مع وداع الصيف أشعر بحزن يعطل حياتي!!!

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : د. أميمة السيد
  • القسم : الشباب
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 19
  • رقم الاستشارة : 3058
24/10/2025

يا دكتورة، أنا شاب عندي ٢١ سنة في الجامعة، وكل سنة مع نهاية الصيف ودخول الخريف بحس بحزن وخمول غريب، كأن الحياة فقدت لونها. بحب الصيف والبحر والشمس، ولما الجو يتغير بحس إن الدنيا بتتقفل عليّ، ومش قادر أتحمس لأي حاجة، لا مذاكرة ولا خروج.

الإحساس ده بيتكرر كل سنة في نفس الوقت، وبيخليني أميل للعزلة والاختناق، ومش عارف هل ده ملل عادي ولا اكتئاب موسمي؟ نفسي أعرف السبب، وأتعلم إزاي أرجع حماسي من غير ما يتأثر مستواي الدراسي أو حياتي الاجتماعية.

الإجابة 24/10/2025

ابني العزيز، ما وصفته يعكس حسًّا نفسيًّا مرهفًا وشخصية ذات عمق وجداني، وهذا في ذاته ليس ضعفًا، بل دليل على الوعي الانفعالي الذي يجعلك أكثر إدراكًا لتقلباتك المزاجية وتفاعلك مع البيئة من حولك.

 

الاضطراب العاطفي الموسمي

 

من حديثك يتضح أنك تمرّ بما يُعرف في علم النفس باسم الاضطراب العاطفي الموسمي (Seasonal Affective Disorder – SAD)، وهو نوع من الاكتئاب الدوري (Recurrent Depression) الذي يرتبط عادة بتغيّر الفصول، خاصة مع نهاية الصيف وبداية الخريف، حين تقلّ ساعات الإضاءة الطبيعية وينخفض مستوى السيروتونين (Serotonin) والدوبامين (Dopamine) في الدماغ، وهما الهرمونان المسؤولان عن الشعور بالراحة والحيوية والمزاج المستقر.

 

استجابة بيولوجية

 

أولًا: افهم ما يحدث داخلك علميًّا:

 

ما تشعر به ليس ترفًا نفسيًّا ولا ضعفًا في الإيمان، بل استجابة بيولوجية ونفسية مشتركة بين كثيرين.

 

فالمواسم تؤثر فينا عبر ما يسمى الساعة الحيوية الداخلية أو إيقاع الساعة البيولوجية (Biological Circadian Rhythm)، التي تنظم المزاج والنوم والطاقة. حين تقل أشعة الشمس، تميل النفس للحزن والانطواء. لذا فمعرفتك بالمشكلة هي أولى خطوات العلاج، لأن الوعي بالخلل يفتح باب التوازن.

 

إعادة تنشيط السلوك

 

ثانيًا: الجانب النفسي والسلوكي:

 

علاج هذا النوع من الحزن الموسمي يقوم على ما يسمى في العلاج المعرفي السلوكي بـ إعادة تنشيط السلوك (Behavioral Activation)، أي مواجهة الخمول بالمبادرة إلى الفعل، حتى لو لم تكن لديك رغبة أولية.

 

ولهذا سوف أقدم لك بعض الخطوات العملية التى قد تساعدك بعون الله تعالى:

 

1- التعرّض للضوء الطبيعي: احرص على المشي في الصباح الباكر حيث ضوء الشمس الطبيعي، فهو محفّز قوي لهرمون السيروتونين.

 

٢- الاستمرار في الأنشطة المحببة حتى وإن فقدت متعتها مؤقتًا: لأن الفعل يسبق الشعور أحيانًا، كما تقول القاعدة النفسية: "Action precedes Emotion".

 

3- مارس الرياضة المنتظمة: فهي أحد أقوى مضادات الاكتئاب الطبيعية.

 

4- حافظ على نمط نوم ثابت: لأن اضطراب النوم يزيد من حدّة الحزن الموسمي.

 

5- يمكنك أن تدوّن مشاعرك يوميًّا: لتتعرف على أفكارك السلبية وتفصلها عن حقيقتك، فالفكر السلبي لا يعني الواقع، بل هو مجرد تشوه معرفي يمكن تصحيحه.

 

6- تذكّر أن الله تعالى قال: ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾.. وهذا الوعد الإلهي يذكّرنا بأن الفصول تتبدّل كما تتبدّل الأحوال، وأن الحزن موسم عابر لا يدوم، فدوام الحال من المحال، وأن رحمة الله تعالي بنا هو تعاقب الليل والنهار وتغير المواسم.

 

فاجعل علاقتك بربك مصدر دفء داخلي، فالعبادة ليست طقسًا موسميًّا، بل شمس لا تغيب، تمدّ القلب بطاقة النور حتى في ظلمة الشتاء.

 

7- يمكنك أيضًا أن توظّف حبك للصيف والبحر في طاقة رمزية.. فتجعل في غرفتك صورًا أو ألوانًا مشرقة تذكّرك بالبهجة التي تحبها، فهذا يُعرف في علم النفس بـ التحفيز البصري الإيجابي (Positive Visual Stimulation).

 

8- نصيحتي المهمة لك هي: ألا تنعزل، فالعزلة تُغذّي الحزن. ابحث عن الأشخاص الإيجابيين، فالمشاركة الوجدانية تفتح نوافذ النور في النفس.

 

وبعدها إذا استمر الحزن لأكثر من أسبوعين أو أثّر على دراستك ونومك وشهيتك، فأنصحك باستشارة مختص نفسي، ليس لأنك مريض، بل لأنك إنسان يسعى للاتزان النفسي، وهو ما يسمى في العلاج النفسي بـ “Early Intervention” أي التدخل المبكر قبل تفاقم الأعراض.

 

* همسة أخيرة:

 

ما تمرّ به ليس ضعفًا، بل اختبار للنضج النفسي والقدرة على فهم الذات. أنت لا تفقد الصيف، بل تنتقل إلى فصل جديد من التجربة والوعي. وتذكّر قول الله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا﴾.. أي أن اختلاف الفصول لحكمة، ومن يدرك هذه الحكمة يعيش الحياة كلها موسمًا يحبه في قلبه، مهما تغيّر الجو من حوله.

 

روابط ذات صلة:

كيف أواجه شعور الاكتئاب والرغبة في العزلة خلال الأعياد؟

الرابط المختصر :