ضوابط التفسير الصحيح للقرآن الكريم

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : د. رجب أبو مليح محمد
  • القسم : علوم القرآن والحديث
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 152
  • رقم الاستشارة : 2817
29/09/2025

هل وارد أن يخطيء المفسر في تفسير القرآن الكريم خاصة القدامى من المفسرين الكبار وكيف نعرف التفسير الصحيح من التفسير غير الصحيح؟

الإجابة 29/09/2025

بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:

 

فثمة فارق كبير بين القرآن الكريم وهو المعصوم من الخطأ، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وبين التفسير وهو جهد بشير يصيب ويخطئ ولا عصمة لأحد بعد النبي ﷺ.

 

شروط وضوابط

 

وقد وضع العلماء شروطًا وضوابط للتفسير حتى لا يقول فيه من شاء ما شاء، ومن الشروط والضوابط التي وضعها العلماء للمفسر؛ سلامة الاعتقاد والتجرد عن الهوى، والمعرفة بعلوم القرآن واللغة العربية، وعلوم الشريعة كأصول الفقه، وفهم السنة النبوية والآثار السلفية، وأهمها أن يفسر القرآن بالقرآن، ثم بالسنة الصحيحة، ثم بأقوال الصحابة، مع الاستعانة بالملكة والفهم الدقيق، وعدم القول بالرأي أو التأويل الفاسد.

 

يقول الشيح مناع القطان – رحمه الله – في كتابه مباحث في علوم القرآن:

 

قد ذكر العلماء للمفسر شروطًا نجملها فيما يأتي:

 

1- صحة الاعتقاد: فإن العقيدة لها أثرها في نفس صاحبها، وكثيرًا ما تحمل ذويها على تحريف النصوص والخيانة في نقل الأخبار، فإذا صنف أحدهم كتابًا في التفسير أول الآيات التي تخالف عقيدته، وحملها باطل مذهبه، ليصد الناس عن اتباع السلف، ولزوم طريق الهدى.

 

2- التجرد عن الهوى: فالأهواء تدفع أصحابها إلى نصرة مذهبهم، فيغرون الناس بلين الكلام ولحن البيان، كدأب طوائف القدرية والرافضة والمعتزلة ونحوهم من غلاة المذاهب.

 

3- أن يبدأ أولاً بتفسير القرآن بالقرآن، فما أجمل منه في موضع فإنه قد فصل في موضع آخر، وما اختصر منه في مكان فإنه قد بسط في مكان آخر .

 

4- أن يطلب التفسير من السنة فإنها شارحة للقرآن موضحة له، وقد ذكر القرآن أن أحكام رسول الله ﷺ إنما تصدر منه عن طريق الله، يقول الله تعالى: ﴿إِنَّا أنزَلْنَا إِلَيْكَ الكِتَابَ بِالحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَائِنِينَ خَصِيمًا﴾ [النساء: 105].

 

وذكر الله أن السنة مبينة للكتاب يقول الله تعالى﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ * بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [النحل: 43- 44].

 

ولهذا قال رسول الله ﷺ (ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه) يعني السنة. وقال الشافعي رضي الله عنه: "كل ما حكم به رسول الله ﷺ فهو مما فهمه من القرآن"، وأمثلة هذا في القرآن كثيرة - جمعها صاحب "الإتقان" مرتبة مع السور في آخر فصل من كتابه كتفسير "السبيل" بالزاد والراحة، وتفسير "الظلم" بالشرك، وتفسير "الحساب اليسير" بالعرض.

 

5- إذا لم يجد التفسير من السنة رجع إلى أقوال الصحابة فإنهم أدرى بذلك لما شاهدوه من القرائن والأحوال عند نزوله، ولما لهم من الفهم التام، والعلم الصحيح، والعمل الصالح .

 

6- فإذا لم يجد التفسير في القرآن ولا في السنة ولا في أقوال الصحابة فقد رجع كثير من الأئمة في ذلك إلى أقوال التابعين، كمجاهد بن جبر، وسعيد بن جبير، وعكرمة مولى ابن عباس، وعطاء بن أبي رباح، والحسن البصري، ومسروق بن الأجدع، وسعيد بن المسيب، والربيع بن أنس، وقتادة والضحاك بن مزاحم، وغيرهم من التابعين، ومن التابعين من تلقى جميع التفسير عن الصحابة، وربما تكلموا في بعض ذلك بالاستنباط والاستدلال، والمعتمد في ذلك كله النقل الصحيح.

 

7- العلم باللغة العربية وفروعها: فإن القرآن نزل بلسان عربي، ويتوقف فهمه على شرح مفردات الألفاظ ومدلولاتها بحسب الوضع، قال مجاهد: "لا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يتكلم في كتاب الله إذا لم يكن عالمًا بلغات العرب".

 

والمعاني تختلف باختلاف الإعراب، ومن هنا مست الحاجة إلى اعتبار علم النحو والتصريف الذي تعرف به الأبنية، والكلمة المبهمة يتضح معناها بمصادرها ومشتقاتها وخواص تركيب الكلام من جهة إفادتها المعنى، ومن حيث اختلافها بحسب وضوح الدلالة وخفائها. ثم من ناحية وجوه تحسين الكلام -وهي علوم البلاغة الثلاثة: المعاني والبيان والبديع- من أعظم أركان المفسر. إذ لا بد له من مراعاة ما يقتضيه الإعجاز، وإنما يدرك الإعجاز بهذه العلوم .

 

8- العلم بأصول العلوم المتصلة بالقرآن، كعلم القراءات؛ لأن به يعرف كيفية النطق بالقرآن ويترجح بعض وجوه الاحتمال على بعض، وعلم التوحيد حتى لا يؤول آيات الكتاب التي في حق الله وصفاته تأويلا يتجاوز به الحق، وعلم الأصول، وأصول التفسير خاصة مع التعمق في أبوابه التي لا يتضح المعنى ولا يستقيم المراد بدونها، كمعرفة أسباب النزول، والناسخ والمنسوخ، ونحو ذلك.

 

9- دقة الفهم التي تمكن المفسر من ترجيح معنى على آخر، أو استنباط معنى يتفق مع نصوص الشريعة.

 

والله تعالى أعلى وأعلم.

 

روابط ذات صلة:

كيف أتعامل مع الآيات التي لا أفهمها ولا أقتنع بتفسيرها؟

 

الرابط المختصر :