الإستشارة - المستشار : أ. فتحي عبد الستار
- القسم : إيمانية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
155 - رقم الاستشارة : 1640
16/04/2025
أنا امرأة متزوجة، ومرقت بفترة ضعف وتعب نفسي، للأسف بهديك الفترة فتحت باب ما كان لازم ينفتح، وانجرفت بمشاعر غلط مع رجل متزوج كمان. بالبداية كانت مجرد رسائل عابرة، بس شوي شوي تطورت الأمور، وصار في لقاء صار فيه أشياء ما بترضي رب العالمين. ما صار زنا والحمد لله، بس وقعنا بمقدمات الزنا، وهاد الشي لحالو كافي يخوّفني ويرجّ قلبي من الندم.
هالشخص ما بيحكيني إلا وقت بيكون الموضوع فيه شهوة، وبحسّه ما بيشوفني غير كوسيلة للمتعة، حتى لو بيحاول يبين إنه بيحبني. كل مرة بحاول أبتعد أو أحكي معه بجدية، بيصير بارد وجاف معي.
أنا واعية تمامًا إني غلطت غلطة كبيرة، ومرعوبة من الفضيحة، ومن عقوبة ربنا بهالدنيا أو بالآخرة.
بدي أتوب توبة صادقة وأرجع لربّي، وبدي أقطع علاقتي فيه من جذورها، بس لسا في داخلي ضعف، وبشتاق أحيانًا لكلامه ونظرته وشعوري إني مرغوبة.
كيف بقدر قاوم هالاشتياق المريض؟
وكيف فيني أخلص قلبي ونفسي من أثر هالعلاقة؟
دلوني، لأني فعلاً محتاجة للنصيحة، وخايفة يصير معي شي أعظم إذا ما لحقت حالي.
مرحبًا بكِ أختنا العزيزة، وأشكرك على ثقتك بنا، وشجاعتك في الاعتراف، ومحاولتك للإفاقة مما أنت فيه، والسعي نحو التوبة.
أسأل الله أن يشرح صدرك، ويطهِّر قلبك، ويقويكِ على ما هو خير لكِ في دينك ودنياك، ويجعلك من التائبات القانتات، الصادقات في العودة إليه، المُعظِّمات لحدوده، المُستغنيات بحبه ورضاه، وبعد...
أنتِ على أول طريق النجاة
أيتها الفاضلة، ما من قلبٍ طرق باب الله مكسورًا إلا وجبره، وما من عبدٍ خافه إلا أمَّنه، وما من نفسٍ لهجت بندمٍ صادق إلا وأُلبست ثوب الطهارة والطمأنينة. إن رسالتك هذه ليست ضعفًا، بل أولى خطوات القوة، وأقرب دروب النجاة، وهي دليل حياةٍ في القلب لم تمُت، وإن ضعفت لحظة، لكنها لا تزال تنبض بالشوق إلى الله.
وما دمتِ قد اعترفْتِ أمام نفسك وأمام الله وأمامنا بهذه الزلَّة، وما دمتِ تخافين وتبكين وتطلبين المخرج، فأبشري، فأنتِ على أول طريق التوبة التي يُحبها الله، بل يفرح بها.
قال النبي ﷺ: «لَلهُ أشدُّ فرحًا بتوبةِ عبدِه حينَ يتوبُ إليهِ، مِن أحدِكم كانَ على راحلتِه بأرضِ فلاةٍ، فانفلتَتْ منهُ وعليها طعامُهُ وشرابُهُ، فأيسَ منها، فأتى شجرةً، فاضطجعَ في ظلِّها، وقد أيسَ من راحلتِه، فبينما هو كذلك، إذ هو بها قائمةٌ عنده، فأخذ بخِطامِها، ثم قالَ من شدةِ الفرحِ: اللهمَّ أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدةِ الفرحِ» [رواه مسلم].
الضعف الإنساني ومداخل الشيطان
ما مررتِ بهِ –رغم مرارته– هو من أكثر ما يبتلي به الشيطان القلوب الهشة، التي تمرُّ بفترة تعب نفسي أو فتور إيماني، فيتسلل منها ليوسوس ويوسِّع المدخل، حتى يجر الإنسان إلى الكبائر من أبواب صغيرة لا يلتفت لها.
وكم من امرأة صالحة، مستقيمة، وقعَت لوهلة في نظرة أو رسالة أو علاقة، ثم قامت لتبكي في جوف الليل توبةً وندمًا. فليس العيب في الوقوع، فكل ابن آدم خطَّاء؛ ولكن العيب في الإصرار، وفي الإنكار، وفي التهوين من الأمر.
وصف الله البعض بقوله: ﴿وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا﴾ [الإسراء: 83]، لكن انظري كيف وصف حال المؤمن بعد الزلة: ﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ﴾ [الأعراف: 201].
أنتِ الآن «تذكرتِ» فصار قلبكِ يُبصر، وها هو يتوجَّع؛ لا من ألم الخطيئة فحسب، بل من خوف الله. وهذا من أعظم النعم.
