر يُسرًا لا تفنى ملامحه، وبعد...

 

فيا أخي الكريم، ما من مؤمن يطرق باب الله ويبث إليه شكواه، إلا وكان ذلك من أعظم مظاهر الإيمان، لا من نواقصه. وما كان شعورك بالضعف، ولا انكسارك بين يدي الله، إلا صورة من صور القرب التي يُحبّها ربنا ويرفع بها عباده.

 

إنك لست وحدك في طريق البلاء؛ بل في رفقة من أحبَّهم الله فابتلاهم، واختبر صبرهم فاجتباهم، فإنك إن نظرت في صفوف الصالحين، لرأيت في أوائلهم من كابدوا مثل ما تكابد؛ بل أكثر.

 

لماذا يتتابع هذا السيل من البلاء؟

 

اعلم -رحِمك الله- أن توالي الابتلاءات ليس دائمًا علامة غضب من الله؛ بل قد يكون من دلائل الاصطفاء، وتمحيص الإيمان، وتربية القلب، ليكون أعظم قوة وثباتًا. قال رسول الله ﷺ: "إن عِظم الجزاء مع عِظم البلاء، وإن الله إذا أحبّ قومًا ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط" [رواه الترمذي].

 

فأنت اليوم تعيش محبةً ربانيةً، تُصاغ بأقدارٍ مؤلمةٍ؛ لكنها ترفع مقامك وتُطهّر قلبك وتُثقّلك بالأجر.

 

ثم تأمل قوله تعالى: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ، مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا، حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ: مَتَى نَصْرُ اللَّهِ؟ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾ [البقرة: 214].

 

هذه الآية ليست فقط عزاءً؛ بل شهادة من الله أن حتى رسله، ومن معهم، قد بلغ بهم الوجع أن تساءلوا: متى الفرج؟ فكيف بك أنت، وأنت عبدٌ يُبتغَى منه الصبر والرجاء؟

 

كيف تثبت؟ وكيف تُقاوم السقوط؟

 

السائل الحبيب، ما تطلبه هو مفتاح النجاة، والركيزة التي تحفظ بها نفسك من الانهيار، والثبات لا يكون فجائيًّا، بل هو ثمرة مجاهدة، تتغذّى على عدة أركان، أهمها:

 

1- إصلاح العلاقة مع القرآن:

 

هذا الكتاب هو الروح التي تعيد بناء قلبك. لا تكتفِ بالقراءة فقط، بل اجعل وردك اليومي فيه موطن تأمل وتفاعل. افتح قلبك للآيات، وقل: ماذا يريد الله أن يعلّمني اليوم؟

 

اقرأ مثلًا: ﴿وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ﴾ [النحل: 127].

 

﴿فإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾ [الشرح: 5 و6].

 

تكرار ﴿إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾ مرتين هو بشارة ربانية مؤكدة، بأن اليسر قادم، بل هو موجود مع العسر، لا بعده فقط.

 

3- مداومة الدعاء والشكوى لله:

 

من أعظم أسباب الثبات هو أن تفرغ قلبك في محرابك. كلما ضاق صدرك، توجهت فورًا إلى السجود، لا تنتظر الليل، ولا تخجل من دموعك.

 

ادعُ ربك بما قاله يونس عليه السلام: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [الأنبياء: 87].

 

وقال النبي ﷺ عنها: «دعوة ذي النون إذ دعا بها وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت، سبحانك، إني كنت من الظالمين؛ فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له» [رواه الترمذي].

 

ومن أدعية الثبات:

 

- "اللهم يا مُقلّب القلوب، ثبّت قلبي على دينك".

 

- "اللهم رحمتك أرجو، فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كله".

 

- "اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك".

 

3- المجاهدة في مواطن الضعف:

 

عندما يغلبك الحزن، لا تعد هذا ضعفًا في الإيمان، بل هو ساحة اختبار. الإيمان لا يعني ألا نحزن، بل يعني أن نعود إلى الله في حزننا، ونختار ألَّا ننطق بما يسخطه، حتى إن ارتجّ القلب وتزعزع.

 

قال ﷺ عند حزنه على ولده: «القلب يحزن، والعين تدمع، ولا نقول إلا ما يُرضي ربنا» [رواه البخاري]. فهذا هو الخط الفاصل: أن يُحزننا البلاء؛ لكن لا نجزع منه.

 

4- البُعد عن العزلة المفرطة:

 

لا تحبس نفسك عن الطيبين الذين يُذكرونك بالله، والذين يستمعون لك بغير تأفف. لا تستهن بكلمة طيبة، أو حضن أخوي، أو لقاء إيماني يُعيدك لذاتك.

 

يقول الله عز وجل: ﴿واصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ والْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وجْهَهُ ولا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا ولا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا واتَّبَعَ هَوَاهُ وكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ [الكهف: 28].

 

إن الشيطان يستفرد بالمحزون إذا بقي وحده، لذلك قال ﷺ: «إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية» [رواه أبو داود]

 

5- العمل الصالح بدرجاته:

 

عندما تشعر بأن كل شيء يُهدم، قم أنت ببناء شيء لله: تصدّق، زُر مريضًا، ساعد مُحتاجًا... فكل عمل صالح تعمله وأنت في حال الوجع، أجره مضاعف، وتثبيته أبلغ، كما قال الله: ﴿إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ﴾ [هود: 11].

 

لا تشُك في إيمانك؟

 

إن ما تشعر به الآن من ضيق، ومن خوف من أن تقول ما لا يرضي الله، ومن حرص على التماسك... كله دليل إيمان لا شكّ فيه.

 

قال النبي ﷺ عن الوساوس التي تهاجم القلب أحيانًا: "ذاك صريح الإيمان" [رواه مسلم]، أي أن محاربة هذه الهواجس ورفضها في القلب، هو خُلاصة الإيمان، لا نقضه.

 

وصايا عملية للتثبيت:

 

1. سجدة طويلة كل ليلة، لا تقم منها إلا وقد أفرغت كل ما في صدرك لله.

 

2. سورة يوسف، اقرأها كلما اشتد بك الهم، ففيها دروس عظيمة عن الصبر والثبات.

 

3. اكتب رسالة إلى نفسك، فيها الآيات والأدعية التي تذكّرك بالثبات، وعلّقها قرب سريرك.

 

4. ردّد كل صباح ومساء: «حسبي الله لا إله إلا هو، عليه توكّلت، وهو رب العرش العظيم» سبع مرات.

 

5. احرص على صدقة أسبوعية، حتى لو كانت بسيطة جدًّا.

 

6. لا تفوِّت قيام الليل، حتى لو بركعتين فقط.

 

7. كلما أغرقك الحزن، وأرهقتك الدنيا، رفعت كفك ودعُوت ربك دعاء المكروب المضطر موقنًا بالإجابة.

 

وختامًا أخي الحبيب، أدعو لك كما طلبت: اللهم يا من تُبدّل الحزن فرحًا، والضيق فرجًا، اجبر قلب عبدك هذا جبرًا يليق بجلالك، جبرًا لا يترك في روحه موضع ألم، ولا في صدره زاوية وجع. اللهم إن ضعُف أمام الأقدار، فقوِّه، وإن فتر في الدعاء، فألهمه، وإن تاه في حزنه، فخذ بيده إليك، إليك وحدك. اللهم لا تتركه لنفسه، ولا لهمّه، ولا لوساوسه، وكن له، وارضَ عنه، واكتبه من عبادك الذين قلت فيهم: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ﴾ [فصلت: 30]. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. وفي انتظار ما تطمئننا به عليك.

الرابط المختصر :