الإستشارة - المستشار : أ. فاطمة عبد الرءوف
- القسم : الخطبة والعقد
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
16 - رقم الاستشارة : 3098
29/10/2025
أنا شاب مقبل على الزواج وهناك موعد لرؤية فتاة بعد عدة أيام.. كثير من الشباب حذروني من كتابة قايمة، وقالوا لي إن هذه القايمة قد تدخلني السجن وقد تطالب بها دون طلاق، وبعضهم قال لي لو ظروفك الاقتصادية صعبة فاكتب قايمة بالأمور التي تشتريها عائلة الفتاة فقط، فليس لها الحق في أن تحصل على الأثاث الذي اشتريته أنت.
والحقيقة أن منصات التواصل الاجتماعي مليئة بتحذيرات للشباب من كتابة هذه القايمة خاصة من الشيوخ والسادة المحامين.. وأيضًا نصحني بعض من أثق بهم أن أكتب الشقة التي اشتريتها مؤخرا باسم والدي؛ لأن الزوجة إذا أنجبت طفلا واحدا سوف تأخذ الشقة أيضًا، أي أن تعبي وشقايا على مدار سنوات سوف يلقى على الأرض..
فما رأيكم؟ وهل لو أصرت عائلة الفتاة التي أحسبها عائلة طيبة على القايمة.. فهل يعني هذا أنهم عائلة طماعة وأبحث عن عائلة أخرى كي أناسبها؟
ابني الكريم، أهلاً وسهلاً ومرحبًا بك في موقعك البوابة الإلكترونية للاستشارات، ومبارك لك الزواج مقدمًا.
الحقيقة أن ما قاله لك أصدقاؤك أصبحت فكرة شائعة للغاية؛ لأن "معا ضد القايمة" شعار شهير أصبح منتشرًا على منصات التواصل الاجتماعي يحذر الشباب من مغبة كتابة قايمة.. مقاطع فيديو لمحامين يحذرون الشباب أن هذه القايمة قد تدخلهم السجن.. مجموعة من الصفحات تروج لما يطلق عليه الزواج الإسلامي ويدعون لعدم كتابة قايمة بحيث يتكفل الشاب بفرش شقته بالكامل حسب حاله عسرًا أو يسرًا ويدفع مهرًا، لكنهم يهمشون جدًّا فكرة المهر، وراجع هذه الاستشارة التي تشرح أهمية المهر وفلسفته في التشريع الأسري الإسلامي فلسفة المهر في الإسلام.
الاقتداء بالأنبياء
والحقيقة -يا بني- أن الأصل أن يؤثث الرجل بيته تأثيثًا كاملاً ويمنح العروس مهرًا مناسبًا، وهو النظام المعمول به في عموم العالم العربي والإسلامي، ولا يوجد هناك ما يطلق عليه "القايمة".
إذا أردت -يا بني- ألا تكتب قايمة فقم بتأسيس بيتك كاملاً وقدّم لعروسك المهر، ولو أنك تريد الاقتداء بالنبي ﷺ في المهر الذي قدّمه لزوجاته فاعلم أن هذا المهر كان 500 درهم فضي ما يعادل 50 دينارًا ذهبيًّا، واعلم أن زنة الدينار الذهبي الواحد هو 4.25 جرام.
هذا المهر الذي اقتضى من نبي الله موسى أن يعمل عملاً شاقًّا لمدة 10 سنوات دون أن يحصل على أجر، فأجر عمله لمدة 10 سنوات كان مهر عروسه، ويمكنك حساب راتبك لمدة 10 سنوات كي تستطيع تقدير قيمة المهر المناسب.
قد تندهش -يا بني- وأنت تسمع هذه الأرقام وتتساءل أليس أكثر النساء بركة أيسرهن صداقًا، وأقول لك نعم، ولكن المسألة نسبية تمامًا، فلا يعني اليسر ألا تبذل جهدك في تكوين المهر الملائم، فعمل 10 سنوات لشاب مصري يختلف عن عمل 10 سنوات لشاب من أهل الخليج العربي مثلاً.
تيسير الزواج
المشكلة في الشباب الذين لا يرغبون في بذل الجهد ويتصورون التيسير المطلوب جواز سفر لتقديم مهر رمزي "دبلة ذهبية مثلاً"، فإذا ما وافق أهل العروس وطلبوا أن يكون بقية المهر مؤجلاً.. يكتب كمؤخر صداق أو في "القايمة" التي هي إيصال أمانة بالفعل تعالت الأصوات تصرخ وتعترض.
يقال مرة هل الفتاة سلعة؟ والحقيقة أنها بالتأكيد ليست سلعة، وإلا فكل أموال الدنيا لا تساويها، هي إنسان مكرَّم، ولأنها مكرمة فرض الله لها المهر اختبارًا لجدية الرجل من جهة وكي يكون لديها ذمة مالية خاصة بها من جهة أخرى.