العلاقة المحرَّمة وأثرها في النفس
قولكِ: «ما صار زنا، بس وقعنا بمقدماته»، يكفي لأن يُنذر القلب بالخطر، ويشعل المصابيح الحمراء في الضمير. فقد قال رسول الله ﷺ: «كُتبَ على ابنِ آدمَ نصيبُه من الزِّنا، مُدرِكٌ ذلك لا محالة: فالعينان زِناهما النظر، والأذنان زِناهما الاستماع، واللسان زِناه الكلام، واليد زِناها البطش، والرِّجل زِناها الخطا، والقلب يهوى ويتمنّى، ويُصدّق ذلك الفرجُ أو يُكذِّبه» [متفق عليه]. فحتى الكلمات، والنظرات، واللقاءات، كلَّها تُسجَّل في صحيفة الزنا، ولو لم يقع الجُرم الأكبر.
وهنا تأتي المصيبة الكبرى: أن القلب يألف هذا النوع من التعلق العاطفي، حتى لو كان سامًّا ومؤذيًا. لكن ما هو دواء القلب حين يمرض؟
يقول ربي جل وعلا: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ﴾ [يونس: 57]، إذن: التوبة، والندم، والقرآن، وقطع الحرام من جذوره، هي الأدوية الشافية، والعلاجات الناجعة.
كيف تقاومين الاشتياق المريض؟
اعلمي يا أختي أن الاشتياق في مثل هذه العلاقات ليس حبًّا؛ بل إدمانًا عاطفيًّا على وَهْم مؤقت، مصدره الفراغ النفسي، أو الإحساس بالنقص، أو الجوع العاطفي. وإنه ليخدعكِ حين يتزيَّن بمشاعر كاذبة، ثم يظهر وجهه الحقيقي وقت الجد، كما ذكرتِ: «يصير بارد وجاف»؛ لأنه لا يراكِ إنسانة؛ بل مجرد وسيلة للمتعة!
ولتجاوز هذا الاشتياق المريض المحرَّم، عليك بالخطوات التالية:
1- اقطعي الاتصال فورًا دون تردد، ولا تفتحي بابًا للرجوع أبدًا. لا «نطمن عليه»، ولا «نسكَّر الباب بأدب»، بل أغلقيه بقوة، لله. إن الله قال: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَى﴾ [الإسراء: 32]، لم يقل: (لا تفعلوا)، بل ﴿وَلَا تَقْرَبُوا﴾، أي لا تقتربوا حتى من الأسباب والمقدمات.
2- املئي قلبكِ بالله، فالاشتياق لله هو أصفى، وأعمق، وأشد لذَّة من اشتياق الهوى المضل المحرَّم. اجعلي خلوتكِ مع القرآن، وابكي، وناجي ربك: «يا رب، اشغل قلبي بك، واصرفه عمن سواك». وأكثري من هذا الدعاء: «اللهم اصرف قلبي عن كل ما لا يُرضيك، واجعل لي من لدنك نورًا وهداية وقوة».
3- استعفِّي بالحلال، تقربي من زوجك، واطلبي منه أن يكون لك سكنًا ومودة. ولا تخجلي من طلب القرب والحنان. وإن لم يكن هناك تفاهم بينكما، فاعملي على إصلاح ما بينكما بما تستطيعين، واسألي الله أن يفتح بينكما ما أُغلق.
4- أحيطي نفسكِ بالصحبة الصالحة، ولا تتركي قلبكِ فارغًا. احضري واستمعي إلى دروس العلم، خصوصًا الإيمانية، وشاركي في الأعمال الخيرية، وصاحبي العفيفات المؤمنات القانتات، وصبِّري نفسك على الطاعة معهن، يقول سبحانه: ﴿واصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ والْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وجْهَهُ ولا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا ولا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا واتَّبَعَ هَوَاهُ وكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ [الكهف: 28]، وكلما أحطت نفسك بنور الطاعة، خفتت ظلمة الماضي ومعاصيه.
كيف تطهرين نفسك من آثار الذنب؟
أوصيك بالتالي:
- التوبة النصوح: قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا﴾ [التحريم: 8]، والتوبة النصوح هي الندم الصادق، والتي لا رجوع للذنب بعدها، فيُبدِّل الله بها السيئات حسنات.
- كثرة الاستغفار: يقول جل وعلا: ﴿وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾ [النساء: 110].
- قيام الليل: واسجدي لله سجدات طويلة، واشكي له ضعفك، واطلبي المغفرة والتطهير من الذنب، فإنه يسمعك ويستجيب.
- الصيام والصدقة: ففيهما طهارة للجسد والقلب، ورفع للدرجات.
وختامًا، اعلمي أن خوفكِ من الله، وندمكِ، وحرصكِ على النجاة، كلها علامات صدق، فاستمسكي بها. واعلمي أنكِ في عين الله، يرى دمعتك، ويسمع رجاءك، ويعلم صراعاتك.
وقد قال تعالى: ﴿إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَـٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾ [الفرقان: 70]. فهل بعد هذا الكرم من كرم؟! وهل بعد هذا الغفران من رجاء؟!
استعيني بالله، وكرري دومًا: «اللهم لا تعلِّق قلبي إلا بك، ولا تجعل لي سكنًا إلا في رضاك، واغنني بحبك عن كل من سواك».
ونحن هنا معكِ إن احتجتِ إلى دعم أو توجيه.
ثبتكِ الله، وقوَّى قلبك، وجعل لك من كل ضيقٍ مخرجًا، ومن كل ذنبٍ توبة، ومن كل لحظة ضعفٍ نصرًا بإذنه.