الإستشارة - المستشار : د. عادل عبد الله هندي
- القسم : فئات المدعوين
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
7 - رقم الاستشارة : 2156
21/07/2025
أنا موظف في جامعة، ومديري يصرّ أن نأخذ مبالغ مالية إضافية من الطلاب لإنهاء مصالحهم، مع أنها من حقوقهم الأصلية، ولا يجوز أخذ مال عليها، ومع الأسف كثير من الموظفين يطيعونه، ويرون أن من يخالفهم "غريب" عن الجو العام!
أما أنا فأرفض هذا الفعل، وأشعر أنه حرام، لكن أتعرض لضغطٍ نفسي وتهديدٍ مبطَّن، ولا أدري: هل إن أطعت المدير أُعدُّ آثمًا؟ وهل يجوز لي ترك العمل وأنا في أمسّ الحاجة إلى الراتب في ظل الظروف الصعبة؟ أرشدوني.
أخي الكريم، بارك الله فيك وثبّتك، فإن من يواجه مثل هذا الابتلاء ويظلّ ثابتًا على الحق رغم كلّ الضغوط، هو في ميزان الشرع مجاهد في سبيل الله، يجاهد الشهوة والهوى وفتنة المال والنفس، كما قال رسول الله ﷺ: "أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر"، ولكن بالحكمة لا بالحماسة المُهلكَة، وقد ثبتك الله على هذا الطريق المبارك، فاثبت يؤيّدك الله.
ولأكون أكثر دقة في جوابي، إليك النقاط التالية:
أولًا: ما حكم أخذ المال من الطلاب مقابل إنجاز مصلحة من حقوقهم؟
هذا هو عين الرشوة المحرّمة شرعًا، وهي من الكبائر، لا سيما إذا كانت:
* تؤخذ من الضعيف والمحتاج.
* على أمر يجب على الموظف أداؤه أصلاً بحكم وظيفته.
* بإيعاز من مدير أو بإلزامٍ وظيفي غير رسمي.
وقد جاء الوعيد الشديد في ذلك؛ حيث قال رسول الله ﷺ: "لعن الله الراشي والمرتشي والرائش بينهما" و"الرائش": هو الساعي بينهما، أي من يُسهِّل أخذ المال بين الراشي والمرتشي، كالمدير الذي يشرعن الرشوة ويغطيها. ويقول الله تعالى: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ﴾ [البقرة: 188]، والمال المأخوذ بهذه الصورة يُعدّ من السُّحت المحرَّم، كما في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال، قال رسول الله ﷺ: "كل لحم نبت من السحت فالنار أولى به".
ثانيًا: هل تأثم إن رضخت لهذا الضغط؟
الجواب بوضوح: نعم، تُعدُّ آثمًا إذا فعلت هذا مختارًا؛ لأنك بذلك تشترك في الرشوة، وتُساعد على الفساد، وتفتح باب الظلم على الطلاب والضعفاء.
وإن خفت على نفسك ضررًا جسيمًا، فلك أن تدفع عن نفسك الضرر بالحد الأدنى، لكن لا تشترك بيدك أو لسانك أو توقيعك في أكل أموال الناس بالباطل، فإنّ هذا المال لا بركة فيه، وسيفسد قلبك، ويُطفئ نور الحق في داخلك، والعياذ بالله.
ثالثًا: هل يجوز أن تستقيل؟
الاستقالة خيار صعب، خاصة في ظل الظروف المعيشية، ولا يُلجأ إليه إلا بعد استنفاد الوسائل الشرعية التالية:
1) رفع الأمر إلى جهة أعلى بسرية وذكاء، إن وُجدت جهة رقابية نزيهة.
2) البحث عن بديل وظيفي آخر بالتوازي مع العمل الحالي.
3) تأمين شبكة دعم عائلي أو اجتماعي مؤقت إن لزم الأمر.
فإن استحال ذلك، وكنت مضطرًا للبقاء، فابق على طهارتك ونقائك، وامتنِع عن أخذ أي مال محرم، ولا تُجامل على حساب دينك.
رابعًا: كيف تتعامل مع المدير والموظفين؟
1) ثبِّت نيتك وذكّر نفسك أن الله معك، قال الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا﴾.
2) كن لبقًا في رفضك، ولا تتصدَّ لهم بعنف، قل مثلًا: "أنا أرتاح فقط في أداء عملي بما يرضي الله، والطالب من حقه أن يُخدم بلا مقابل".
3) ابحث عن حلفاء داخل المؤسسة؛ فقد يكون هناك من يخفي الحقّ في قلبه لكنه يخشى الكلام، فتشجّع بوجودك، ويكون لك عونًا.
4) ذكّر زملاءك بعواقب الظلم، فمن سنّ في العمل سُنّة حسنة أو سيئة كان له أجرها أو وزرها، كما في الحديث الصحيح: "من سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة"، ولعل الله أراد بك خيرًا أن تكون داعية في مكانك هذا، ولعل الله يهدي بك واحدًا من الناس فترشده إلى الخير وتصرفه عن الشرّ.
خامسًا: وصايا عملية لك
1) اثبت على الحق مهما ضغطوا عليك، فالثبات في الفتنة عبادة.
2) لا تتنازل عن القيم لأجل الراتب، ولكن لا تُقحم نفسك في صدامٍ عنيف.
3) جدد نيتك أن عملك لله، وأنك باب أمانة في مؤسسة علمية.
4) اجعل الدعاء سلاحك، وخاصة في السجود وأنت تبكي لله.
5) ثق أن الله لن يضيعك أبدًا، فمن ترك شيئًا لله عوّضه خيرًا منه.
ونسأل الله أن يثبتك على الحق، ويصرف عنك السوء، ويرزقك من حيث لا تحتسب، ويجعل لك مخرجًا من كل ضيق، وأن يعوّضك خيرًا في الدنيا والآخرة، وأن يُصلح أحوال مؤسستك، ويقيك شر الظالمين والظلم.