الإستشارة - المستشار : د. أميمة السيد
- القسم : الأطفال
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
185 - رقم الاستشارة : 2395
16/08/2025
بماذا أجيب صغيرتي ذات الـ٤ سنوات، حينما تصيب سهام أسئلتها أعمق جزء في قلبي، متسائلة: ممكن ربنا يرجعلنا تيتا يا بابا؟
طيب ممكن يعطيها موبايل عشان نكلمها؟
حيث كانت مرتبطة بها عاطفيا والتي توفيت منذ شهر.
بداية، البقاء لله تعالى في وفاة الفاضلة والدتك أخي الكريم،
سؤالك يمسّ القلب فعلًا، وأتفهم ألمك حين تسمع من صغيرتك أسئلة بريئة عميقة تُوجّه إلى وجدانك مباشرة.
فطفلتك ذات السنوات الأربعة تمرّ بما نسميه في علم النفس التربوي (Early Childhood Grief Processing) أي محاولة استيعاب مفهوم الموت في مرحلة الطفولة المبكرة، حيث لا يكتمل إدراك الطفل لمعنى الفقد النهائي. بل يتعامل بعقلية ما يُسمّى (Magical Thinking) أي التفكير السحري، إذ يظن أن الموت مؤقت أو يمكن تعديله بوسيلة ما، مثل عودة الجدة أو التواصل معها عبر الهاتف.
إن إجاباتك في هذه المرحلة يجب أن تتسم بالصدق البسيط، والحنان الكبير، مع تجنّب الغموض أو الكذب العاطفي الذي قد يربك عقلها الصغير.
* كيف تجيبها؟
1- بالتوضيح المبسط..
قل لها بهدوء: "تيتا راحت عند ربنا، وربنا يحبها ويكرمها في مكان جميل اسمه الجنة، والجنة مكان ما نقدر نروح له إلا لما ربنا ينادينا بوقته"، بهذا الأسلوب تُعرّفها على معنى الموت بطريقة واقعية ولكن غير مرعبة.
2- ثم اربط ذلك بالجانب الإيماني..
ذكّرها أن تيتا الآن في الجنة، تسمع الدعاء وتشعر بحبنا لها، واستشهد لها بمعظم الآيات التى تصف الجنة بشكل جميل ومطمئن.. وهنا نُعلّم الطفل أن الموت ليس فناءً بل هو انتقال إلى حياة أخرى جميلة إن شاء الله.
3- ساعدها على التعبير أو التفريغ العاطفي (Emotional Expression)
بأن تشجّعها على أن تعبّر عن اشتياقها لجدتها بالرسم أو الدعاء أو الكلام، فهذا يُخفّف من حدّة الفقد.
4- الطمأنة بالاحتضان مهمة جدًّا..
وخاصة عندما تبكي أو تسأل، ضمّها إليك وقل لها: "أنا معاك، وأفهم إنك تشتاقين لتيتا. وأنا كمان أشتاق لها. بس نقدر نقرأ لها الفاتحة ونرسّل لها حبنا بدعائنا".
هذا يعزز ما يُعرف بـ(Secure Attachment) ، أي التعلّق الآمن بينك وبين ابنتك، ويجعلها تشعر أن فقدان الجدة لا يعني فقدان الأمان.
ولكن هنا يجب أن تنتبه لأمر مهم، ألا وهو التوازن بين الصدق والطمأنة.. فلا تقل لها مثلاً: أن تيتا ستعود، فهذا يزرع لديها ارتباكًا داخليًّا، لكن قل: "إحنا ما نقدر نشوفها الآن، بس في يوم من الأيام ربنا يجمعنا بها في الجنة".
* همسة أخيرة للأب العزيز:
اعلم أن مشاعر ابنتك طبيعية، وأن أسئلتها المتكرّرة جزء من عملية الفهم المعرفي التدريجي لمفهوم الموت.. وبالحب والصدق والارتباط بالله تعالى، ستنشأ على وعي سليم متوازن، وتتعلم أن الحزن لا يعني الانكسار، بل يعني الوفاء والحنين واليقين بلقاء آخر.
واذكر لها دائمًا قول الله تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ﴾، مع التأكيد أن هذا وعد بلقاء أعظم في الجنة، حيث لا فراق ولا دموع إن شاء الله.