الإستشارة - المستشار : أ. مصطفى عاشور
- القسم : فكرية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
91 - رقم الاستشارة : 1655
17/04/2025
أسمع كثيرًا كلمة أيديولوجية في الإعلام والصحافة ومن المثقفين.. فأريد أن أعرف معنى هذه الكلمة وعلاقتها بالحياة الثقافة؟
تعد "الأيديولوجيا" من أكثر الكلمات شيوعًا وتداولاً في الأوساط الإعلامية والسياسية والثقافية وفي المجال العام.
هذه الكلمة أصبحت حاضرة في الاستخدام اليومي، ومن ثم فإن الوقوف على معناها ودلالتها من الأمور المهمة في التكوين الثقافي والفكري؛ لأن معرفة المعنى يساعد على إنشاء تصورات صحيحة عن المفهوم، ويتيح استخدام المفهوم أو المصطلح وفهمه بطريقة صحيحة؛ لأن كثرة التداول قد يُلقي على الكلمة غموضًا.
الأيديولوجيا كانت مفهومًا حاضر المعنى في الاستعمال منذ الفلسفة اليونانية؛ فمثلا تحدث الفيلسوف أفلاطون عن "التيموس" أو الحماس الروحي، وهو مفهوم يقترب معناه من الأيديولوجيا.
لكن الصياغة الحديثة للمفهوم كانت على يد المفكر الفرنسي "ديستوت دو تراسي" في القرن الثامن عشر الميلادي، حيث تمنى "تراسي" أن يوجد علم للعقائد على غرار العلوم الطبيعية في قوانينها ومناهجها، لكن في ذلك الوقت تم استخدام الكلمة بنوع من الاستهزاء في الخطاب السياسي للقائد الشهير "بونابرت" على اعتبار أن الكلمة لا تعني إلا المعتقدات الزائفة.
استخدمت الكلمة قديمًا كتعبير عن علم الأفكار، لكن الاستخدام الحديث للكلمة يشير إلى أنها "نسق كلي للأفكار والمعتقدات والاتجاهات العامة، ذات تأثير في الأنماط السلوكية، ولها قدرة على تفسير الأسس الأخلاقية للأفعال وتوجيهها"، ويعرفها آخرون بأنها "التصور والفهم الذي نحمله عن العالم والحياة والإنسان، وطرق الحل ونماذجه"، ويذهب البعض إلى أنها قد ترادف مفهوم العقيدة، وتُعرف العقيدة بأنها "حكم العقل الجازم"، وعلى هذا فالأيديولوجيا يُمكن وصفها بأنها تحليق فوق كل العلوم، رغم وصف المدرسة الماركسية لها بـ"الوعي الكاذب".
يذهب البعض أن "الأيديولوجيا" تنتمي لمنطقة الوعي، وذهب آخرون إلى أن وظيفتها تشبه وظيفة الأسطورة، على اعتبار أن الأسطورة جزء من ثقافات كل شعوب الأرض، فلكل شعب أسطورته التي تساهم في بناء هويته وتوحد الناس تحت شعار وربما غاية واحدة، كما أنها ذات بعد ترفيهي يساهم في التسلية والإمتاع.
لكنّ آخرين رأوها ذات أهمية فهي كالإسمنت بالنسبة للمجتمعات، وكما يقول المُنظِّر الاستراتيجي الأمريكي "زبيغنيو بريجينسكي": إن "المجتمع الذي لا يؤمن بأي شيء في حالة تحلل".
وقد جاء ظهور الأيديولوجيا مع الحداثة؛ لذا امتزجت الأيديولوجيا بالنزعة الدنيوية في الفكر الغربي، فرآها البعض "دينًا دنيويًّا"، وفي الفكر الغربي تعد الأيديولوجيا البنية الأساسية للتخطيط الاجتماعي الشامل المرتكز على النزعة الدنيوية، فالأيديولوجيا ليست من خصائص المجتمعات المتخلفة.
رأى باحثون غربيون أن وظائف الأيديولوجيا تتشابه مع الوظائف الدينية في بعض المجتمعات؛ لذا تلعب دورًا في تعبئة الجماهير، وتأجيج الثورات الاجتماعية والسياسية، وأنها أفضل السبل في الهندسة الاجتماعية لتقليص الخلاف وخلق الانسجام في المجتمعات.
في كتابه "هروبي للحرية" تحدث المفكر البوسنوي علي عزت بيجوفيتش عن الاختلاف بين "الأيديولوجيا" والدين، بقوله: "الأيديولوجيا تسأل كيف ومِمَّ يعيش الناس؟ أمَّا الدين فيسأل مَن هؤلاء الذين يعيشون؟ ولماذا يعيشون؟ ومن هنا يأتي سوء الفهم المستمر بين الأيديولوجيا والدين. فحيثما ترى الأيديولوجيا تقدُّمًا، يرى الدينُ انتكاسًا مُطلقًا؛ لأنَّ الأيديولوجيا لا ترى بشرًا على الإطلاق، بل ترى مخلوقاتٍ تعمل وتَستهلك".