Consultation Image

الإستشارة 28/04/2025

أنا شابٌّ جامعيّ، أحبُّ الله ورسوله، وأشعر بنداء داخليّ قويّ يدفعني إلى التفرغ للدعوة إلى الله، أجد في قلبي حماسة عظيمة لتبليغ الخير، وتأثيرًا لا بأس به بين أصدقائي، ومع مرور الوقت أصبحت أشعر أن مقاعد الجامعة تُقيدني، وتؤخر انطلاقي في طريق الدعوة.. فهل أفكاري هذه في محلّها؟ وهل تركي للدراسة الجامعية لِأَتَفَرَّغ للدعوة قرار صائب؟ أم أن في الأمر موازنة أخرى لم أنتبه لها؟

الإجابة 28/04/2025

أخي المبارك، صاحب القلب الحي، والهمّ العالي، والمقصد النبيل، أنت تسأل سؤالًا يدل على حياةٍ في القلب، وغيرةٍ على دين الله، وهذا والله من أعظم البشائر، فإن النبي ﷺ قال: (من يُرد الله به خيرا يفقهه في الدين)، وليس من الفقه فقط معرفة الأحكام، بل من الفقه أن يُحسن الشابُّ تقدير المآلات، والموازنة بين المقاصد، وفهم سنن الله في التغيير والدعوة. ودعني أضع لك بين يديك ميزان الشرع والعقل لتتأمل بهدوء

 

أولًا: فَهْمُ موقعِ العِلْمِ الشرعي والدنيوي

 

الدعوة إلى الله من أعظم القُربات، بل هي وظيفة الأنبياء والرسل، لكن ليس من شرطها ترك الدراسة أو التفرغ الكامل في أول الطريق، وقد قال الله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً، فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ، وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ﴾ لاحظ كيف وزّع اللهُ الأدوار، ولم يجعل الجميع يتركون مواقعهم لينفروا، بل جعل منهم مَن يتعلّم، ومنهم مَن يبقى لخدمة الناس ودعوتهم.

 

ثانيًا: التفرغ الكامل ليس شرطًا في التأثير

 

إنّ النبي ﷺ لم يتفرغ للدعوة في أول بعثته، بل ظل يعمل، ويعول بيته، ويدعو سرًّا وعلنًا، وكان الصحابة يزاوجون بين العمل والتعلم والدعوة، أنت الآن في موقع مؤثّر، ومعك أدوات حديثة، وبيئة جامعية تحتاجك... فهل تظن أن تركك لهذا الموقع هو التمكين؟ بل قد يكون من التمكين: ثباتك، واستمرارك، وتفوقك، مع دعوتك المتزنة.

 

ثالثًا: التأسيس العلمي المتين من أبواب الدعوة القوية

 

الدراسة الجامعية -خصوصًا إذا كنت في تخصص نافع- تمكِّنك من خدمة الإسلام بلسان يفهمه العصر، وعقل يحترمه الناس.

 

العلم قوة، ومكانتك العلمية سلّم تأثير، بل قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "العلم خيرٌ من المال، العلم يحرسك، والمال أنت تحرسه، والعلم حاكم، والمال محكوم عليه".

 

رابعًا: اعرف زمانك، ووازِن في قرارك

 

أخي الكريم: نحن في زمنٍ يُحتاج فيه إلى "الداعية المهندس"، و"الطبيب الداعية"، و"الداعية التقني"، لا إلى مزيد من الانقطاع دون رصيد، وقد يكون تفرغك سببًا في ضعف الدعوة لا قوتها، إذا لم يكن خلفك علمٌ قويٌّ، ومكانةٌ معتبرة، وتأثيرٌ واقعي، واعلم بأن الحماسة وحدها لا تكفي، بل لا بد من الحكمة معها.

 

وتلك وصايا عملية أيها الداعية الجامعي:

 

1) أكمِل دراستك، فهي رصيدك العلميّ والواقعيّ، ولا تجعل الدعوة سببًا لتركها، بل وسيلة لتميّزك فيها.

 

2) استثمر منصّتك الجامعية في الدعوة، عبر لقاءات صغيرة، رسائل إلكترونية، أعمال تطوعية، أنشطة نافعة.

 

3) احرص على طلب العلم الشرعي جنبًا إلى جنب، ولو ساعة يوميًا عبر دروس العلماء الموثوقين.

 

4) كوِّن فريقًا دعويًا شبابيًا يعمل ضمن الجامعة، في أنشطة توعوية، بحكمة وعقل ومرونة.

 

5) اقرأ في سِيَر العظماء الذين جمعوا بين التخصص والدعوة، وهم كثير.

 

وفقكم الله لكل خير.

الرابط المختصر :