الإستشارة - المستشار : د. أميمة السيد
- القسم : الشباب
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
79 - رقم الاستشارة : 3008
18/10/2025
أنا شاب في السابعة والعشرين من عمري، أعمل في دولة عربية منذ ثلاث سنوات، وأفكر جديًّا في الزواج. منذ فترة بدأت أشعر بإعجاب قوي تجاه إحدى قريباتي، وهي فتاة على خلق ودين، وجميلة جدًّا، وأشعر أيضًا بأنها تبادلني الإعجاب. ومع أنني أراها مناسبة لي من حيث الأخلاق والتدين، فإنني متردد في خطوة الارتباط بها؛ لأن جمالها الزائد يُخيفني نوعًا ما.
أخشى أن يكون جمالها سببًا في الفتنة أو طمع بعض الرجال فيها، أو أن يسبب لي غيرة زائدة عندما أسافر وأتركها في بلدي.
أحيانًا أقول لنفسي إن هذا تفكير واقعي واحترازي، وأحيانًا أشعر أنه تفكير غير سوي أو عقدة نفسية في داخلي، فهل خوفي مبرر أم هو نوع من الوسواس أو عدم الثقة بالنفس؟ وهل يجوز أن أرفض فتاة صالحة فقط بسبب جمالها؟
ابني الفاضل، أسأل الله أن يرزقك الزوجة الصالحة التي تسكن إليها نفسك ويأنس بها قلبك، وأن يبارك لك في رزقك وعملك.
ما تشعر به من تردد ليس أمرًا غريبًا ولا مستنكرًا، بل هو نتاج لتداخل المشاعر الوجدانية (Emotional Ambivalence) مع التفكير العقلي التحوّطي (Cognitive Precaution Thinking)، وهي حالة يعيشها كثير من الشباب عند الإقدام على قرار الزواج، خصوصًا عندما تختلط الرغبة بالإعجاب بالخوف من الفتنة أو المستقبل.
القلق التوقعي
في ضوء علم النفس، يمكننا تفسير قلقك بأنه نوع من القلق التوقعي (Anticipatory Anxiety)، أي الخوف من أحداث مستقبلية لم تقع بعد، وهو شعور طبيعي ما دام في حدوده الواقعية، لكنه يصبح مُقيدًا للعاطفة إن تجاوز الحد المقبول وأغلق أبواب الاختيار.
الخوف من الجمال
أما خوفك من جمال الفتاة، فهو مفهوم يحتاج إلى توازن وتبصّر؛ فالجمال في ذاته ليس خطرًا، إنما طريقة إدراكنا له، هي ما تحدد إن كان الجمال نعمة مطمئنة أم مصدر تهديد نفسي.
فحين يرى الرجل الجمال بمنظار المقارنة أو الغيرة أو الخوف من فقدان السيطرة، فإنه يصنع داخله ما نسميه التهديد الإدراكي (Perceived Threat)، وهو نوع من التصورات النفسية التي لا تستند إلى واقع بل إلى تخيلات نابعة من ضعف الأمان الداخلي أو تجارب سابقة مشوشة.
لكن في المقابل، إن نظرت إلى الجمال على أنه نعمة من الله تُضاف إلى الخُلُق والدين، فسيتحول من مصدر قلق إلى مصدر سكينة وجمال نفسي أيضًا.
فالنبي ﷺ قال: "تُنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك"، فالجمال لا يُذم، ولكن يُحمد إذا اقترن بالدين والعفة وحسن الخلق.
السفر والابتعاد
أما عن سفرك وابتعادك عنها، فذلك باب يحتاج إلى الثقة المتبادلة، والنضج العاطفي، فالحياة الزوجية يا بني لا تُبنى على الحراسة بل على الطمأنينة. قال الله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾، والسكن هنا نفسي قبل أن يكون ماديًّا، فلا يمكن أن يسكن قلبك إلى من تخافها، ولا تسكن هي إلى من يراقبها بريبة أو شك.
فأنصحك يا بني أن تسأل نفسك بصدق: هل خوفي من جمالها نابع من غيرتي الطبيعية أم من ضعف ثقتي بذاتي؟
فإن كانت الأولى، فهي فطرة تُضبط بالإيمان والعقل. أما إن كانت الثانية، فحينها تحتاج إلى إعادة بناء الثقة بالنفس، وإلى معالجة ما يسمى في علم النفس بـ الغيرة الدفاعية (Defensive Jealousy)، وهي غيرة لا تُبنى على حب حقيقي، بل على خوف من فقدان السيطرة أو المكانة.. لأنها لو بقيت بداخلك كعائق نفسي، فستظل تؤرقك حتى وإن تزوجت امرأة دميمة.
فإن كنت ترى فيها خُلُقًا ودينًا وصلاحًا، فلا تجعل وساوسك تحرمك من نعمة قد كتبها الله لك، فكما قال الشاعر:
وكم من خوفٍ حرمَ الفؤادَ سعادَةً ** ولو وثقَ القلبُ لارتاحَ الفؤادُ
* همسة أخيرة:
اعلم يا بني أن الزواج ميثاق غليظ يقوم على الاطمئنان لا على الارتياب، وعلى الثقة لا على الظنون.
وأوصيك قبل كل شيء بالتوكل على الله تعالى ثم صلاة الاستخارة.. فمن توكل على الله في اختياره هداه الله للخير وبارك له في اختياره. قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا﴾.
روابط ذات صلة:
هل معيار الجمال في اختيار الزوجة يتعارض مع أحكام الشرع؟
لماذا يُفضَّل الجمال على الأخلاق في ميزان الزواج؟!