عناد البنات مع الأمهات.. أزمة كل بيت!!!

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : د. أميمة السيد
  • القسم : المراهقون
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 136
  • رقم الاستشارة : 2236
31/07/2025

سلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

أنا أم لثلاث بنات، واحدة في الصف الثاني الثانوي، والثانية في أولى جامعة، والثالثة في أولى إعدادي. الحمد لله بناتي مؤدبات ومحترمات، فيهم صفات جميلة كثيرة، وكل من يعرفهم يمدح أخلاقهم. لكن مشكلتي معاهم داخل البيت، وبالذات في مسألة تحمّل المسؤولية ومساعدتي.

أنا كبرت في السن، وصحتي مش زي زمان، وأصبحت أعاني من بعض الأمراض المزمنة، ومع ذلك بحاول أتحمل وأقوم بواجباتي. كنت دايمًا بربي بناتي على الاحترام والمساعدة، وفعلاً وهم صغيرين كانوا بيساعدوني في البيت من نفسهم، لكن للأسف كل ما كبروا، كل واحدة بدأت تتهرب من المسؤوليات.

الكبيرة تقول إنها مرهقة من المذاكرة، والتانية تتحجج إنها مشغولة أو تعبانة، والصغيرة للأسف بدأت تقلّدهم في نفس السلوك، وده كسر قلبي، لأني شايفة إنهم مش بيقدروا تعبي ولا ظروفي الصحية.

جربت معهم أساليب كتير: بالكلام الهادئ، بالحزم، بالمكافآت، وأوقات تانية بالصراخ والانفعال، وأحيانًا حتى بالضرب لما بفقد أعصابي... وكل مرة بيكون نفس النتيجة: عناد ورفض وتبرير.

أنا مش عايزاهم يساعدوني لمجرد إني تعبانة، لكن نفسي يتعلموا معنى المسؤولية، علشان يعرفوا يتصرفوا لو اتجوزوا وبقوا في بيوتهم. أنا خايفة عليهم من المستقبل، وخايفة إنهم يطلعوا معتمدين ومش قد المسؤولية.

تعبت نفسيًا وجسديًا، ومش عارفة أتصرف إزاي. نفسي ألاقي طريقة تغيّر من سلوكهم بدون ما يحصل بيني وبينهم صدام أو خصام.. دكتورة أرجوكِ ساعديني.

الإجابة 31/07/2025

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته أيتها الأم الصبورة الطيبة..

 

شكرًا لك على ثقتك ومشاركتك الصادقة، وقد لامست كلماتك قلبي وأُدرك تمامًا حجم المعاناة التي تمرين بها.

 

كما أتفهم مشاعرك جيدًا، وأشعر بمرارة الإحباط حين تتأمل الأم ماضي أولادها حين كانوا صغارًا مطيعين مساعدين، ثم ترى تغيّرهم التدريجي كلما كبروا، فتستغرب وتتألم وتحتار في التعامل معهم.

 

لكن يا حبيبة القلب، دعيني أطمئنك بأن هذا التغير الذي تمر به بناتك -على شدّته- ليس بالضرورة دليلاً على فساد تربوي، بل هو في كثير من الأحيان امتداد طبيعي لمراحل النمو النفسي والاجتماعي التي يمر بها الأبناء، وخاصة الإناث في مرحلة المراهقة وبداية الرشد، حيث مرحلة التمايز وتكوين الهوية الشخصية، والتي يشعر فيها الأبناء بحاجة إلى نوع من الاستقلالية، ويظنون خطأً أن من مظاهره رفض الالتزامات المنزلية والانشغال بالذات.

 

ولذلك، ما تمرين به الآن ليس حالة فريدة، بل ظاهرة تربوية عامة، بل هي مشكلة شائعة في معظم البيوتات المصرية والعربية.. ولكنها تحتاج إلى تعامل تربوي حكيم لا عنيف.

 

ورغم أنني أعلم جيدًا أن ضغوطك الصحية والنفسية قد تدفعك أحيانًا للانفعال أو الصراخ أو حتى العقاب الجسدي، وهذا طبيعي كبشر، لكن لا بد أن نُذَكِّر أنفسنا دائمًا أن العنف لا يُورِث طاعة، بل يورِّث الرفض الداخلي السلبي، أو التمرد الصامت، أو الجفاء العاطفي.

