الإستشارة - المستشار : د. أميمة السيد
- القسم : الشباب
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
51 - رقم الاستشارة : 2152
20/07/2025
السلام عليكم دكتورة، أنا مشكلتي مش سهلة عليّ ومحتاجة فيها مشورتك بصدق...
أنا بنت عندي 17 سنة، وخلصت امتحانات الثانوية العامة من كام يوم... والحمد لله، ربنا وفقني، وأحلامي كبيرة إني أكمل دراستي في كلية قوية ومحترمة، وأحقق ذاتي، وأكون إنسانة ناجحة، وأفرّح أهلي بنجاحي وتعبي.
بس في حاجة معلقة قلبي وعقلي ومخلّياهم مش عارفين يتفقوا...
أنا مخطوبة لابن عمي، إنسان محترم، بيحبني بجد، وأهله وأهلي موافقين عليه، وهو مصر إننا نتجوز بعد ما أتم 18 سنة مباشرة – يعني بعد كم شهر بس – وبيقول لي: "مش همنعك من التعليم، كملي دراستك بعد الجواز، وأنا هساعدك."
كل الناس حواليّ بتنصحني إني ما اتجوزش دلوقتي، حتى لو كان بيحبني، وبيقولوا إن الجواز هيغيّر كل حاجة، وإن المسؤوليات هتضغطني ومش هعرف أركز، وده يمكن يأثر على مستقبلي.
بس في نفس الوقت، أنا مش عايزة أخسره، وخايفة يفتكر إني مش واثقة فيه، أو إني بتهرب من الارتباط بيه، خصوصًا إنه مستعجل ومتمسك بيا جدًا.
أنا مش ضد الزواج، ولا ضد إني أكون زوجة، بس خايفة إني أندم بعدين... خايفة أحلم حلمين، وماعرفش أحقّق غير واحد فيهم...
أكمل دراستي؟ ولا أبدأ حياتي مع شخص بيحبني ومتمسك بيا؟
أنا بجد تايهة، محتاجة حد يوجهني بالعقل والدين والخبرة...
هل أقدر أوازن بين الجواز والدراسة فعلاً؟
ولا الأحسن أأجل خطوة الزواج لحد ما أحقق هدفي الدراسي وأقف على رجلي؟
أنا محتاجة ردك دكتورة، وبأمانة... لأني مش عايزة أخد قرار أندم عليه طول عمري.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، يا زهرة في ربيع عمرها..
قرأت كلماتكِ التي تنبض بالنُضج رغم حداثة السن، ولامستُ ما في قلبك من صدق وحيرة..
فأنتِ تقفين الآن عند مفترق طرق مهمّ، بين الحلم العلمي، والحلم العاطفي، وهذا طبيعي ومشروع في مثل مرحلتك.
وأطمئنك حبيبتي.. بدايةً إن مجرد وعيك بالسؤال، وطلبك للمشورة، يعني أنكِ فتاة مسؤولة، وتسيرين في الطريق السليم.
أولًا: ما تعيشينه الآن هو أمر طبيعي، وعلم النفس التربوي والأسري يُدرج حالتك تحت ما يسمى Conflict of Dual Developmental Tasks، أي صراع بين مهمّتين نمائيّتين في مرحلة المراهقة المتأخرة، وهما:
١- تحقيق الهوية الذاتية الأكاديمية.. أي أن تبني مستقبلك العلمي والمهني وتحقيق ذاتك.
٢- بناء العلاقة العاطفية المستقرة.. طبعًا عبر الخطوبة والزواج، وهو أيضًا احتياج إنساني فطري.
ووجود التداخل بين المسارين قد يسبب القلق والحيرة، وهذا لا يُعد ضعفًا، بل هو نضج إدراكي يحتاج فقط إلى توجيه.
ثانيًا: ولذلك هنا سوف نحكم ديننا الحنيف أولاً حتى لا نضل الطريق المستقيم..
والإسلام لم يعارض الزواج المبكر، ولكنه أيضًا لم يفرضه في وقت قد يتعارض فيه مع تحقيق الاستعداد النفسي والاجتماعي للفتاة.