ومرة يصرخون أننا لن نتزوج ويكون علينا ديون، سواء كمؤخر للصداق أو القايمة، والسؤال ألم يتزوج نبي الله موسى وظل يسدد في المهر 10 سنوات كدين مؤجل عليه؛ لأنه لم يكن يمتلك المال في هذا الوقت؟
ما الحل وأنت شاب فقير لا تملك المال؟ أن يبقى عليك المهر كدين قابل للسداد على مدار السنوات؟ أم لا تتزوج حتى تمتلك المال؟ أم تتزوج وتجبر الفتاة وعائلتها على القبول بمهر رمزي بحجة التيسير وبإثارة حالة هجوم مجتمعي على المهر العادل؟ أم برفع لافتة "خلوها تعنس" والعرض أكثر من الطلب واستيراد عبارات السوق في التعامل مع الزواج الذي هو الميثاق الغليظ؟ أم بالصد عن الزواج من الأصل والدعوة لشيوع الفاحشة؛ لأن أولياء الأمور يعسرون الزواج؟ أجب هذه الاسئلة بصدق وموضوعية، يا بني.
أستطيع القول إن أولياء الأمور بوجه عام لا يعسرون الزواج خاصة في بلد له ظروف اقتصادية صعبة كمصر، ولكن بعض الشباب هم الذين يرغبون في التملص من أهم أركانه ألا وهو المهر، باعتبار أن لا حد لأقله، فهم لا يريدون إلا هذا القليل يتمنون لو كان خاتمًا من حديد لا من ذهب، ونسوا أن هذا الذي طلب منه النبي ﷺ خاتم الحديد كان رجلاً معدمًا لا يملك إلا إزاره ولا يملك رداءً له وكان مهرًا لسيدة ذات ظروف خاصة انقطعت بها السبل.
القايمة بين الشرع والعرف
ما استقر عليه العرف في المجتمع المصري بوجه عام أن يتم التيسير جدًّا على الشاب في مقدم المهر وليكن خاتم الذهب، وتكتب قائمة منقولات يوضع فيها عدد من جرامات الذهب كمؤخر للصداق، هو في كل الأحوال أقل مما قدمه النبي ﷺ لزوجاته، فلا توجد قائمة تتجاوز الـ200 جرام من الذهب في بلد كمصر إلا في بعض الأماكن النادرة.
وهنا تظهر مشكلة أخرى فالشاب لا يملك المال الذي يفرش شقة ملائمة على الطراز العصري، والمعتاد هنا أن يتدخل أهل العروس مرة أخرى بالتيسير على الشاب ويقوموا بالمشاركة في تأسيس الشقة (تقريبًا يتكفلون نصف تكلفة التأسيس ويحدث هذا بالاتفاق مع الشاب وعائلته)، هذا المال يعتبر دينًا على الشاب فيُكتب في قائمة المنقولات.
والحقيقة أنه في حال حدوث الطلاق أو شقاق فإن هذا الأثاث القديم المستعمل تُهدر قيمته، ولو أن أهل الفتاة اشتروا لها ذهبًا أو أسهمًا بقيمته لكان خيرًا لها، وبالتالي فينبغي أن يكون أهل العروس هم أول من يرفع شعار "معًا ضد القايمة"؛ لأنهم ييسرون للشاب ويعسرون على أنفسهم ويلتزمون بأمور لا تخصهم.
ولكن بعض الشباب يعترض، فلماذا يكتب في هذه القايمة أيضًا ما قد اشتروه هم لتأسيس المنزل، والحقيقة أن ما يشتريه الشاب الذي تمت مساعدته بالنصف بالإضافة لقيمة الذهب يعتبر كل ذلك معا قيمة المهر، ومجموعه يقل عن الـ200 جرام أو الـ50 دينارًا ذهبيًّا ويقل عن ادخار الراتب لمدة 10 سنوات.. يكفي أن يكتب في القائمة أن هذا الأثاث وهذا الذهب هو مؤخر الصداق كي يضمن حقه إذا ما طلبت الزوجة الطلاق خلعًا.
لكن بعض النفوس الخبيثة توسوس للشباب وتقلل من قيمته ورجولته فيطلب من عائلة الزوجة المشاركة في تأثيث الشقة مقابل أن يكتب لها قايمة بما اشترته فقط، وليس له ذلك، فهي خسارة مادية لعائلة الزوجة فقط من أجل مساندته ودعمه.
لذلك فالحد الأدنى من الحياء أن يكتب ما اشتراه هو أيضًا ويعتبره جزءًا من مهرها الذي هو في مجموع أجزائه أقل من المهر النبوي.
الرجل الجاد
هذه الأفكار التي شرحتها لك يستوعبها الشاب الجاد لا الشاب المستهتر الذي يريد الزواج مجانًا دون بذل أي جهد.. الشاب الذي يعرف ما له وما عليه.