 

وقد قال النبي ﷺ: "ما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نُزع من شيء إلا شانه"؛ فرفقك وصبرك عليهم، رغم قسوة المشاعر، سيكون أعظم وسيلة لإعادة بناء الجسر العاطفي المقطوع بينك وبينهن.

 

* ولذا فإن وصيتي لك ولكل أم تمر بهذه المرحلة:

 

أولًا: لا تربطي "المساعدة" فقط بمفهوم "الإعانة الجسدية" في البيت، بل اعتبريها فرصة لبناء الشخصية القادرة، ولهذا استخدمي معهم لغة تُحفز مفهوم "الاستقلال المسؤول" و"الشراكة الأسرية"، بدلاً من أوامر تُشعرهم بالتكليف أو الاستنزاف.

 

فقولي لهن مثلًا: "أنا أحتاج شراكتكم مش خدمتكُم"، أو "عايزة أفرح بيكم وأنتم كبار واعيين ومتحملين مسؤولية حياتكم ومستقبلكم".

 

ثانيًا: شجعي السلوك الإيجابي فور ظهوره، ولو بسيطًا، بـما نُسميه: Positive Reinforcement أي التعزيز الإيجابي، مثل الشكر، الدعاء، الاحتواء، التعبير عن الامتنان، فالفتاة حين تشعر أنها محل تقدير، تُقبل أكثر على العطاء.

 

ثالثًا: اجلسي مع كل بنت وحدها - وليس جميعهن معًا- وافتحي معها حوارًا إنسانيًّا فيه استماع واحتواء، بدون توجيه ولا تأنيب، بل بحوار من القلب إلى القلب، ولتُشعري كل واحدة منهن أنها صديقتك ومستشارتك في التفكير وحفظ الأسرار.

 

رابعًا: أديري البيت وكأنك "مديرة فريق" تحفز وتُشرك وتُعزز، لا "قاضية" تصدر أوامر وتعاقب، فالأسلوب التشاركي في التربية يزرع ما يسمى بـ :Intrinsic Motivation أي الدافعية الذاتية لفعل الخير، وليس الإكراه أو الخوف من العقاب.

 

* نقطة مهمة تربويًّا:

 

البنت الصغيرة الآن تكتسب سلوك الملاحظة والتقليد – Observational Learning من أخواتها، وإذا استمر الوضع، فستثبت في عقلها الباطن قاعدة: "ماما بتصرخ وتتعصب، ومحدش بيساعد، وإحنا كده صح"! وهذا خطر طويل المدى في تكوين شخصيتها.

 

ولذا فإن تغيير مناخ المنزل من التوتر إلى التفهم، ومن التكليف إلى التشجيع، هو حجر الأساس في أي خطة تربوية ناجحة.

 

في سورة مريم، لما قالت السيدة مريم: ﴿يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا﴾، جاءها النداء الرباني بكل حنان: ﴿فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي﴾؛ فالله تعالى يُعلِّمنا كيف نخاطب المتعبين بلغة الرحمة لا لغة العتاب. فما بالنا نحن، الأمهات والآباء، ألا نخاطب أبناءنا بلين وطمأنينة مهما أرهقونا؟!

 

وأخيرًا أختي الحبيبة.. لا تفقدي الأمل!

 

ما زال الوقت مبكرًا، وبناتك لم يخرجن عن طريق الأخلاق، وكل ما يحتجنه هو التوجيه الهادئ، والاستمرارية، والقدوة الحسنة، والتفاهم بدل التصادم، وديمومة الدعاء لهن.

 

عودي إليهن بصوت ناعم هادئ، وابتسامة أم رغم الوجع، وثقي أن الحب إذا غلّف التوجيه، وصل إلى القلوب دون مقاومة.

 

* وهمسة أخيرة أذكّرك فيها وأذكّر كل أم:

 

الاحتواء لا يعني التهاون، بل هو الحزم بلغة الحب، والصرامة بلون العاطفة، والحدود بقالب التفهّم.

 

معكِ قلبًا وقالبًا، وأدعو الله أن يرزقك الراحة والسكينة، وأن يجعل بناتك قرة عين لك، وأن يُصلحهن ويجعلهن ذخرًا لك ولوالدهن في الدنيا والآخرة.

الرابط المختصر :