قال رسول الله ﷺ: "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملًا أن يتقنه"، والإتقان في اتخاذ القرار لا يكون بالعاطفة فقط، بل بالتقدير الدقيق لعواقب الأمور.
ثالثًا: من المؤكد أنك سألتِ نفسك: هل يمكن الجمع بين الزواج والدراسة؟
وبالطبع كانت الإجابة بنعم، فمن الناحية النظرية يمكن الجمع بين الزواج والتعليم، ولكن من الناحية الواقعية – كما يُقر علماء النفس الأسري – فالأمر يعتمد على:
- نمط العلاقة بين الطرفين.. هل تقوم على الدعم أم على السيطرة؟
- ثم قدرة الشريك على الالتزام بدعمه لك.
- كذلك بيئة الأسرة بل العائلة الجديدة ومدى احترامها لاحتياجاتك الأكاديمية.
- والأهم هو الاستعداد النفسي لتحمّل أدوارك المزدوجة كزوجة وطالبة.
وهذا ما نُسميه في التربية النفسية Cognitive Readiness for Dual Roles، أي الاستعداد العقلي لتحمّل مسؤوليتين متزامنتين دون أن تنهار إحداهما.
وغالبًا – وخصوصًا في السنوات الجامعية الأولى – يواجه كثير من الفتيات المتزوجات حديثًا ضغوطًا كبيرة تعرقل المسار الأكاديمي، خاصة إذا لم تكن الأسرة داعمة بشكل كافٍ، أو إذا طرأت ظروف الحمل، أو الغربة، أو الخلافات الزوجية.
رابعًا: ماذا تفعلين الآن؟ وكيف تتخذين القرار؟
لا أحد يستطيع أن يقرر بدلاً منك، ولكن المستشارة تُساعدك على الرؤية بوضوح قبل أن تختاري.
* وإليكِ هذه النقاط كخطة تفكير منطقي:
- اسألي نفسك بصدق:
لو اضطررت يومًا إلى أن أختار بين استكمال تعليمي أو التفرغ للبيت، فأيّهما سأرضى أن أضحّي به؟
هذا ما يُسمى في علم النفس التربوي بـ Personal Value Hierarchy، أي ترتيب القيم الذاتية.
- اطلبي من خطيبك أن يُثبت دعمه لكِ..
ـ هل مستعد أن يُوقّع على تعهّد عرفي مع أسرتك بأن يسمح لك بالالتحاق بالتعليم الجامعي بعد الزواج حتى الانتهاء منه؟
ـ هل سيشارك في الأعباء المنزلية إذا تزامنت الاختبارات مع مسؤوليات البيت؟
واعلمي بأن الوعود وحدها لا تكفي، بل الضمانات العملية.
- تحدّثي مع نفسك لا عن "الخوف من ضياع الفرصة"، بل عن "حقّك في بناء ذاتك أولًا".
أنت لا ترفضين الزواج، بل تؤجلين الخطوة لحين اكتمال استعدادك. فلا تتعجلي في اتخاذ قرارك.. فمن تعجل الشيء قبل أوانه، عوقب بحرمانه، فتريثي واستخيري الله عز وجل حتى لا تخسري الأمرين.
* همسة أخيرة لابنتي:
ابنتي الحبيبة، قلبي معك، وعقلي ينصحك: لا تتخذي القرار خوفًا من خسارة إنسان، بل رغبة في كسب نفسك أولًا.
إن كان يحبك حقًّا، فسيحترم أحلامك، ويصبر معك. و"التأجيل الحكيم" ليس رفضًا، بل حماية للنبتة حتى تقوى جذورها.
إذا أردتِ أن تعيشي كملكة، فابني عرشك بالعلم، ثم تزوجي من يليق أن يكون شريكًا في الحكم لا حاكمًا وحده، وإن كان ابن عمك كتبه الله تعالى ليكون زوجًا لك، فثقي أنه سيكون من نصيبك مهما طال الأمد.
أسأل الله تعالى أن يوفقك –غاليتي- لما يحب ويرضى ويكون لك منه كل الخير.