أمي دائمة الشجار مع ابنتي الكبيرة!

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : د. أميمة السيد
  • القسم : المراهقون
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 216
  • رقم الاستشارة : 2256
02/08/2025

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

أنا أب لأسرة صغيرة، وعندي بنت عمرها 16 سنة، وهي أكبر إخوتها. والدتي -جدتها- ست كبيرة في السن، وعايشة معانا في نفس البيت من فترة، وأنا مسؤول عنها بالكامل بعد وفاة والدي، وهي بطبعها عصبية ومزاجها صعب شوية، وبتحب تكون المسيطرة على كل شيء حوالينها، حتى في تربية أولادي.

المشكلة الكبيرة إن الخلافات بقت متكررة جدًا بينها وبين بنتي الكبيرة، وكل يوم فيه مشادة أو زعل. مثلًا، مرة بنتي كانت بتذاكر في الصالة، فجدتها قالتلها تقوم تقعد في أوضتها علشان هي عايزة تسمع التلفزيون بصوت عالي، ولما بنتي حاولت توضح إنها عندها امتحان وبتحتاج تركيز، اتهمتها إنها "بتتنكّر من البرّ" وإنها "بتتكبر" وما بتسمعش الكلام. بنتي اتضايقت جدًا وسكتت، لكن بعدها بقت بتهرب من الكلام معاها.

وفي موقف تاني، بنتي كانت لابسة لبس مناسب جدًا وخارجة مع مامتها مشوار، جدتها شافتها وقالتلها: "رايحة فين كده؟ هو دا لبس بنات محترمة؟"، مع إن اللبس فعلاً ماكانش فيه حاجة، لكنه ماعجبش ذوق جدتها. بنتي بكت وقتها، ورفضت تخرج، وقالتلي بعدها إنها بتحس إنها مش مرغوبة في البيت.

أنا بين نارين: أمي اللي لازم أراعيها وأحترمها، وبنتي اللي بتتأثر نفسيًّا جدًا، وبقيت بلاحظ عليها عزلة، وقلة كلام، وحتى ابتعدت عن الصلاة فترة، وبتقولي إنها "مش طايقة البيت". أنا مش عايز أظلم أي طرف، ومش عارف أتصرف ازاي من غير ما أزعّل والدتي، وفي نفس الوقت خايف البنت تتكسر أو يتشوّه إحساسها بالأمان داخل بيتها. أرجو من حضرتك إرشادي وتوجيهي التربوي والنفسي، ولكم جزيل الشكر.

الإجابة 02/08/2025

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته..

 

أحييك أيها الأب الكريم، على هذه الروح الأبوية اليقظة، وهذا التوازن النبيل الذي تحاول أن تحفظه بين برّك بوالدتك، ورحمتك بابنتك، وهذا بحد ذاته نُبل أخلاقي وتربوي لا يُستهان به.

 

لكن اسمح لي أن أوضح لك أن ما تعانيه الآن هو إحدى صور "الصراع بين الأجيال"، وهو أمر شائع حين تتباين أنماط التفكير والسلوك بين كبار السن والمراهقين، لا سيّما حين يعيش الطرفان تحت سقف واحد، دون أدوات تواصل ناضجة أو حدود واضحة.

 

أولًا: نظرة تحليلية للموقف:

 

ما ذكرته يدل بوضوح أن ابنتك تمر بمرحلة عمرية دقيقة، وهي مرحلة المراهقة الوسطى (Middle Adolescence)، التي تتميز بالحساسية الزائدة تجاه الكرامة، والسعي نحو الاستقلال، وتكوين الهوية الذاتية (Identity Formation)  وهي من المفاهيم الأساسية في علم النفس التنموي.

 

وفي المقابل، والدتك -حفظها الله- تنتمي لجيل تربّى على الصرامة، وربما على الفهم التقليدي للاحترام، حيث يُترجم الصمت والطاعة والامتثال التام على أنهما معيار البر الوحيد.

 

وبين الطرفين، تقع أنت كجسر إنساني وأبوي، يحتاج أن يكون واعيًا ومرنًا.

 

ثانيًا: قول والدتك: بأن ابنتك "تتنكّر من البرّ" حين تطلب حقها في المذاكرة أو في اللباس اللائق، قد يُحمِّل الابنة شعورًا مبكرًا بـالذنب المرضي، ويُشوش مفهوم البر في وعيها، لتظن أن البرّ معناه التنازل عن كيانها وهويتها، وهنا يصطدم البر بالحدود النفسية.

 

وهنا أذكّرك بقول النبي ﷺ: "إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه، قالوا: يا رسول الله، وكيف يلعن الرجل والديه؟ قال: يسبّ أبا الرجل فيسبّ أباه، ويسبّ أمّه فيسبّ أمّه".

