أؤجل كثيرًا ثم أبدع بعد الانطلاق!!!

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : د. أميمة السيد
  • القسم : الشباب
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 62
  • رقم الاستشارة : 3086
27/10/2025

سؤال موجَّه إلى الدكتورة المستشارة الفاضلة: أنا من الأشخاص الذين يحبون العمل ويبدعون فيه متى ما بدأوا، لكن مشكلتي أنني أجد صعوبة في البداية. كل عمل جديد يجعلني أشعر بالخوف والتردد والاختناق، فأؤجل وأتهرب، وكأن الخطوة الأولى جبل لا أستطيع تجاوزه.

لكن ما إن أبدأ -غالبًا تحت ضغط المدير أو بعد صراع داخلي- حتى أندمج تمامًا وأبدع في الإنجاز بكل طاقتي. ومع ذلك، بعد الاندماج لا أستطيع التوقف، أندفع بحماس شديد حتى أرهق نفسي وأصل إلى مرحلة الإنهاك التام، وأحيانًا أُصاب بالتعب الجسدي أو المرض. حتى في أعمال المنزل أعيش النمط نفسه: تردد طويل قبل البداية، ثم اندفاع مفرط بعد الانطلاق.

دكتورة، ما تفسير هذا السلوك؟ هل هو نمط إداري وسلوكي شائع يمكن ضبطه بالتدريب وتنظيم الوقت؟ أم أنه مرتبط بجانب نفسي يحتاج إلى معالجة أعمق؟ وكيف يمكنني أن أتعلم البدء بثقة وهدوء، وأوازن بين الحماس والإرهاق حتى لا أُنهك نفسي بعد كل إنجاز؟

الإجابة 27/10/2025

أختي العزيزة، سؤالك يعكس وعيًا راقيًا بنفسك، وهو في حد ذاته نصف طريق العلاج؛ لأن إدراك النمط السلوكي وفهمه بعمق يفتح باب التغيير الإيجابي.

 

قلق البدء

 

ما تصفينه هو حالة شائعة في علم النفس تُعرف بما يسمى "قلق البدء" (Initiation Anxiety)، وهو مزيج من الخوف من الفشل ونزعة الكمال. فالإنسان الذي يضع لنفسه معايير عالية جدًّا يشعر أحيانًا أن أول خطوة يجب أن تكون مثالية فيتردد ويؤجل؛ ظنًا منه أن التأجيل يُبعد عنه الإخفاق.

 

لكنه حين يبدأ، تتفجر طاقته الإبداعية، فيندفع بقوة زائدة ليعوّض وقت التردد، فيقع فريسة الاحتراق النفسي أو الإنهاك الجسدي والعاطفي.

 

التدريب على المرونة النفسية

 

هذه الازدواجية -التردد قبل البداية، والاندفاع بعد الانطلاق- تُظهر شخصية ضميرية عالية، تميل إلى الالتزام والإتقان، لكنها بحاجة إلى التدريب على المرونة النفسية (Psychological Flexibility)، أي أن تتقبل أن البدايات لا يلزم أن تكون مثالية، وأن التدرج والتوازن هما سر النجاح المستدام.

 

وقد قال تعالى: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ﴾، وفي هذا توجيه رباني بأن المهم هو العمل الصادق لا الكمال المطلق، فالدخول في العمل ببداية صادقة، خير من التردد الذي يُضيّع العمر.

 

ضبط النمط

 

ولضبط هذا النمط أنصحك بالآتي:

 

1- التجزئة والتدرّج:

 

قسّمي أي مهمة إلى خطوات صغيرة جدًّا، وابدئي بخطوة بسيطة لا تُشعرك بالخوف. فالعقل يتعامل مع "بداية صغيرة" كأمر يسير فيتجاوز مقاومته الطبيعية.

 

2- التنشيط السلوكي (Behavioral Activation):

 

ضعي قاعدة ذهبية لنفسك: "ابدئي ولو لخمس دقائق فقط"، فالمخ يبدأ بعد الفعل لا قبله، وحين تشرعين في التنفيذ تتراجع مشاعر القلق تلقائيًّا.

 

3- التدريب على ضبط الحماس:

 

بعد البدء والاندماج، ضعي فواصل زمنية إجبارية للراحة، حتى لا يتحول الحماس إلى إنهاك.

 

4- إعادة بناء الأفكار:

 

ذكّري نفسك بأن كل بداية تحمل شيئًا من الارتباك، وأن الخطأ لا يعني الفشل بل هو خطوة في مسار النضج والاحتراف.

 

5- عليك أيضًا بتقدير الذات الواقعي الصحي (Healthy Self-Esteem):

 

امدحي نفسك على مجرد "البدء" لا على "النتيجة"، فذلك يعيد برمجة الدماغ على أن الجهد مقدَّر بحد ذاته.

 

كما أوصيك حبيبتي بتسبيح السيدة فاطمة الزهراء رضى الله عنها، في ليلة ما إذا كان عليك مهام شاقة صباحًا، فقد علّمها إياه رسول الله هي والسيدة عائشة رضي الله عنها: "ألا أدلكما على خير مما سألتما؟! فهي خير لكما من خادم".

 

واطمئني غاليتي، لستِ وحدك في هذا، فالكثير من المبدعين يعيشون هذا النمط، لكنه يُضبط بالتدريب والتدرّب على التوازن.

 

* همسة أخيرة:

 

تحرري من شعور التكبيل، وابدئي بخطوة، فالله تعالى يُبارك في كل عمل نُخلص فيه النية ونحفظ فيه أنفسنا من الإفراط والتفريط.

 

روابط ذات صلة:

كيف تقاوم التردد؟

كيف أستعيد ثقتي بنفسي وأتجاوز التردد أمام الناس؟

الرابط المختصر :