Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. فتحي عبد الستار
  • القسم : فئات المدعوين
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 37
  • رقم الاستشارة : 2145
20/07/2025

السلام عليكم ورحمة الله..

زوجتي نعم الزوجة والأم، تهتم ببيتها اهتمام كبير، وتعتني بعيالنا الثلاثة (أكبرهم بالابتدائي وأصغرهم رضيع) عناية فائقة، وغير هذا عندها وايد صفات حلوة مثل الكرم وحسن العشرة مع الأهل والجيران.

المشكلة هي تكاسلها الشديد عن الصلاة. كانت في بداية زواجنا تصلي متقطع، تصوم رمضان، بعدين بدت تتكاسل شوي شوي لين قطعت الصلاة نهائيًا من سنتين تقريبًا. نصحتها مرات باللين وأذكرها بفضل الصلاة وعقوبة اللي يتركها. حاولت أشجعها تصلي معاي بالبيت، ساعات أخلي لها كتب ومقاطع فيديو عن أهمية الصلاة، بس ترد عليّ إنها تحس بالتقصير، وتوعدني إنها بتبدأ قريب، بس ولا شي يتغير.

شنو أسوي معاها بهالحالة؟ هل فيه طريقة ثانية للنصح ما جربتها؟ هل عليّ أشدد عليها أكثر ولا أستمر باللين؟

جزاكم الله خير على وقتكم وجهدكم.

الإجابة 20/07/2025

مرحبًا بك أيها الأخ الكريم، وبارك الله فيك على هذه الرسالة التي تنم عن غيرة على الدين، وحرص شديد على صلاح الأهل. نسأل الله أن يجزيك خير الجزاء على اهتمامك، وأن يبارك لكم في زوجتك وأبنائك، وأن يجعل بيتكم من البيوت الصالحة القائمة على طاعة الله ورضاه، وبعد...

 

فأيها الأخ الفاضل، إن الصلاة –لا شك- هي عمود الدين، وهي الصلة المباشرة بين العبد وربه، وهي النور الذي يضيء دروب الحياة، والراحة التي تسكن النفوس المضطربة. وقد وصفها النبي ﷺ بأنها «قرة عينه» [رواه النسائي]. فكيف لا تكون كذلك وهي مفتاح كل خير، وباب كل سعادة!

 

أهمية الصلاة ومكانتها:

 

إن الصلاة ليست مجرد حركات تؤدى، بل هي روح وخشوع، هي وقوف بين يدي ملك الملوك، هي مناجاة ودعاء، هي شكر وثناء، هي استمداد للقوة والعون في مواجهة تحديات الحياة. وقد أمرنا الله تعالى بالمحافظة عليها في كل أحوالنا، فقال سبحانه: ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ﴾ [البقرة: 238].

 

وقد بين النبي ﷺ عظم شأنها، فقال: «إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة» [رواه مسلم]. وهذا الحديث يبين خطورة تركها، وأنها حد فاصل بين الإيمان والكفر. وهي أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة، كما قال ﷺ: «أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر» [رواه الترمذي].

 

افهم حالة زوجتك:

 

أخي الكريم، إن وصفك لزوجتك بالصفات الطيبة التي ذكرتها يطمئن القلب، ويبين أن لديها من الخير الكثير، وأن هذا التقصير في الصلاة هو أمر طارئ، وليس أصلًا في طبعها.

 

وشعورها بالتقصير الذي ذكرَتْه لك يدل على أن الفطرة السليمة لا تزال حية في قلبها، وأنها تعلم عظم ما تتركه، وهذا الشعور هو بذرة خير يمكن أن تُسقى وتنمو لتثمر التزامًا بالصلاة بإذن الله. كثير من الناس يتكاسلون عن الطاعة بسبب شعورهم بالذنب أو أنهم غير مؤهلين، وهذا من مكايد الشيطان ليثبط العزائم. فليست الصلاة لمن لا يخطئ؛ بل هي لمن يريد أن يتقرب من الله ويغفر له ذنوبه.

 

استمرارية اللين مع الحكمة

 

لقد أحسنت في محاولاتك السابقة بالنصح باللين، والتذكير بفضل الصلاة وعقوبة تاركها، وتشجيعها على الصلاة معك، وتوفير الكتب والمقاطع. وهذا هو المنهج النبوي في الدعوة إلى الله، القائم على الرفق والحكمة. قال تعالى: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [النحل: 125]. وقال النبي ﷺ: «إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه» [صحيح مسلم].

 

فهل تستمر باللين أم تشدد؟ الجواب هو: استمر باللين، ولكن بأساليب متجددة وحكمة بالغة، مع شيء من الحزم غير المنفر، وإليك بعض المقترحات:

 

1- الدعاء الصادق المتواصل: هذا هو السلاح الأقوى الذي لا يخيب. ادعُ الله لها بصدق وإلحاح في جوف الليل، وفي أوقات الإجابة، أن يشرح صدرها للصلاة، وأن يحببها إليها، وأن يرزقها لذة الخشوع. تذكَّر قول الله تعالى: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر: 60]. فكم من قلوب اهتدت بفضل دعاء صادق!

