Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. فتحي عبد الستار
  • القسم : إيمانية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 285
  • رقم الاستشارة : 855
01/02/2025

أنا أختكم في الله، ابتلاني ربي بمرض مزمن منذ الصغر، وقد بلغت الآن 22 عامًا. سعيت في كل السبل العلاجية، ولم أدَع طبيبًا إلا وطرقت بابه، لكني لم أجد الشفاء حتى الآن. في بعض الأحيان، تسيطر عليّ وساوس تُثقل قلبي، تهمس لي بأن الشفاء مستحيل، وأن الدعاء لا جدوى منه، وأحيانًا أخرى أضعف وأتساءل: هل إكثاري من الدعاء بالشفاء يُعد تعديًا في الدعاء؟ خصوصًا أن الأطباء قد عجزوا؟ أشعر أحيانًا بأن الله غاضب عليَّ، فحياتي صعبة وألمي مستمر، فأي باب أطرق؟ هل أمضي في الدعاء رغم أن الأسباب الأرضية قد انتهت؟ وكيف أقاوم هذه الأفكار التي تقول لي: «كيف سيشفيك الله دون أسباب؟». حين يشتد عليّ المرض، أستسلم وأقول: هذا قدري، وأتوقف عن الدعاء، وكأنني فقدت الأمل، فهل هذا من سوء الظن بالله؟ أم أن مرضي عقاب لي على ذنب لا أعلمه؟ أرشدوني، بارك الله فيكم.

الإجابة 01/02/2025

ابنتي العزيزة، أسأل الله العظيم، رب العرش الكريم، أن يمسح على قلبك بلطفه، وأن ينزل عليك من رحماته وشفائه ما يملأ حياتك طمأنينة وأملًا. لقد قرأت كلماتك فشعرت بصدق مشاعرك وعمق ألمك، ووالله إن الله أرحم بنا من أنفسنا، وأعلم بحالنا، وما ابتلاكِ إلا لأنه يحبك ويريد رفع درجتك في الدنيا والآخرة.

 

أيتها الغالية، إن البلاء من سنن الحياة، وهو ليس علامة على غضب الله، بل قد يكون دليلًا على محبة الله لعبده، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السُّخْطُ» (رواه الترمذي).

 

بل إن المرض يُكفّر الذنوب، ويرفع الدرجات؛ ففي الحديث الصحيح: «ما يُصِيبُ المُسْلِمَ، مِن نَصَبٍ ولَا وصَبٍ، ولَا هَمٍّ ولَا حُزْنٍ ولَا أذًى ولَا غَمٍّ، حتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بهَا مِن خَطَايَاهُ» (رواه البخاري).

 

لذلك، لا تظني أبدًا أن مرضك عقاب؛ بل هو باب لتكفير الذنوب، ورفعة لك عند الله، حتى لو كنتِ لا ترين الحكمة منه الآن.

 

ومن ناحية أسئلتك عن الدعاء، فأبشري يا ابنتي، فإن الله يحب العبد اللحوح في الدعاء، والإلحاح في طلب الشفاء ليس تعديًا مطلقًا، بل هو دليل على حسن ظنك بالله.

 

لقد ثابر أنبياء الله كثيرًا في الدعاء رغم تأخر الإجابة، فانظري إلى نبي الله أيوب -عليه السلام- الذي أصابه المرض سنوات طويلة، لكنه لم ييأس ولم يترك الدعاء، وحكى الله عنه: ﴿وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ ٱلرَّٰحِمِينَ﴾ (الأنبياء: 83)؛ فكان الجواب من الله: ﴿فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِۦ مِن ضُرٍّ﴾ (الأنبياء: 84).

 

لا تيأسي يا ابنتي، فإن الله قريب يجيب دعوة الداعي إذا دعاه، واستمرارك في الدعاء يعني أنكِ ما زلتِ على باب الكريم الذي لا يرد أحدًا.

 

أما وساوس اليأس التي تراودك، فإنما هي من الشيطان، يريد أن يقطعك عن ربك ويزرع في قلبك القنوط. لكن الله –سبحانه- يقول: ﴿إِنَّهُۥ لَا يَيْـَٔسُ مِن رَّوْحِ ٱللَّهِ إِلَّا ٱلْقَوْمُ ٱلْكَٰفِرُونَ﴾ (يوسف: 87).. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «يُسْتَجابُ لأحَدِكُمْ ما لَمْ يَعْجَلْ، يقولُ: دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي» (رواه البخاري).

 

فإياك أن تستسلمي لهذه الأفكار والوساوس، وأكثري من الأذكار، وخصوصًا الاستغفار، فإنه يجلب الفرج، كما قال الله: ﴿فَقُلتُ ٱستَغفِروا۟ رَبَّكُم إِنَّهُۥ كانَ غَفّارًا . يُرسِلِ ٱلسَّماءَ عَلَيكُم مِدرارًا . وَيُمدِدكُم بِأَموٰلٍ وَبَنينَ وَيَجعَل لَكُم جَنّٰتٍ وَيَجعَل لَكُم أَنهٰرًا﴾ (نوح: 10- 12).

 

نعم، إن المرض قدر؛ لكن الدعاء أيضًا قدر، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يردُّ القضاءَ إلَّا الدُّعاءُ» (رواه الترمذي).

 

فلا تستسلمي للمرض، بل استمري في الأخذ بالأسباب، حتى لو قال الأطباء إنه لا علاج لمرضك، فإن الله هو الشافي، ولا يعجزه شيء.

 

ولتقوية إيمانك وإحسان ظنك بالله، أنصحك بالآتي:

 

- صاحبي أناسًا يذكّرونك بالله، ويعينونك على الصبر والرضا.

 

- اجعلي لكِ وردًا يوميًّا من القرآن، فالقرآن شفاء للقلوب والأبدان.

 

- داومي على الأذكار عامة، وأذكار الأحوال خاصة.

 

- تأملي في نعم الله عليك، فحتى مع المرض لديكِ نعم عظيمة، فانظري إليها، وتفكري فيها، واحمدي الله عليها.

 

- تصدقي، ولو بشيء يسير، فإن الصدقة سبب للشفاء، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «دَاووا مَرضَاكُم بالصَّدَقَة» (رواه الطبراني).

 

ختامًا -ابنتي العزيزة- أبشري ولا تحزني، فإن الله يسمع أنينك، ويرى دموعك، ويعلم ضعفك، وهو أرحم بك من والدتك. فلا تيأسي، واصبري، واحتسبي، وكوني على يقين بأن كل لحظة ألم هي خطوة نحو الجنة، ويقول الله عز وجل: ﴿وَبَشِّرِ ٱلصَّٰبِرِينَ ٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَٰبَتْهُم مُّصِيبَةٌۭ قَالُوٓا۟ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيْهِ رَٰجِعُونَ . أُو۟لَـٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَٰتٌۭ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌۭ وَأُو۟لَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُهْتَدُونَ﴾ (البقرة: 155- 157).

 

أسأل الله أن يرزقك الشفاء العاجل، والطمأنينة الدائمة، وأن يكتب لك بصبرك، جنةً عرضها السماوات والأرض.

الرابط المختصر :