الإستشارة - المستشار : د. أميمة السيد
- القسم : أسرية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
65 - رقم الاستشارة : 1102
04/03/2025
أنا آنسة، دكتورة 35 سنة، اتخطبت لدكتور مطلق 42 سنة بدون أولاد. سألته عن سبب الطلاق، فقال إن طليقته كانت مهملة، ولما طلقها بعد سنة، أخذت القائمة وكل شيء، وخطب بعدها مرتين لكن لم يحدث نصيب لأن طلبات العرائس كانت كثيرة.بسبب ظروفه المادية، اتفقنا على أن السفرة والمطبخ وغرفة الأطفال في شقته (التي كان قد اشتراها مستعملة) لن تتغير، وأنه سيشتري لي غرفتين جديدتين، لكنه لن يكتب قائمة إلا بالأجهزة التي سأقوم بشرائها. كما اتفقنا على فرح صغير، ولكن منذ الخطوبة، أصبح أهله يلحّون دائمًا على موضوع كتب الكتاب.
هو كشخص، يصلي ويقرأ القرآن، ويهتم بي عندما تكون الأمور جيدة، يحضر لي الورود والهدايا مثل سلسلة فضة وأخرى ذهب بعد الخطوبة. لكن عندما بدأنا تجهيز الشقة، بدأت المشاكل في الظهور: حاول إقناعي بأن تكون الغرف التي سيشتريها مستعملة، رغم أنه كان يملك مبلغًا جيدًا (150-170 ألف). وعندما رفضت، كان يختار الأرخص بغض النظر عن الجودة، بحجة أن الأثاث قد يتعرض للسرقة أو التلف بمرور الوقت. في النهاية، اخترت أشياء تناسب إمكانياته مراعاة لظروفه، فقام بشرائها. اشتريت الثلاجة وأرسلتها إلى بيته بعد الاتفاق معه، لكنه تشاجر معي بحجة أن والدته اضطرت للانتظار لاستلامها، وكان يرى أنه يجب إعادتها أو تأجيل إرسالها حتى يكون متفرغًا.
دائمًا يسيء فهم كلامي، ويعتبره إهانة، وعندما أشرح له يقول إنه يعاني من مشكلة في الفهم. كما ينتقدني في تصرفات هو نفسه يقوم بها. سألني أكثر من مرة: "تفتكري هنكمل بعد الجواز قد إيه؟" وكان مترددًا قبل دفع ثمن الأثاث، لكنه في نفس الوقت يضغط لإتمام كتب الكتاب ويغضب عندما أقول إننا نكتبه يوم الفرح. يعاملني بالجفاء لأيام، وإذا كنت أنا من يتصل به، يعتبر ذلك أمرًا عاديًا. رفض أن يُكتب سعر البوتاجاز بالسعر الذي اشتريته به مسبقًا بحجة أنه لديه واحد يستخدمه، وعندما أصررت وافق بشرط أن يبقى في منزل أهلي حتى بعد الزواج، وأن أتحمل تكاليف نقله وتركيبه. اشترينا أنتريه، لكن أحد الكراسي جاء بلون مختلف، فطلبت استبداله، وبالفعل تم ذلك دون أي تكاليف إضافية، لكنه اعتبرني مركزة في أمور غير مهمة، وقال إنه لا يمانع العيش بأنتريه غير متناسق الألوان.
يكذب وينكر اتفاقات تمت بيننا. بعد الخطوبة، اقترحت إلغاء الفرح والاكتفاء بكتب الكتاب بسبب ظروفه، لكنه أنكر وقال إننا لم نتفق على فرح من الأساس! بعد كل ذلك، فسخ الخطوبة بحجة أننا مختلفان، وأنه يرى أن الأثاث المستعمل مثل الجديد، كما استغرب طلبنا لغرفة نوم وأنتريه بعد أن قال له أهلي في البداية: "إحنا بنشتري راجل وملناش طلبات". بعدها، اتصلت بي والدته لتهدئة الأمور، وقالت لي: "إحنا شارينك"، ثم هو نفسه اتصل بي ليطلب العودة، فوافقت بشرط أن تمتد فترة الخطوبة لنرى إن كان سيتغير أم لا. عندما جاء لزيارتي بعد العودة، طلبت أن تحضر والدته معه لتشهد أنه لن يخاصمني مجددًا أو ينكر الاتفاقات، لكنه غضب واعتبر أنني "أقلل من شأنه"، وعاد ليخاصمني!
