خطوات عملية لتحقيق الطمأنينة والتوكل على الله

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. فتحي عبد الستار
  • القسم : الفتور والضعف
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 149
  • رقم الاستشارة : 2126
17/07/2025

السلام عليكم..

حبيت أتوجه لكم بسؤالي هذا، وربي يكتب الأجر لي ولكم، وأنا أرجو من الله ثم منكم النصح والإرشاد، لأن بصراحة صرت أحس بحيرة وقلق مو طبيعيين أحيانًا.

أنا موظفة، ومتزوجة وعندي عيال، وقاعدة أحاول قد ما أقدر أوفق بين مسؤولياتي الكثيرة بالحياة. بس بالأيام اللي طافت، ومع زيادة ضغوط الشغل اللي صارت وايد قوية، من طلبات ما تخلص ومواعيد تسليم لازم ألتزم فيها ومنافسة يمكن تكون متعبة، غير بعض المشاكل العائلية اللي أحسها مالها حل وتتطلب مني جهد نفسي وعاطفي كبير، مثل تحديات تربية العيال أو خلافات بسيطة تتجمع وتصير حمل ثقيل علي، أو حتى قلق على صحة واحد من الأهل – وسط كل هالظروف، أحيانًا أحس بشعور خفي بالضعف حيل والقلق العميق اللي ينغص علي عيشتي.

بهاللحظات الصعبة، اللي أحس فيها إن الأمور قاعدة تطلع من إيدي وإني مو قادرة أسوي شي، شلون أقدر أثبت يقيني التام إن الله سبحانه وتعالى هو اللي يدبر كل شي، وإن كل الأمور بيده، وإنه القادر بروحه على تسهيل الصعاب وتحويل الشدائد لنعم؟ وشنو هي الخطوات العملية والإيمانية اللي أقدر أسويها عشان أقوي هالشي بقلبي، وأتخلص من هالاحساس بالقلق والضعف، وأعيش بطمأنينة ورضا بقضاء الله وقدره؟

جزاكم الله خير على كل اللي تقدمونه من نفع للناس، وبارك الله بعلمكم وعملكم.

الإجابة 17/07/2025

أختي الفاضلة، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته..

 

سعدنا بتواصلك معنا، ونسأل الله أن يجعلنا أهلًا لثقتك، وأن يكتب لكِ ولنا الأجر والمثوبة، وندعوه –سبحانه- أن يفرّج همك، ويشرح صدرك، وييسّر أمرك، ويجعل لكِ من كل ضيق مخرجًا ومن كل هم فرجًا، وأن يرزقكِ الطمأنينة والسكينة وحسن التوكل عليه، وبعد...

 

فإن ما تشعرين به –أختي الكريمة- من حيرة وقلق وشعور بالضعف هو أمر طبيعي يمر به كثيرون منّا في خضم تحديات الحياة المتزايدة. فأنتِ تحملين على عاتقكِ مسؤوليات عظيمة زوجةً، وأمًّا، وموظفة، وهذا بحد ذاته جهاد يستحق كل تقدير.

 

إن هذه الضغوط، سواء كانت من العمل بمتطلباته ومواعيده، أو من المشاكل العائلية التي تستنزف الجهد النفسي والعاطفي، أو حتى القلق على صحة الأحباء، كلها أمور كفيلة بأن تشعر الإنسان أحيانًا بأنه يفقد السيطرة. ولكن في قلب هذه المشاعر، يكمن مفتاح الطمأنينة والراحة الحقيقية، وهو اليقين التام بأن الله -سبحانه وتعالى- هو المدبّر لكل أمر، وأن بيده ملكوت كل شيء.

 

دعيني أشارككِ بعض الخطوات العملية والإيمانية التي، بإذن الله، ستقوي هذا اليقين في قلبك وتزيل عنكِ غشاوة القلق والضعف، لتعيشي برضا وطمأنينة بقضاء الله وقدره:

 

أولًا- ترسيخ اليقين التام بأن الله هو المدبر لكل شيء

 

إن الإيمان بأن الله هو المدبر وحده هو أساس كل طمأنينة. فالله سبحانه وتعالى هو الخالق، الرازق، المدبر، الذي لا يغيب عنه شيء في ملكوته. كل ما يحدث في الكون، من أصغر ذرة إلى أعظم مجرة، هو بتقديره وتدبيره وحكمته البالغة.

 

تذكري دائمًا أن الله هو الذي يدبر الأمر كله، وهو على كل شيء قدير. لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء. قال تعالى: ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ۖ مَا مِن شَفِيعٍ إِلَّا مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ۚ ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾ [يونس: 3].

 

وهو سبحانه بيده الخير كله، وهو الذي يعز ويذل، ويمنع ويعطي: ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ ۖ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [آل عمران: 26].

 

هذه الآيات تزرع في القلب الطمأنينة بأن كل ما يحدث هو ضمن تدبير إلهي محكم، وأن الخير كله بيد الله.

 

ثم إنك عندما تتوكلين على الله حق التوكل، فإنه سيكفيكِ كل هم، وسيسهل لكِ كل عسير. إن التوكل ليس مجرد كلمة؛ بل هو عمل قلبي عميق يعني تفويض الأمر كله لله مع الأخذ بالأسباب. قال تعالى: ﴿وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ۚ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا﴾ [الطلاق: 3].

