الإستشارة - المستشار : د. أميمة السيد
- القسم : المراهقون
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
18 - رقم الاستشارة : 2121
17/07/2025
مساء الخير يا دكتورة، أنا مش عارف أبدأ منين، بس أنا محتاج حد يسمعني ويفهمني لأن مفيش حد في حياتي بيسمعني خالص.
أنا عندي ١٥ سنة، والدي عنيف جدًّا من زمان، من وأنا صغير وهو بيضربني ضرب صعب أوي، مش ضرب تأديب.. ده بيضربني لدرجة إني ساعات بحس إني هموت.
كل حاجة عنده فيها صريخ، إهانة، وشتايم. بيقلل مني قدام إخواتي، وقدام الناس.
حتى لو عملت حاجة كويسة عمره ما قال لي "برافو"، عمره ما حضني، ولا قال لي إنه بيحبني.
ساعات كتير ببص في المرايا وأسأل نفسي: هو أنا أستاهل كده؟! أنا فكرت في الانتحار أكتر من مرة.. أو أهرب من البيت، بس أمي...
أمي بتوجع قلبي، هي بتحاول تحميني على قد ما تقدر، بس هو بيخوفها هي كمان.
بقيت شارد طول الوقت، بحس إني تايه، ومش قادر أكمل. أنا مش بطلب حاجة غير شوية رحمة.
أنا تعبان أوي ومش عارف أعمل إيه؟ أهرب؟ أواجهه؟ أسكت؟ أنا خلاص مش قادر أستحمل أكتر من كده.
ابني الحبيب الغالي..
أشعر بصدق ألمك، ووجع قلبك الذي انسكب في كلماتك، وشعورك بالوحدة والخذلان والظلم، وهذا في حد ذاته يدل على قلبك الحي، الحساس، الباحث عن الحب والأمان…
وأريدك أن تعلم أولًا أنني أحترم جدًّا شجاعتك في كتابة هذه الرسالة، وأراك شخصًا قويًّا، حتى وإن ظننت العكس.
أولًا: عليك أن تعلم أن مشاعرك طبيعية ومفهومة؛ فأنت لا تبالغ، ولا تتوهم، وما تمرّ به يُعد من صور "العنف الأسري المنهك نفسيًّا" (Destructive Parental Abuse)، وهو يؤدي إلى ما يسمى بـ"Chronic Emotional Trauma" ، أي الصدمة العاطفية المزمنة، والتي قد تسبب لك حالة من الانسحاب، الشك الذاتي، ضعف الثقة بالنفس، وربما اكتئاب تفاعلي.
وحديثك عن التفكير في الهروب أو الانتحار ليس دليل ضعف… بل هو صرخة ألم تحتاج إلى حضن لا إلى حكم، وإلى تفهُّم لا إلى لوم.
ثانيًا: عليك أيضًا أن تعلم أنك لست السبب، بل أنت الضحية..
الوالد الذي يضرب ويهين ويقسو باستمرار دون وازع ديني أو أخلاقي، غالبًا ما يكون لديه هو نفسه مشاكل داخلية لم يواجهها، قد يكون مصابًا بما يُعرف بـ"Intergenerational Trauma" ، أي الصدمة المتوارثة عبر الأجيال، وربما تعرّض هو للعنف في طفولته، ولم يجد من يعالجه.
لكن تذكّر دائمًا "أن تكون ضحية.. هذا لا يعني أن تبقى مكسورًا".
ثالثًا: مسؤوليتك الآن أن تحمي نفسك دون أن تفقد نفسك.
* والآن أوصيك بثلاث خطوات عملية:
1- اكتب مشاعرك يوميًّا؛ فالتفريغ النفسي المنتظم يُخفّف التوتر ويعيد ترتيب الأفكار.
2- كن على صِلة دائمة بمن يحبك بصدق: أمك، معلم محترم، أو قريب ناضج، فـ العلاقات الآمنة (Safe Attachments) هي سُترة النجاة وسط الغرق.
3- تعلّم كيف تضع حدودًا داخلية..
ليس مطلوبًا منك أن تهاجم والدك، لكن يمكن أن تنسحب بهدوء حين تبدأ نوبة غضبه، أو تُغادر الغرفة بأدب لحماية نفسك، دون تحدٍّ أو صدام.
رابعًا: ولا بد أن تعلم ويعلم والدك أن ديننا الحنيف لم يُجز للآباء ضربًا مُهينًا، بل نهى عن الإيذاء البدني والنفسي.
قال رسول الله ﷺ: "ليس المؤمن بالطعّان، ولا اللعّان، ولا الفاحش، ولا البذيء". كما أنه لم يُؤثر عن النبي ﷺ أنه ضرب طفلًا أو مراهقًا قط، بل كان يربّي بالحبّ والاحتواء والتفهُّم، فاقتدِ بالحبيب لا بالمُعذِّب.
خامسًا: ثق أنك لست وحدك، فاالله معك..
قال تعالي: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾.
ثق أن الله يرى كل دمعة بعين الرحمة، ويسمع كل تنهيدة، ولا يُضيع أجر من صبر وتحمّل.
ثم لا تنس والدتك المسكينة التي لا ترضى لك هذا القهر والألم النفسي والجسدي، ولكن هي أضعف من أن تصده عنك، فراعِ الله فيها ولا تجعلها تكتوي بنار فراقك أيضًا.
همسة أخيرة:
إياك أن تفكر في الانتحار؛ لأنك تستحق الحياة.. والحياة التي تستحقك لم تبدأ بعد.. أنت لم تُخلق لتُهان، بل لتُكرَم.
فمن قال إنك عاجز؟ بل أنت نبتة تنمو وسط قاعدة إسمنتية، وإن تألمت جذورك، فالغدُ يحمل المطر.
فاصبر، واطلب المساعدة من مختص نفسي إن أمكن، ولا تتردد في طلب الحماية إن تجاوزت الأمور حدودها، مع الوضع في الاعتبار أن والدك لا يكرهك بل يحبك جدًّا، وإن خسرك لا قدر الله فسوف يندم، فلا بد أن نعينه على رد ظلمه لك.. ولقد وصاك الله عز وجل بالوالدين ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾.
أنت غالٍ... ومحبوب... وقادر على النجاة، والله معك.