السؤال هل يعاني من مشكلة نفسية، أم أنه فقط متخوف من الزواج بعد تجربته الأولى لأنه خسر فيها الكثير من المال؟ وإذا تزوجنا، هل من الممكن أن يتغير للأفضل عندما يطمئن لي، أم أن هذه طبيعته وسيظل كذلك؟
أختي العزيزة،
أشكرك على ثقتك في شخصي المتواضع وموقعنا للاستشارات لعرض مشكلتك، وأحيي وعيكِ في محاولة فهم الموقف بعقلانية.
من خلال ما ذكرتِه، هناك عدة محاور تستدعي الوقوف عندها بحكمة وتأمل، وسأحاول أن أفندها لكِ بعناية، حتى تصلي إلى رؤية واضحة تعينكِ في اتخاذ القرار المناسب.
أولًا: بتحليل شخصية خطيبكِ..
يبدو أنه يعاني من عدة مشكلات نفسية وسلوكية، بعضها قد يكون متأصلًا في شخصيته، وبعضها الآخر قد يكون نتيجة تجربته السابقة في الزواج، ومن هذه المشكلات:
1- القلق من الخسارة المالية:
تجربته السابقة جعلته يتبنى عقلية دفاعية تجاه الزواج، فهو ينظر إليه كالتزام مالي أكثر من كونه شراكة روحية وعاطفية. يظهر ذلك في محاولاته المتكررة لشراء الأثاث المستعمل، وانتقاده لكِ عند اختيار الأفضل، وحتى فسخه للخطوبة بحجة أنه لم يكن يعلم أن عليه شراء غرفة نوم وأنتريه!
2- لديه أيضا اضطراب في الثقة (Trust Issues)
فرفضه توثيق الاتفاقات، وإنكاره لها لاحقًا، وميله إلى تفسير كلامكِ على أنه إهانة، يدل على ضعف الثقة بالنفس وبالآخرين. كما أن سؤاله المتكرر: "تفتكري هنكمل بعد الجواز قد إيه؟" يكشف عن شكه الدائم في نجاح العلاقة.
3- أيضا يتصف بالمزاجية وعدم الاستقرار العاطفي (Emotional Instability)
وتقلب المزاج يظهر في تصرفاته المتناقضة؛ تارةً يعاملكِ بجفاء لأيام، وتارةً يرسل لكِ الهدايا، وتارةً يفسخ الخطوبة، ثم يعود ليطلب الرجوع.
في الواقع فإن هذا النمط يشير إلى صعوبة التأقلم مع ضغوط العلاقات، وربما يعاني مما يُعرف في علم النفس بـ "التجنب العاطفي" أو الـ (Emotional Avoidance).
4- قد يكون لديه أيضًا نوع من النرجسية الخفية (Covert Narcissism)
حيث يظهر في البداية بمظهر المحب والمثالي، لكنه لاحقًا يميل إلى التقليل من مشاعركِ واحتياجاتكِ.
كذلك رفضه لحضور والدته عند مناقشة العودة رغم أنه هو المخطئ، واعتباره ذلك "إهانة"، قد يكون مؤشرًا على حساسية مفرطة تجاه النقد.
ثانيًا: نأتي لاحتمالية تغيّره بعد الزواج
يا عزيزتي "الطبع غلاب" كما يقول المثل، والتغيير ليس مستحيلًا، لكنه يحتاج إلى إرادة قوية وإدراك ذاتي للمشكلة. للأسف، خطيبكِ لا يبدو مدركًا لمشكلاته، بل يُرجع كل شيء إلى اختلاف الطباع بينكما. والزواج في ظل هذا الإنكار قد يجعلكِ في صراع دائم لإثبات حقوقكِ.