 

وكذلك قال النبي ﷺ: «لو أنكم توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصًا وتروح بطانًا» [رواه الترمذي وابن ماجة وأحمد]. هذا الحديث العظيم يبعث الأمل والراحة في القلب، فإذا كان الرزق مضمونًا لمن توكل، فكيف لا يكون تيسير الأمور كذلك؟

 

ثانيًا: خطوات عملية لتقوية اليقين والتخلص من القلق

 

1- الإكثار من الذِّكر والدعاء:

 

الذِّكر هو غذاء الروح، ومفتاح السكينة والطمأنينة. عندما يلهج لسانك بذكر الله، يطمئن قلبك. قال تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ [الرعد: 28].

 

والدعاء هو سلاح المؤمن. فلا تترددي في رفع يديكِ إلى الله في كل وقت، وخصوصًا في أوقات الشدة. ادعي بصدق ويقين، فالله يحب العبد اللحوح.

 

رددي دعاء الهم والحزن الذي كان النبي ﷺ يكثر منه: «اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والبخل والجبن، وضلع الدين وغلبة الرجال» [رواه البخاري].

 

وكذلك دعاء يونس عليه السلام: «لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين»، ودعاء: «يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث»، كلها أدعية عظيمة لتفريج الكروب وتيسير الأمور.

 

حافظي على صلواتك في أوقاتها، فهي صلة مباشرة بينك وبين ربك، وفيها راحة للنفس وطمأنينة للقلب.

 

تلاوة القرآن الكريم بتدبر:

 

القرآن شفاء للصدور ونور للقلوب. خصصي وقتًا يوميًا لتلاوة ما تيسر منه، وحاولي أن تتدبري معانيه، ففيه تجدين العزاء، والإرشاد، والبشائر التي تقوي قلبك. قال تعالى: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ۙ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا﴾ [الإسراء: 82].

 

3- الصبر والشكر:

 

اعلمي أن الابتلاءات هي امتحان من الله ليرفع درجاتك ويمحو سيئاتك. اصبري واحتسبي الأجر عند الله. قال تعالى: ﴿وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾ [البقرة: 155- 157].

 

تذكري قول النبي ﷺ: «عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سرَّاء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له» [رواه مسلم].

 

حاولي أن تركزي على النعم الموجودة في حياتك، مهما بدت صغيرة. اشكري الله على صحتك، على عائلتك، على عملك، على السقف الذي يؤويك. إن الشكر يفتح أبواب مزيد من النعم ويطرد اليأس والقلق.

 

4- التفكر في خلق الله وعظمته:

 

انظري حولكِ، في السماء، في الأرض، في نفسك. كل هذا الكون يسير بنظام دقيق لا يختل. هذا التفكر يقوي إيمانك بقدرة الله وعظمته، وأنه إذا كان يدبر هذا الكون العظيم بهذه الدقة، فكيف لا يدبر أمرك الصغير؟

 

5- الرضا بقضاء الله وقدره:

 

إن الإيمان بالقضاء والقدر ركن من أركان الإيمان، وهو يمنح القلب راحة لا تضاهيها راحة. فما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك. هذا لا يعني الاستسلام للكسل؛ بل يعني أن تفوضي أمرك لله بعد بذل كل جهدك.

 

قال النبي ﷺ: «احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان» [رواه مسلم]. هذا الحديث يرشدنا إلى بذل الجهد والاستعانة بالله، ثم الرضا بما قدره الله، وعدم الوقوع في دوامة «لو» التي تفتح باب الحزن والوسواس.

 

6- تنظيم حياتك وترتيب أولوياتك:

 

- تنظيم الوقت: حاولي تقسيم مهامك الكبيرة إلى مهام أصغر يسهل إنجازها.

 

- تفويض المهام: لا تترددي في طلب المساعدة من زوجك أو أبنائك في بعض المهام المنزلية، أو من زملائك في العمل إن أمكن. لستِ مطالبة بفعل كل شيء بمفردك.

 

- الاهتمام بنفسك: لا تهملي حق جسدك وعقلك في الراحة والاستجمام، حتى لو كانت أوقاتًا قصيرة. النوم الكافي، والغذاء الصحي، وبعض الأنشطة المريحة، كلها تساعدك على استعادة طاقتك البدنية والنفسية لمواجهة التحديات.

 

وختامًا –أختي الكريمة- تذكري أن الله أرحم بكِ من كل الخلق، وهو يعلم ما في نفسكِ من ضغوط وأعباء. هذه المشاعر التي تنتابكِ هي جزء من كونكِ إنسانة، ولكن الإيمان هو النور الذي يبدد ظلام القلق والضعف. اجعلي الله ملاذك الأول والأخير، وثقي بأن رحمته وسعت كل شيء، وأنه لن يترككِ أبدًا.

 

أسأل الله أن يملأ قلبكِ سكينة وطمأنينة، وأن ييسر لكِ كل أمر عسير، وأن يجعل كل ما تمرّين به رفعة في درجاتك ومغفرة لذنوبك.

 

ونحن هنا دائمًا لدعمكِ ومساندتكِ بما نستطيع، فتابعينا بأخبارك.

الرابط المختصر :