 

2- خلق البيئة الإيمانية الجاذبة:

 

وذلك عن طريق:

 

- صلاة الجماعة في البيت: استمر في تشجيعها على الصلاة معك ومع الأبناء. اجعل وقت الصلاة في البيت وقتًا مميزًا، مليئًا بالسكينة والخشوع.

 

- القرآن الكريم: اجعل تلاوة القرآن جزءًا من روتين البيت، شغِّل تلاوات عذبة في أوقات مناسبة، فالقرآن ربيع القلوب وبه تلين.

 

- الأذكار: شجعها على أذكار الصباح والمساء، وأذكار الدخول والخروج، وأذكار الأحوال المختلفة، فإن الذكر يحيي القلوب ويقربها من الله.

 

- القدوة الحسنة: أنت أيها الأخ الكريم قدوة لأهلك. حافظ على صلاتك في أوقاتها، واحرص على سننها، واظهر لها ولأبنائك خشوعك فيها، فإن الأفعال أبلغ من الأقوال.

 

3- معالجة شعور التقصير بالرحمة والأمل:

 

- ذكّرها دائمًا برحمة الله الواسعة، وأن باب التوبة مفتوح لا يغلق. قال تعالى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [الزمر: 53].

 

- اشرح لها أن الصلاة ليست عبئًا؛ بل هي راحة وسكينة، وأنها مفتاح السعادة في الدنيا والآخرة. وأن الله يحب أن يرى عبده مقبلًا عليه، حتى لو كان مقصرًا في السابق.

 

- طمئنها بأن الله يفرح بتوبة عبده، وأن كل خطوة نحو الصلاة هي خطوة نحو رضوان الله ومحبته.

 

4- التدرج في الالتزام:

 

إذا كان الانقطاع طويلاً، فقد يكون البدء بجميع الصلوات صعبًا عليها. اقترح عليها البدء بصلاة واحدة، مثلًا صلاة الفجر أو العشاء، ثم تزيد صلاة أخرى بعد فترة، وهكذا. شجعها على كل خطوة مهما كانت صغيرة، واحتفل معها بكل نجاح.

 

5- الربط بين الصلاة وحياتها اليومية:

 

- ذكّرها بأن الصلاة تمدها بالقوة والطاقة لمواجهة أعباء البيت والأولاد، وتجلب البركة في وقتها وجهدها.

 

- اشرح لها كيف أن الصلاة تريح النفس من ضغوط الحياة وتمنحها الطمأنينة.

 

- يمكن أن تربط بين الصلاة ومحبتها لأبنائها، بأن صلاح الأبناء يبدأ بصلاح الوالدين، وأن الصلاة هي خير ما تورثه لأبنائها.

 

6- الاستعانة بقدوة نسائية صالحة:

 

إذا كانت هناك أخت أو قريبة أو صديقة لزوجتك تتمتع بالدين والخلق، وتثق بها زوجتك، يمكن أن تطلب منها بلطف أن تنصح زوجتك وتذكِّرها بطريقة غير مباشرة، أو أن تصحبها إلى بعض الدروس الدينية النسائية.

 

7- الحزم اللطيف:

 

الحزم لا يعني الشدة أو الغلظة؛ بل يعني الثبات على المبدأ وعدم اليأس. يمكن أن تذكرها بحزم لطيف بعواقب ترك الصلاة في الآخرة، ولكن بأسلوب لا ينفر ولا ييئس من رحمة الله. مثلًا: «يا حبيبتي، أنا أحبك وأخاف عليك من عذاب الله، والصلاة هي نجاتنا». اجعل هذا التذكير مصحوبًا بالحب والشفقة، وليس باللوم والعتاب.

 

8- الصبر والمثابرة والتوكل على الله:

 

أيها الأخ الكريم، إن الهداية بيد الله، ونحن مأمورون بالأخذ بالأسباب. فاستمر في نصحها باللين والحكمة، وادعُ الله لها بقلبٍ صادق، ولا تيأس أبدًا؛ بل اصبر وثابر، وتوكل على الله.

تذكر دائمًا أمر الله عز وجل: ﴿وأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ واصْطَبِرْ عَلَيْهَا﴾ [طه: 132]. واستشعر مدحه –سبحانه- لنبيه إسماعيل: ﴿وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ والزَّكَاةِ وكَانَ عَندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا﴾ [مريم: 55]. فكلما رأيت منها بادرة خير، ولو صغيرة، فاشكرها وشجعها. إن الهداية تستغرق وقتًا وجهدًا، ولكن الأجر عظيم.

 

وختامًا أخي الفاضل، نسأل الله أن يقر عينك بصلاح زوجتك وأبنائك، وأن يجعلهم من عباده الصالحين، وأن يجمعكم في جنات النعيم. جزاكم الله خيرًا على حرصكم، ووفقكم لكل خير.

الرابط المختصر :