Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. فتحي عبد الستار
  • القسم : إيمانية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 79
  • رقم الاستشارة : 1833
05/05/2025

هل الابتلاء يعني أنني محبوبة عند الله؟

أنا كثيرة الابتلاء، والناس من حولي يتهامسون ويقولون لعلها عاقة الوالدين، لعلها مذنبة ذنب لا يعلمه إلا الله.

وهناك من يقول مسحورة، وهناك من يقول لي رفع درجات ومحبة إلهية. إن المحبة الإلهية ثمنها العذاب!

ما هو الحق وما هو غير الحق في حكمة البلاء؟

لماذا؟ وكيف التخفيف من البلاء مع المحافظة على الدرجة التي أطلبها من الله بكل دعائي؟ وهي الفردوس الأعلى.

أخاف أطلب تخفيف البلاء أخسر درجة من الجنة.

الإجابة 05/05/2025

مرحبًا بكِ أيتها السائلة الكريمة، وأشكرك على تواصلك معنا، وثقتك بنا، وأرجو الله أن يجعل هذا السؤال بداية فرَجٍ قريب وطمأنينة تغمر قلبك، ويفتح لك بإجابتنا عنه أبواب اليقين والسكينة، وأسأله -سبحانه- أن يريكِ بعينيك ثمرة صبرك، ويبلغك الفردوس الأعلى من غير حساب ولا عذاب، وبعد...

 

فسؤالكِ يمسُّ قلب كل مؤمن ومؤمنة مرَّ بابتلاء ولم يجد عن مثل سؤالك جوابًا شافيًا. إنه يحمل في طيّاته حيرة، ووجعًا، وظنونًا تتنازع القلب، بين كلام الناس، وبين ما نرجوه من الله، وما نجهله من حكمته سبحانه.

 

هل الابتلاء دليل على محبة الله؟

 

نعم، إنه قد يكون كذلك، وهذا ليس ظنًّا؛ بل هو تصريح نبوي لا يدع مجالًا للشك، فقد قال رسول الله ﷺ: «إن عِظم الجزاء مع عِظم البلاء، وإن الله إذا أحبَّ قومًا ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط» [رواه الترمذي وصحَّحه الألباني]. فالبلاء قد يكون بوابة اصطفاء، يرفع الله بها عبدًا يحبه درجاتٍ لا يبلغها بصلاته ولا بصيامه.

 

وقد جاء في الحديث القدسي: «إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه (أي عينيه) فصبر، عوضته منهما الجنة» [رواه البخاري]. أرأيتِ؟ صَبَر، فعُوِّض عِوَضًا عظيمًا. فالبلاء ليست عقوبةً دائمًا؛ بل قد يكون حبًّا واصطفاءً، ورفعًا للدرجات.

 

هل كلام الناس حق أم باطل؟

 

أما ما يقوله الناس من أنكِ قد تكونين عاقة أو مذنبة أو مسحورة... فهذا كلام مردود لا حجة فيه، والله وحده هو الذي يعلم خفايا القلوب والنيات.

 

هل نسي هؤلاء أن الأنبياء أنفسهم كانوا أشدَّ الناس بلاءً؟ قال رسول الله ﷺ: «أشدُّ الناس بلاءً الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل» [رواه البخاري]. فهل نقول عن أيوب عليه السلام -مثلًا- وقد ابتُلي سنين طوالًا، إنه مذنب؟! لا والله، بل كان نبيًّا صابرًا، وأثنى الله عليه في كتابه: ﴿إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا ۚ نِعْمَ الْعَبْدُ ۖ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ [ص: 44]، فمَن يتَّهم المبتلى بأنه مذنب دون بيِّنة، فقد تجرَّأ على الله، وساء ظنُّه به وبعباده.

 

هل المحبة الإلهية ثمنها «العذاب»؟

 

أختي الفاضلة، إن المحبة الإلهية ثمنها الصبر والثبات؛ لا العذاب. إن الله لا يُعذِّب من يحبهم، بل يُطهِّرهم، يُنقِّيهم، يُقوِّيهم. والفرق شاسع بين العذاب انتقامًا، وبين البلاء تهذيبًا وتزكيةً.

 

إن المحبوبين عند الله يُبتلون ليرتفعوا، لا ليُهانوا. يُبتلون لترق قلوبهم، ويُختبر صدقهم، وتُمحى ذنوبهم. وقد قال رسول الله ﷺ: «ما يصيب المؤمن من وَصبٍ ولا نَصَب، ولا همٍّ ولا حَزَن، ولا أذًى ولا غمّ، حتى الشوكة يُشاكها، إلا كفّر الله بها من خطاياه» [متفق عليه]. فهذا هو منهج الله مع عباده المؤمنين: الابتلاء تطهير ورحمة، لا تعذيب وانتقام.

 

ما حكمة البلاء؟

 

البلاء له حكمٌ كثيرة، نعلم بعضها، ولا يعلم بعضها الآخر إلا الله، ومن أبرزها:

 

1- التمحيص والتزكية:

 

يقول جلا وعلا: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّىٰ نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ﴾ [محمد: 31]، أي: ليُظهر الله صدق الإيمان من زيفه.

 

2- تكفير الذنوب والرفع في الدرجات:

 

قال ﷺ: «إن الرجل ليكون له عند الله المنزلة، فما يبلغها بعمل، فما يزال الله يبتليه بما يكره حتى يبلِّغه إياها» [رواه أبو يعلى وحسَّنه الألباني].

 

3- إعانة العبد على إظهار العبودية:

 

فالبلاء يُعيد القلب إلى مولاه، ويذكره بحقيقة عبوديته له سبحانه، وافتقاره إليه وإلى رحمته، وهذا باب فضل عظيم.

 

هل سؤال الله تخفيف البلاء يفقدني الأجر والدرجة؟

 

لا والله. فطلب تخفيف البلاء من الله أو رفعه، ليس اعتراضًا على قضائه، إنما هو عبودية ودعاء واستعانة.

 

وقدوتكِ في ذلك النبي ﷺ نفسه، الذي قال في دعائه: «اللهم إني أعوذ بك من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء» [رواه البخاري]. وقال أيضًا: «اللهم آتِ نفسي تقواها، وزكِّها أنت خير من زكاها، أنت وليّها ومولاها» [رواه مسلم].

 

فاطلبي من الله تخفيف البلاء، واطلبي معه الفردوس الأعلى، واطلبي كذلك الثبات والرضا وحُسن الخاتمة، فكلُّها ليست متعارضة، بل متكاملة في عبودية القلب.

 

وختامًا -أختي الكريمة- أؤكد لك أن البلاء ليس علامة غضب، بل قد يكون شهادة محبة، وكلام الناس لا يزن شيئًا أمام رحمة الله وعدله، وأنينكِ في البلاء، وصبرك في الخفاء، ودمعتك بين يدي الله، أثمن عنده من الدنيا وما فيها.

 

اصبري، واطلبي من الله القوة، لا مجرد النجاة، واهمسي دائمًا بدعاء النبي ﷺ: «اللهم رحمتك أرجو، فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين» [رواه أحمد]. وسيرزقك الله ما ترجين، ويبلغك الفردوس الأعلى؛ لأنه وعد، والله لا يخلف الميعاد: ﴿إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا﴾ [الكهف: 30]. وتابعينا بأخبارك.

الرابط المختصر :