كل ما يحتاجه الشاب أن يبحث جيدًا عن زوجة طيبة من عائلة طيبة ويتوكل على الله. أما تصوير أهل العروس بصورة المتآمرين الذي يخططون للإيقاع بالشاب والتيسير عليه ثم يقومون بتكبيله بالقايمة التي تستخدم للزج به في السجن مع أول بادرة خلاف فهذا من باب الصد عن الزواج وزرع بذور الفتنة والشك بين العائلات.
واحذر -يا بني- الشباب التافه الذي ملأ منصات التواصل الاجتماعي يتفاخر بتمزيق ورقة القايمة يوم الزفاف؛ لأنه "راجل" لا يخدع ولا يتزوج وعليه ديون ويحذر غيره من القايمة المرعبة.. هي بالفعل مرعبة له؛ لأنه عاجز عن تقديم مهر حقيقي.. شباب عاجز تافه كسول يعيش أخلاق الفقر والبخل بكل خلاياه بل يعيش الغباء بكل معانيه، فلم يكن عليه حتى يأتي يوم الزفاف كي يمزق القايمة، فكان يكفيه أن يتفق معهم منذ البداية أنه سيدفع مهرًا كذا ويؤثث بيته بكذا وكذا، فإن وافقوا فبها، وإن اعترضوا كفى الله المؤمنين شر القتال.
خلاصة القول: الأصل أن يدفع الشاب مهرًا مناسبًا مقدمًا أو مؤجلاً ويقوم بتأسيس منزله بطريقة لائقة ولا معنى وقتها لكتابة قايمة.
* القايمة جاءت كحل لمشكلات الشباب الاقتصادية، فالذهب والأثاث هو مهر العروس والأفضل أن يكتب ذلك في القايمة.
* ما تشتريه الزوجة من أثاث في منزل الزوجية هو فضل منها ومن عائلتها وليس حقًّا أو واجبًا للشاب.
* ليس من حق الشاب أو عائلته التعليق على ما تشتريه العروس؛ لأنه فضل منها ومساعدة، وما يحدث من تعليق على ما تشتريه هو من سوء الأخلاق وجزء من أخلاق الفقر والبخل، بل لا وصف له إلا دناءة الأخلاق، خاصة إن كانت العروس يتيمة فإن الدناءة تكون مضاعفة (بعض الرجال الأثرياء يصرون أن تساعدهم العروس أيضًا!).
* ما تشتريه الفتاة يحرر كإيصال أمانة بينما ما يشتريه يحرر كجزء من المهر لضمان حقه في حال إذا طلبت الزوجة الطلاق خلعًا.
منزل الحضانة
حتى الفكرة الأخيرة التي وسوس لك بها صديقك، وهي أن تكتب الشقة باسم والدك تدل على سوء طوية وسوء فهم؛ لأنه إذا حدث الطلاق -لا قدر الله ذلك- ولديك طفل يعيش في حضانة والدته فأين تذهب به؟ أنت كأب مسئول وجاد عليك أن توفر مكانًا يصلح كسكن للحضانة، سواء كانت شقة الزوجية أو غيرها.. هي لن تأخذ الشقة منك كما يحاول صديقك تصوير الأمر، هي ستقيم فيها مؤقتًا طالما هي أم حاضنة والشقة سيسكن فيها أطفالك الصغار، فأنت لن تتخلى عنهم بالتأكيد، هكذا ينبغي النظر للأمور.
يا بني، نصيحتي لك أن تبحث عن عروس ذات خلق ودين من عائلة مشهود لها بحسن الأخلاق وأن تكون منتبهًا لكل التفاصيل، لكن دون مبالغات ودون أن تسير وراء الأوهام (البعض يروج لشائعة أن الفتيات يتزوجن لينجبن طفلا ويحصلن على الشقة والمهر والقايمة ثم يطلبن الطلاق ويضيع مستقبلك وسنوات عملك هباء منثورًا).
يا بني، كن رجلاً جادًّا شهمًا وكريمًا وصادقًا وتوكل على الله، فإذا كنت تمتلك من المال ما تمنحه لزوجتك كمهر وتستطيع تأثيث شقتك وحدك فهذا هو الأصل وهذا هو الأفضل.
وإذا كنت تريد أن تدفع مهرًا رمزيًّا أو قليلاً ثم تكتب الباقي كمؤخر أو في القائمة وتؤثث شقتك وحدك ولا تكتب فيها الأثاث فقط باقي المهر فلك ذلك.. اعرض عليهم.
وإذا كنت تريد مشاركتهم في التأثيث ودفع جزء من المهر واعتبار ما اشتريته من أثاث جزءًا آخر ويتم كتابة هذا في قايمة، فمعظم العائلات ارتضت هذا النظام دعمًا منها.
روابط ذات صلة: