الإستشارة - المستشار : د. أميمة السيد
- القسم : المراهقون
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
7 - رقم الاستشارة : 2164
21/07/2025
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أنا أم لابنتين، واحدة في الصف الأول الثانوي، والأخرى في الصف الثاني الإعدادي. زوجي يعمل بالخارج منذ سنوات، وأنا التي أتحمّل المسؤولية وحدي في البيت بكل ما فيه.
والمشكلة أن ابنتَيّ لا تتوقفان عن الشجار طوال اليوم، سواء على أمور تافهة أو كبيرة، والعناد بينهما وصل لحدٍّ لم أعد أتحمّله.
لا يكفّان عن "العِند" والكلام المستفز لبعضهما البعض، وكل واحدة تحاول توريطني في المشاكل، وأحيانًا تتحول الخلافات بينهما إلى صراخ أو تكسير أو انفعالات مبالغ فيها.
وأنا أصبحت لا أستطيع أن أهدأ لحظة، بيتي كله توتر وشدّ أعصاب، وكل يوم فيه مشكلة جديدة.
طلبت منهم أكثر من مرة يساعدوني في شغل البيت، أو حتى يراعوا حالتي الصحية والنفسية، لكن لا حياة لمن تنادي. يرفضن أي مساعدة، ويتصرفن وكأنني خادمة في المنزل! وإن طلبت منهن شيئًا، تأتي الإجابة بصوت عالٍ، أو بوجه عبوس، أو بتجاهل تام.
للأسف، أعصابي تعبت، وأصبحت كثيرة الانفعال، وارتفع عندي السكر، وأصبحت حياتي كلها ضغط ووجع قلب... لا أشعر بالأمان ولا بالراحة النفسية، ولا حتى بأي تقدير من بناتي.
أنا لم أُقصّر في تربيتهن، بل حاولت بقدر ما أستطيع أن أكون الأم والأب معًا، لكن يبدو أن جهدي ضاع، أو أنني فشلت في احتوائهن.
فهل الخطأ مني؟
وكيف أتعامل مع هذه الفترة؟
هل من طريقة تساعدني في ضبط البيت، وتحويل هذه العلاقة العدائية بين البنات إلى شيء صحي؟
أنا منهكة... نفسيًا وبدنيًا.
أرجو من حضرتكم مساعدتي بتوجيه تربوي ونفسي مفصل، فأنا على حافة الانهيار.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،
أيتها الأم الطيبة المثقلة بالصبر والهم، أُقدّر لكِ أولًا شجاعتك في طلب المساعدة، وهذا وحده دليل على أنكِ ما زلتِ في ساحة الصمود، ترفضين الاستسلام، وتحاولين النجاة بنفسك وببناتك، رغم ما تعانينه من ضغط نفسي وجسدي، فجزاكِ الله عن أمومتك خير الجزاء.
وقبل أن نبدأ في تحليل ما تمرين به، دعيني أربت على قلبكِ وأقول لكِ: لم تفشلي يا أختي، ولكنكِ فقط "أُرهقتِ" من الحمل الثقيل... والفرق بين الفشل والإرهاق كبير.
أولًا: لنعمل معًا على تفكيك جذور المشكلة..
أنتِ الآن في بيت يضم فتاتين مراهقتين، في مرحلتين دقيقتين من النمو العقلي والانفعالي، واحدة في الصف الأول الثانوي (أي في قمة المراهقة المتأخرة)، والثانية في الصف الثاني الإعدادي (بداية المراهقة المتوسطة).
في هذه السن، تمر الفتاة بتحولات هرمونية وسلوكية ونفسية شديدة التعقيد، ويُصبح السلوك العام في كثير من الأحيان غير متزن، تتأرجح بين الرغبة في الاستقلال وبين الحاجة للاهتمام والرعاية، ويظهر ما يسميه علماء النفس التربوي بـ "Psychosocial Confusion" أي "الارتباك النفسي الاجتماعي"، وهو أحد مظاهر أزمة الهوية في هذه المرحلة، كما وصفها "إريكسون" في نظريته المعروفة.
لذلك، فإن العناد، والتصادم، وكثرة الجدال، ورفض المسؤولية، والانفعالات العالية... كلها مظاهر شائعة في هذا العمر، لكنها تحتاج إلى إدارة تربوية نفسية ذكية.
ومع غياب الأب الجسدي، بل وربما العاطفي أيضًا بسبب البُعد، تفقد الفتاتان جزءًا من الضبط الانفعالي (Emotional Regulation)، وتفتقران لعنصر الحسم والاحتواء في المواقف، فتقع مسؤولية التوجيه كاملة على كتفيكِ، وهذا ليس بالأمر الهيّن.
ثانيًا: مشاعركِ مشروعة، لكن لا بد من إعادة توزيع الطاقة النفسية..
أنتِ تقولين إنكِ أصبحتِ منهكة، مصابة بالسكر، ومرهقة جسديًّا ونفسيًّا، وهذا أمر طبيعي جدًّا في حالتك، لكنه خطر إذا لم تنتبهي له؛ لأننا نخشى هنا من الوقوع فيما يُعرف بـ Parental Burnout أو الاحتراق الوالدي، وهو حالة من الإنهاك الجسدي والعاطفي نتيجة الضغوط المستمرة دون دعم كافٍ، خصوصًا في البيوت أحادية الوالد (Single Parent Homes).
وهنا، لا بد أن نبدأ من العناية بكِ أنتِ أولًا، قبل الحديث عن سلوك الفتاتين؛ لأن الأم المنهارة لا يمكنها قيادة سفينة الأسرة، فإن لبدنك عليك حقًّا.. فلا تهدري صحتكِ من أجل الإصلاح وحدكِ، بل اطلبي العون، ووفّري لنفسكِ متنفسًا ولو قليلًا.
ثالثًا: خطوات عملية متدرجة لضبط المنزل وعلاقات البنات:
١- ضعي قواعد واضحة للسلوك..
اجلسي معهما في وقت هادئ، ليس للوم، بل للحوار، وضعي "قواعد عائلية مشتركة"، تحتوي على:
- ممنوع الصراخ أو الشتائم أو رفع الصوت.
- المسؤولية المنزلية توزع حسب جدول أسبوعي.
- وقت خاص لكل واحدة معكِ، لتعويض الحنان المفقود.
وهذا إن شاء الله سوف يحقق بيئة أسرية منظمة، وهي من أهم عوامل الأمان النفسي للمراهقين.
٢- استخدمي أسلوب الثواب والعقاب الذكي..
عند تجاوز أي قاعدة، لا تصرخي، بل طبّقي نتيجة منطقية.
مثال: "من ترفض المساعدة في المنزل، لا تحصل على المصروف الإضافي أو استخدام الإنترنت في يومها".
٣- احرصي على وقت حواري أسبوعي جماعي..
اجعلي لكل أسبوع "مجلسًا أموميًّا" فيه جلسة غير رسمية، بدون توبيخ، بل فقط فضفضة، قصص، ضحك، دعاء، ومشاركة، حتى تنكسر حدة التوتر داخل البيت، وتعود الروح.
٤- وجّهي مشاعر الغضب بذكاء تربوي..
حين تحتدم الخلافات بينهما، افصلي بينهما فوريًّا وكل منهما على غرفتها، ودربيهما على "تسمية المشاعر"، كأن تقولي لكل واحدة: "أنتِ غاضبة؟ لماذا؟ ما الذي أزعجك؟ ما ردّك المناسب؟"؛ فالتسمية تساعد على التحكم بالانفعال، وهذه مهارة نفسية مهمة جدًّا في المراهقة.
٥- استعيني بالأب ولو عن بُعد..
فدور الأب ينبغي ألا يغيب تمامًا، اطلبي منه تخصيص وقت أسبوعي مع كل ابنة، على مكالمة فيديو، لمتابعة الأمور، وتقديم التوجيه؛ فالأب له أثر حاسم في تأديب البنات نفسيًّا وإن لم يكن موجودًا جسديًّا.
رابعًا: اعلمي يا عزيزتي أن التربية بالحب لا الصراخ..
فالصراخ المتبادل يخلق دوامة من التوتر والعدوانية في البيت، لكن التربية بالحب – حتى مع الحزم – تصنع أثرًا طويل المدى.
كلمات مثل: "أنا أحبكِ لكن أرفض تصرفك"، "أنا موجودة لأدعمك، لا لأتحداكِ"، تبني الجسور بينك وبين بناتك.
خامسًا: أذكرك بمداومة الدعاء لهما؛ فالقلوب بيد الله، واسألي الله بصدق أن "يصلح ذريتكِ ويملأ قلوبهن حنانًا وهداية".
* همسة أخيرة للأم الصابرة:
أختي الحبيبة، أنت لم تضيعي، ولم تفشلي، وإنما أثقلتكِ الظروف، لكنكِ ما زلتِ على الطريق.. ومع خطوات تربوية ذكية، وعناية بصحتكِ النفسية، ودعاء لا يفتر، ستتحول بإذن الله هذه المعركة اليومية إلى لحظات إصلاح ونمو.
أنا فخورة بكِ لأنكِ رغم كل شيء، اخترتِ أن تطلبي الحل بدل أن ترفعي راية الاستسلام.
دمتِ أمًّا عظيمة تستحق كل الدعم.