يقول الإمام الشافعي:
إذا المرءُ لا يرعاكَ إلّا تكلُّفًا ** فدَعْهُ ولا تُكثِر عليه التأسُّفا
فالرجل الذي لا يبذل جهدًا لاحترام مشاعركِ في الخطوبة، من الصعب أن يكون أكثر رحمة بعد الزواج؛ لأن الخطوبة هي الفترة التي يُظهر فيها الإنسان أفضل ما لديه.
ثالثًا: والأهم فشرعًا، الزواج ميثاق غليظ، وليس مجرد علاقة مادية. وقد أوصى النبي ﷺ الرجال قائلًا: "خيرُكُم خيرُكُم لأهلِهِ، وأنا خيرُكُم لأهلِي".
فالزوج الصالح هو من يكرم زوجته، لا من يضع شروطًا تجعلها تشعر وكأنها مدينة له. وإذا كان هو يسعى لتأمين نفسه ماليًّا بشكل مبالغ فيه على حساب راحتكِ النفسية، فإن هذا لا يعكس القوامة الشرعية، بل يعكس حب الامتلاك والسيطرة.
رابعًا: من الحكمة الآن بعد كل ما مررتِ به، ما عليكِ إلا أن تسألي نفسكِ:
- هل أنا مرتاحة نفسيًّا معه؟
- هل أشعر بالأمان والطمأنينة تجاهه؟
- هل يقدرني ويحترمني كإنسانة، أم أنني مجرد "التزام مالي" بالنسبة له؟
* إذا كانت إجاباتكِ سلبية، فلا تجعلي التعلّق العاطفي أو الخوف من تأخر الزواج سببًا للبقاء في علاقة قد تؤذيكِ نفسيًّا على المدى الطويل. يقول الله تعالى: {وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْـًٔا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْـًٔا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}.
* وأخيرا نصائحي لكِ حبيبتي هي:
- الجئي إلى الاستخارة، فمن سأل الله بصدق، هداه إلى الخير.
- خذي وقتكِ في التفكير، ولا تستعجلي عقد الزواج تحت أي ضغط.
- راقبي تصرفاته جيدًا في الفترة القادمة، وإذا استمر بنفس السلوك، فربما يكون القرار الحكيم هو الانسحاب بهدوء.
- ومن الأمور المهمة جدًّا.. إن أمكن! أن تصلوا أنت وأهلك (بدون علمه) لكل من يتعامل معهم في محيطه السكنى والعملي، وكذلك مطلقته للسؤال عن سلوكياته وطباعه جيدًا وأيضًا عن أسباب الطلاق الحقيقية والتي غالبًا لم يذكرها هو لكِ.
- بعد كل المعطيات السابقة، أرى أن هذا الخطيب غير مناسب لك، وإن أكملت زيجتك منه فسوف تتعبين.
أنت اليوم تملكين حريتك التي تستخدمينها بشكل سليم ويرضي الله عز وجل، فربما بعد ذلك لا تستطيعين تملكها في ظل عشرتك لشخصية مثله.. فبعد هذا الصبر على اختيار شريك لحياتك، إن لم تحظي بشخص يقدرك ويحبك ويبذل من أجلك، فلا داعي لهذه الزيجة المرهقة نفسيًّا.
* وهمسة أخيرة لقلب أختي الحبيبة:
في النهاية بعد قدر الله تعالى، القرار بيدكِ، لكن احرصي على مستقبلكِ النفسي والعاطفي. فأنتِ حبيبتي إنسانة تستحق التقدير والاحترام، والزواج يجب أن يكون مصدر سكينة لا سببًا للقلق والتوتر. فلا تقبلي بأقل مما تستحقين، وتذكري أن العبرة ليست في الزواج نفسه، بل في الزواج السعيد الذي يمنحكِ الاستقرار النفسي ويكفي احتياجاتك المادية والنفسية.
أسأل الله أن يرزقكِ الخير حيث كان، وأن يمنحكِ الطمأنينة والسكينة في قراراتكِ.