«يا رب خذني».. هل أحاسب على كلماتي في لحظات الضيق؟

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. فتحي عبد الستار
  • القسم : الفتور والضعف
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 154
  • رقم الاستشارة : 2237
02/08/2025

أوقات الضيق الشديد، أقول في نفسي عبارات مثل: "يارب خذني"، أو "لماذا خلقتني؟"، ثم أندم فورًا وأبكي وأستغفر، لأنني لا أقصد الاعتراض، بل كنت تحت ضغط نفسي شديد.

هل تُكتب عليّ هذه الكلمات كذنوب؟

وهل الدعاء على النفس يُستجاب إن صدر في لحظة ضعف؟

وكيف أُربّي لساني على الرضا حتى في أشد اللحظات ألمًا؟

الإجابة 02/08/2025

مرحبًا بك أختي الكريمة، وشكرًا جزيلاً على ثقتكِ الغالية ومراسلتك إيانا. وأسأل الله –سبحانه- أن يشرح صدركِ، ويُيسر أمركِ، ويُزيل همّكِ وغمّكِ، ويملأ قلبكِ سكينة ورضا، وبعد...

 

فإنِّي أتفهم تمامًا ما تمرّين به من ضيق نفسي شديد يجعلكِ تتلفظين بكلمات لا تقصدينها، ثم تندمين عليها فورًا. وإن الندم والاستغفار دليل على قلبٍ حيٍّ مؤمنٍ يخاف الله ويخشاه. وكل ابن آدم خطّاء، وخير الخطّائين التوابون. إنها لحظات ضعف إنساني طبيعية قد يمر بها أي إنسان تحت وطأة الضغوط، ولكن المهم هو ما يعقب هذه اللحظات من توبة ورجوع إلى الله.

 

هل تُكتب عليَّ هذه الكلمات ذنوبًا؟

 

أختي الفاضلة، إن الله -عز وجل- واسع المغفرة، رحيم بعباده، وهو يعلم ما تخفيه الصدور وما تعلنه الألسنة. والنية لها الأثر الأكبر في الحكم على الأقوال والأفعال. ما دمتِ لا تقصدين الاعتراض على قدر الله أو التسخط على قضائه؛ وإنما هي زلات لسان ناتجة عن ضغط نفسي شديد، فإن الله –تعالى- يُرجَى ألا يؤاخذكِ عليها.

 

قال الله تعالى: ﴿لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ﴾ [البقرة: 225]. هذه الآية وإن كانت تتحدث عن لغو اليمين، إلا أنها تحمل في طياتها قاعدة عظيمة في الشريعة الإسلامية، وهي أن الله –تعالى- لا يؤاخذ على ما يصدر دون قصد أو نية، خصوصًا إذا كان مجرد لغو أو سبق لسان. وقلبكِ الذي يمتلئ بالندم والاستغفار هو خير شاهد على أنكِ لم تقصدي السوء.

 

وقد جاء في الحديث الشريف أن النبي ﷺ قال: «إن الله تجاوز عن أمتي ما وسوست به صدورها، ما لم تعمل أو تتكلم» [متفق عليه]. فما دامت هذه الكلمات مجرد نتاج لوضع نفسي صعب وليست اعتقادًا راسخًا أو اعتراضًا مقصودًا، وبعدها ندمٌ وتوبة، فالله أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.

 

هل الدعاء على النفس يُستجاب؟

 

المسلم منهي عن الدعاء على نفسه بالشر، سواء بالموت أو بغيره، وقد وردت أحاديث تحذر من ذلك. فعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله ﷺ: «لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاء فيستجيب لكم» [رواه مسلم].

 

ولكن هذا التحذير موجَّه في الأساس لمن يدعو على نفسه عن قصد وتأثيم. أما في حالة الضعف الشديد والضيق الذي ذكرتِه؛ فالله يعلم ضعف الإنسان وحاجته.

