الإستشارة - المستشار : د. أميمة السيد
- القسم : الأطفال
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
29 - رقم الاستشارة : 2074
25/05/2025
السلام عليكم دكتورة أميمة،
يعطيج العافية، أنا أم لبنية عمرها الحين سنتين وشهرين تقريبًا، وبصراحة مو عارفة شلون أتعامل معاها بخصوص موضوع مأرقني حيل.
بنتي ما ترضى أحد يمسك إيدها أبدًا وهي ماشية، لا أنا ولا أبوها، حتى لو كنا برا بالشارع أو بمكان عام، ترفض تمامًا وتبعد إيدنا عنها، وإذا حاولنا نمسكها تصارخ وتعيط وتتمدد بالأرض! صراحة الموقف وايد محرج، ومو بس جذي، إحنا نخاف عليها حيل، خاصة إذا كنا بمكان فيه سيارات أو درج أو ناس وايد.
جربنا نشرح لها، ونلعب وياها، ونعرض عليها تمسك لعبتها بيد وتمسكنا بالثانية، بس ما في فايدة.
مرات أخليها تمشي جدامي وأراقبها، بس يظل الموضوع مقلق، لأنها فجأة تركض أو تتعثر، وأخاف تقع أو تتأذى.
هي بشكل عام عنيدة شوي، وتحب تسوي الأشياء بروحها، حتى بالأكل تبي تمسك الملعقة بنفسها وما تحب أحد يساعدها.
أنا مو عارفة إذا هذا طبيعي لهالعمر؟ ولا هي تبالغ؟ وشلون أتعامل معاها بدون لا أكسر شخصيتها، ولا أخليها تتعرض للخطر؟
شاكرة لج مقدماً دكتورة، ومقدّرة تعبج، والله يجزاج خير.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته أيتها الأم الفاضلة،
أسعدك الله بطفلتك، وجعلها قرّة عينٍ لكِ في الدنيا والآخرة، وطلب الاستشارة بحدّ ذاته دليل على أنك أم حريصة على التربية الإيجابية وتكوين علاقة صحية مع ابنتك.
أطمئنك أولاً: بأن ما تصفينه من سلوك طفلتكِ هو أمر طبيعي في هذه المرحلة العمرية، ولا يُعد اضطرابًا أو مشكلة نفسية، بل هو سلوك يرتبط ارتباطًا وثيقًا بمرحلة الاستقلالية، وهي مرحلة تبدأ عادة من عمر 18 شهرًا إلى 3 سنوات، وفيها يسعى الطفل إلى إثبات ذاته، وتجربة السيطرة على أفعاله، وتأكيد استقلاله عن الآخرين.
حبيبتي، رفض الطفلة أن يُمسكَ بيدها أثناء المشي يعكس حاجة داخلية عندها لما يسمى Self-agency أو الإحساس بالتحكم الذاتي، وهذه الحاجة طبيعية وأساسية لنمو الثقة بالنفس والاستقلال لاحقًا.
لكن بما أن وعيها الإدراكي لا يزال في طور النمو، فإنها لا تُدرك تمامًا عواقب تصرفاتها أو مخاطر البيئة من حولها، ولذلك تقع الأم في صراع بين حماية الطفلة واحترام رغبتها في الاستقلال.
عزيزتى، إليكِ عدة خطوات عملية تربوية، كي تستطيعي التوازن بين حريتها وسلامتها:
١- اعتمدي أسلوب "الاختيار ضمن الإطار المحدد":
فبدلًا من الأمر المباشر: "لازم تمسكين إيدي"، قولي لها: "تبين تمسكين إيدي اليمين ولا اليسار؟" أو: "نتمشى سوا وإنتِ تمسكين إيدي، ولا تمسكين حبل الأمان.. بهذا الأسلوب نشبع رغبتها في الاختيار، ونضمن السلامة.
٢- يمكنك أيضا استخدام وسيلة بديلة للإمساك..
مثل السوار المطاطي المتصل بينك وبينها، أو قبضة حبل قماش صغير تحمله كل منكما، ما يُشعرها بحرية ولكن يبقيها في نطاق الأمان.
٣- كذلك اللعب التخيلي قبل الخروج مفيد بدرجة كبيرة..
أي قومي بتمثيل الموقف معها داخل المنزل وكأنكما في الشارع، ودعيها تؤدي دور الأم وأنتِ الطفلة، واجعليها تمسك بك، ثم اعكسي الأدوار. هذه الطريقة تُعرف بـ Role Play، وهي فعّالة جدًّا في تعديل السلوك عند الأطفال الصغار.
٤- كذلك مدح السلوك المرغوب بصيغة مشجعة فعل إيجابي:
كلما استجابت للمسك، قلت لها: "واو! شطورة! شلون تمشين وأنا ماسكة إيدج! أنا فخورة فيج!" هذا يعزز لديها ما يُعرف بـ Positive Reinforcement أي التعزيز الإيجابي للسلوك المطلوب.
٥- يجب أيضًا وضع قواعد واضحة وثابتة:
أخبريها أن هناك "أماكن ممنوع نمشي فيها بدون ما نمسك إيد ماما، عشان نحافظ على جسمنا"، وكرري العبارة بهدوء في كل مرة؛ فالتكرار ينمّي التعلم السلوكي.
٦- وانتبهي ألا تعاقبيها بالصراخ أو الغضب:
صرخاتها لا تعني سوء خلق، بل تعني أنها لا تعرف كيف تعبّر عن رأيها بطريقة أخرى، ومع الوقت والتوجيه ستتطور مهاراتها التعبيرية.
عزيزتي الأم، إسلامنا الحنيف راعى مراحل الطفولة واحتياجاتها، وأوصى بها خيرًا، وقد قال رسول الله ﷺ: "ليس منا من لم يرحم صغيرنا"، وكان عليه أفضل الصلاة والسلام، يحمل سبطيه الحسن والحسين، ويلاعبهما ويصبر عليهما، ويدعوهما بالحب والرحمة، لا بالقسوة أو الزجر.
وطفلتكِ يا حبيبتي، لا تختبرك، بل تختبر العالم من حولها. لا تعاندكِ، بل تبحث عن ذاتها الناشئة. فكوني معها مرآة الهدوء، لا ردّة فعل الغضب، وامنحيها شعور الأمان من خلال التفاهم، لا الإكراه. فتربية الأبناء في هذه المرحلة تتطلب احتواء لا انتصارًا، وتوجيهًا لا تحكمًا.
* همسة أخيرة:
اصبري على طفلتك حبيبتك، فهي في عمر الزهور الأولى، وكلّ زرع يُسقى بالرفق، يثمر أطيب الثمار بإذن الله تعالى.
قال رسول الله ﷺ: "إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله". فكوني رفيقة، وستجنين من ابنتكِ أطيب الثمر، وستذكرين هذا الصبر يومًا وتبتسمين.