تجاوز مع خطيبته ويريد أن يتركها.. المسؤولية مشتركة

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. فتحي عبد الستار
  • القسم : الخطبة والعقد
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 128
  • رقم الاستشارة : 2931
10/10/2025

أنا وخطيبتي نُعدُّ من الملتزمين دينيًّا في محيطنا.

أثناء الخطوبة، بادرتُ مع خطيبتي بتجاوزات جسدية متدرجة لا تليق بين المخطوبين، وكانت المفاجأة أنها لم تبدِ أي اعتراض أو ممانعة، بل تجاوبت.

بعد مدة، نبهتها لخطورة الأمر، فأقرت بوجوب تقوى الله وأعربت عن سعادتها بتنبيهي.

لاحقًا، قررت اختبارها فعليًّا، فتجاوزتُ بالتدريج وصولًا إلى تقبيلها، ولم أجد منها أي اعتراض أو رفض.

فهل عدم اعتراضها المتكرر وتجاوبها الضمني مع التجاوزات يُعد دليلًا على ضعف لديها في الوازع الديني أو الالتزام الظاهر؟

هل يجب عليَّ فسخ الخطبة خوفًا على ديني ودين أسرتي المستقبلية، أم أن هذا قد يُعتبر ظلمًا لها، ويجب عليَّ المحاولة والتنبيه والمصارحة مجددًا؟

الإجابة 10/10/2025

أهلًا بك يا ولدي، وأسأل الله العلي القدير أن يشرح صدرك، ويُزيل همَّك، ويُجعل لك من أمرك فرجًا ومخرجًا، وأن يُلهمك الرشد والصواب، ويُتمم لك أمرك على خير وهدى، وأن يرزقك الزوجة الصالحة والذرية الطيبة، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وبعد...

 

فإن الخطبة ما هي إلا وعد بالزواج، وليست عقدًا شرعيًّا يُبيح العِشرة أو الخلوة. وقد جاءت شريعتنا السمحة بوضع سياج متين حول الأعراض والأخلاق، وحماية للأسرة قبل بنائها؛ لأن ما يُبنى على تقوى الله وطاعته هو الأثبت والأدوم.

 

المسؤولية والخطأ الأكبر

 

قبل أن أجيب عن سؤالك: «هل عدم اعتراضها يعد ضعفًا في دينها؟»، يجب أن تسمع مني هذه الكلمات: إن ما قمتَ به أنت، نعم أنت، كان خطأ مضاعفًا، وإنك لتتحمل القسط الأكبر من مسؤولية هذا الذنب. فكيف لشاب يوصف بـ«الالتزام» أن يتبنى منهجًا شيطانيًّا كهذا، وهو الاختبار والاستدراج؟!

 

إن مفهوم «اختبار الخطيبة» بهذا الشكل هو باب من أبواب الشيطان لتبرير المعصية. إنك لم تختبر التزامها؛ بل اختبرتَ ضعفها البشري، بدافع من شهوتك التي ألبستها ثوب الاختبار!

 

إن «الالتزام» يا ولدي يُختبَر في مواقف الحياة الجادة، في الصبر، وفي غض البصر، وفي حفظ حدود الله، لا في جر الغير إلى مواطن الخطر ثم لومه على سقوطه!

 

إن العلاقة الزوجية يجب ألا تُبنَى على الشك والارتياب؛ بل تُبنى على الثقة وحسن الظن. وأنت -مع الأسف- الذي بدأت بكسر هذا الحاجز، وأنت مَن أطلق السهم. فيجب أن توجِّه أصابع اللوم إلى نفسك أولًا، قبل أن توجهها إلى خطيبتك، فتُب أولًا من خطأ «الاستدراج»، ومن خطأ «الامتحان المحرَّم».

 

لماذا تجاوبت خطيبتك معك؟

 

هذا سؤال ينبغي لك معرفة إجابته قبل أن نحكم عليها وعلى إيمانها. صحيح أن عدم اعتراضها هو مؤشر على ضعف الوازع الديني لديها، وتقص في الإيمان؛ لأن «الحياء شعبة من الإيمان» [رواه مسلم]، ولكن لا يمكن أن نُصدر عليها حكمًا قاطعًا؛ لأسباب عدة، منها:

 

1- الفتاة حين تمنح ثقتها لشخص يراه المجتمع ملتزمًا، ويكون هو خطيبها وزوجها المنتظر، فإنها تضعف أمام عاطفة جارفة تُلبِّس عليها الأمور، وقد ترى –جهلًا منها- في هذا تقربًا وتوددًا مُباحًا، ما دام من يفعل ذلك هو «الملتزم» خطيبها، ظنًّا منها أن الخطأ سيكون مغفورًا بالزواج القريب.