 

إن الدعاء في لحظة ضعف شديد قد لا يكون عن يقين أو إرادة حقيقية لحدوث الشر؛ بل هو تنفيس عن ألم عميق. فإذا كان الدعاء ناتجًا عن ضيق شديد وفوران نفس، ولم يصاحبه إصرار أو اعتقاد، وكان عقب ذلك ندم وتوبة؛ فالله تعالى برحمته قد لا يستجيب لدعاء الشر الصادر في تلك اللحظات.

 

إن رحمة الله -سبحانه وتعالى- وسعت كل شيء، وهو أدرى بقلوب عباده ونياتهم. فما دمتِ تندمين وتستغفرين، فهذا دليل على أن هذه الكلمات لم تكن عن إصرار على هذا الدعاء بالشر؛ بل عن لحظة ضعف عابرة.

 

كيف أُربّي لساني على الرضا؟

 

تربية اللسان على الرضا؛ خصوصًا في أوقات الشدة، هو من أعظم مراتب الإيمان، ويحتاج إلى مجاهدة عظيمة للنفس والتعلق بالله تعالى. وإليكِ بعض الخطوات التي قد تعينكِ بإذن الله:

 

1- قوة اليقين بقدر الله وحكمته:

 

اعلمي أن كل ما يصيبكِ هو بقضاء الله وقدره، وأن الله لا يقضي للمؤمن إلا خيرًا. حتى في البلاء، هناك حكمة لا ندركها، وأجر عظيم إذا صبرنا واحتسبنا. قال تعالى: ﴿وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 216].

 

2- التدبر في نعم الله الكثيرة:

 

عندما يشتد الضيق، قد ننسى النعم التي نغرق فيها. حاولي أن تتذكري نعم الله عليكِ، مثل: الصحة، احتضان الأهل، الأمن، وغيرها كثير. هذا الاستشعار للنعم يولد شعورًا بالرضا والامتنان، ويخفف من وطأة الألم. قال تعالى: ﴿وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ الْإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ﴾ [إبراهيم: 34].

 

3- الاستعانة بالصبر والصلاة:

 

الصلاة هي عماد الدين ونور المؤمن. عند الضيق، الجئي إلى الصلاة والدعاء، فهي ملاذ المؤمن وراحته. قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [البقرة: 153].

 

4- كثرة الذِّكر والاستغفار:

 

ذِكر الله يطمئن القلوب، والاستغفار يمحو الذنوب ويجلب الرزق ويفرج الكروب. اجعلي لسانكِ رطبًا بذكر الله. قال تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ [الرعد: 28].

 

5- تذكر الأجر العظيم للصابرين:

 

البلاء يكفّر الذنوب ويرفع الدرجات. عندما تتذكرين أن الله أعد للصابرين أجرًا عظيمًا بغير حساب، يهون عليكِ كل ألم. قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ [الزمر: 10].

 

6- الدعاء والالتجاء إلى الله:

 

لا تيأسي من الدعاء؛ فالله قريب مجيب. ادعيه بيقين وثقة بأن الفرج قريب. اجعلي دعاءكِ مملوءًا بالرضا والتسليم، حتى لو كان قلبكِ يتألم. قولي: "اللهم إني أسألك الرضا بعد القضاء"، "اللهم إني أسألك برحمتك ما تقضي به حاجتي".

 

7- مصاحبة الصالحين وقراءة سيرتهم:

 

مجالسة من يُذكّركِ بالله والصابرين يزيد من إيمانكِ ويقوي عزيمتكِ. اقرئي عن قصص الأنبياء والصالحين وكيف صبروا على البلاء، تجدين في ذلك قدوة وعزاء.

 

يقول الله عز وجل: ﴿واصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ والْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وجْهَهُ ولا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا ولا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا واتَّبَعَ هَوَاهُ وكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ [الكهف: 28]. وقال ﷺ: «الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَليلِه؛ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخالِلْ» [رواه أبو داود].

 

وختامًا أختي الكريمة، تذكري أن هذه الدنيا دار ابتلاء وامتحان، وأن الآخرة هي دار القرار والراحة. أسأل الله أن يرفع عنكِ كل ضيق، وأن يملأ قلبكِ سكينة وطمأنينة ورضا بقضائه، وتابعينا بأخبارك.

الرابط المختصر :