 

أي أن المعاملة الجارحة أو الظالمة، وإن كانت من كبير، قد تجرّ من الصغير رد فعل مسيئًا، فيتحمّل الكبير وزره دون أن يدري.. وهذا الذي لا نريد أن نصل إليه إطلاقًا في معاملة والدتك بابنتك، وبالطبع لا تتمناه أنت.

 

لكن البرّ أيضا لا يعني الإلغاء، ولا السكوت على الأذى، فرغم أن بر الوالدين هو مفتاح الجنة، فإن البر لا يعني أن نترك ابنتنا تنهار نفسيًّا، أو تتشوّه في إحساسها بذاتها.

 

ثالثًا: ما تعانيه ابنتك نفسيًّا، من خلال ما وصفته، يُظهر أن ابنتك بدأت تدخل في نفق الإجهاد الانفعالي المزمن، وربما شعورها بالرفض المتكرر أدّى إلى اهتزاز في صورتها الذاتية.

 

وقد يكون انسحابها من التفاعل، وبكاؤها، وحتى بُعدها عن الصلاة، من مؤشرات الانطفاء النفسي (Emotional Burnout)  أو حتى الـSubclinical Depression أي بدايات اكتئاب غير مكتملة الأعراض لكنها تنذر بالخطر.

 

* ولذا وجب هنا التدخل بالحل التربوي والنفسي كالآتي:

 

1- لا بد من وضع وتحديد أدوار وحدود..

 

فمن المهم جدًّا أن يتم وضع قواعد واضحة للتعامل، تحفظ كرامة الابنة، وتُشعر والدتك بالاحترام. لا بد أن تُقال بطريقة حازمة ولكن مهذبة جدًّا، بأن "فلانة الآن في مرحلة تحتاج مساحة، ولا مانع من أن نسمع رأيك يا أمي، لكن دون جرح أو توبيخ".

 

2- من الضرورى حديثك المنفصل مع الطرفين..

 

اجلس مع والدتك على حدة، وافهم منها ما يضايقها تحديدًا، ولكن حاول توعيتها أن التربية اليوم ليست كما كانت من 40 عامًا، وأكد لها أنه أمر طبيعي لأن أبناءنا خلقوا لزمان غير زماننا. وأن كلماتها تؤثر نفسيًّا تأثيرًا بالغًا على ابنتك، وأن ها ليس تحيزًا لابنتك، وإنما هو تقدير لمعزة حفيدتها في قلبها هي شخصيًّا.

 

وفي الوقت نفسه، كن حضنًا لابنتك، تحدث معها حديثًا بالغ النضج، وقل لها إنك تراها وتفهم ما تشعر به، وإنك تحاول حمايتها من أي أذى، ولكن بأسلوب لا يُشعر جدّتها بالتهميش.. فكن حذرًا.

 

3- من المهم أيضًا أن تقوم بتفعيل المشاركة بدلا من المواجهة:

 

أي بدلًا من أن تكون العلاقة ندّية، اجعل ابنتك تُشارك جدتها في نشاطات بسيطة، مثل ترتيب الأرفف، أو مساعدتها في أمور خفيفة، لتُبنى العلاقة من جديد على "الألفة" بدل "التحكم".

 

4- يجب أيضًا أن تراعي العناية النفسية المتوازنة للطرفين..

 

تابع مع ابنتك سلوكياتها في المدرسة، ونومها، وعلاقاتها، وإن استمرّت في الانسحاب أو ظهرت أعراض مثل العصبية، أو تراجع التحصيل، أو الميل للانطواء، أنصحك بعرضها على أخصائية نفسية تربوية لمجرد التقييم، ليس بالضرورة لعلاج طويل، ولكن لحماية نموها النفسي من التعرّض لتشوّه دائم.

 

5- أوصيك بالدعاء ثم الدعاء..

 

فلا يُصلح القلوب إلا خالقها؛ فادعُ لوالدتك وابنتك بأن يُلهمهما الله الصبر والرفق، وادعُ لنفسك بالحكمة التي قال الله عنها: ﴿يُؤتِي الحِكمَةَ مَن يَشاءُ وَمَن يُؤتَ الحِكمَةَ فَقَد أُوتِيَ خَيرًا كَثيرًا﴾.

 

* وهمسة أخيرة للأب الحائر:

 

تذكّر دائمًا أن العدل بين الأجيال عبادة، وأن الله لا يرضى ظلمًا، لا من صغير ولا من كبير. واحذر أن تكون أنت –من حيث لا تشعر– سببًا في أن تفقد ابنتك ثقتها بنفسها، أو أن تفقد والدتك برّك. كن أنت الدفء الذي يجمع بين قلبين فرقت بينهما أيديولوجية زمنية.

الرابط المختصر :