 

2- قد يكون عدم اعتراضها نتيجة خوفها من خسارة العلاقة، أو خوفًا من أن تُتهم بـ «الجمود» أو «عدم الرغبة فيه»، فتسكت على مضض لتُرضيك.

 

ماذا يجب عليك الآن؟

 

هذا قرار مصيري، ولا يمكنني –لا أنا ولا غيري- أن أتخذ القرار لك، أو أمليه عليك، ولكن يمكنني أن أضع لك بعض الإشارات، لتتخذ قرارك في ضوئها، بعد تفكير عميق واستخارة لله عز وجل.

 

العدل والإنصاف

 

كيف تلومها على ضعفها في مقاومة «التجاوزات» بينما أنت من دفعها إليها تدريجيًّا؟ إن محاولتك لفسخ الخطبة الآن، دون أن تمنحها فرصة حقيقية للتوبة والرجوع بسبب خطأ اشتركتما فيه وكنت أنت البادئ به، هو نوع من الظلم والإنكار للجميل وإساءة للظن بعدم صلاحها مستقبلًا.

 

قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ [المائدة: 8].

 

2- أنت أيضًا أظهرت في هذه الفترة ضعفًا كبيرًا في حفظ حدود الله، وقد تكون هي المرآة التي تُريك ضعف التزامك أنت.

 

كيف تضمن لو فسخت خطبتك لهذه الفتاة، أنك لن تُجرب مع غيرها؟ لذا فإن «التوبة المشتركة» قد تكون هي الباب لبناء أسرة صالحة، لا الوقوع في فخ اختبارات جديدة وضعف جديد وشكوك جديدة.

 

3- لا تُعجِّل بفسخ الخطبة الآن. اتبع الخطوات التالية أولًا، واجعلها فرصة أخيرة وصادقة لإثبات صلاحكما معًا:

 

- الاعتراف وتحمّل المسؤولية: ابدأ أنت بالتوبة النصوح الصادقة أمام الله، ثم صارحها بأنك ندمت ندمًا شديدًا على تجاوزاتك، وأعلِن أنك تتحمل المسؤولية الأكبر لأنك كنت البادئ والمُستدرِج.

 

- المناصحة القاطعة: صارحها بأن عدم اعتراضها أثار قلقًا لديك، لكن لا تلومها وحدها. ركِّز على أهمية أن يكون الخوف من الله هو الحاكم في كل تصرف بينكما، وأن عليها أن ترفض أي تجاوز منك مستقبلًا بقوة إيمانية حقيقية.

 

- وضع الحدود الصارمة: يجب أن تتفقا على وقف فوري وحازم لجميع أشكال التواصل العاطفي والتجاوزات، وأن يكون التواصل في أضيق الحدود وللضرورة فقط، حتى يتم عقد الزواج.

 

فإذا رأيتَ منها بعد ذلك صدقًا في التوبة، وتغيرًا في السلوك، والتزامًا صارمًا بالحدود الجديدة، فتوكل على الله وأتم الزواج، وتذكر أنك ستكون أول من ساندها على الطاعة، وستبدأ حياتك معها بتوبة مُباركة تنزل عليكما فيها السكينة والمودة والرحمة.

 

لكن إذا وجدت منها تهاونًا، أو محاولة لتبرير الموقف، أو استمرارًا في محاولة تجاوز الحدود بعد هذا التنبيه القاطع، فالفسخ حينها هو واجب شرعي وأخلاقي لحماية دينك وبيتك؛ لأن الاستخفاف بالحدود اتضح أنه طبع لديها وليس سلوكًا عارضًا.

 

وختامًا أخي الكريم، تذكَّر دائمًا أن «القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يُقلبها كيف يشاء» [رواه مسلم]، فادعُ الله أن يُثبتكما على الحق. ثق بأن الله سيهديك إلى ما فيه الخير، ما دمت تبحث بقلبٍ خاشع عن مرضاته.

 

أحسن الظن بالله، وصلِّ ركعتي استخارة، واترك الأمر لمن بيده الأمر كله. لا تدع الشيطان يفرح بفسخ العلاقة دون إعطاء فرصة للتوبة.

 

وفقك الله وسدد خطاك، وجعل لك من توبتك أنت وخطيبتك بداية لحياة مليئة بالإيمان والتقوى.

 

روابط ذات صلة:

ضوابط الخطوبة بين الواقع والمفروض

ما يجوز للخاطب من مخطوبته

الرابط المختصر :